السبت، 16 مارس 2024

نظرة في التطورات والأحداث الأخيرة

 خلاصة الوضع الحالي و رسائل متناقضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ما بين متفائل يعتقد أن النصر بات قاب قوسين أو أدنى وما بين متشائم يعتقد أن الهزيمة حلت ولم يعد هناك الا الاستسلام لشروط وإملاءات العدو !

المستمع لحديث وتصورات ورؤية واشتراطات وإملاءات العدو يعتقد أن المعركة قد حسمت بانتصار كاسح وأن المقاومة قد رفعت الراية البيضاء ووقعت وثيقة الاستسلام،
والواقع يقول أن هذا لم يحصل .. فلا أحد وقع على أي وثيقة استسلام ولم ترفع المقاومة الراية البيضاء والحرب لم تحسم بعد والمعارك لا تزال مستمرة وجبهاتها تتوسع وتتدحرج خارج غزة اقليميا ودوليا !

أما المتفائلون فهم يربطون تفائلهم بفكرة أن انتصارهم لا يكون بالضرورة بالقضاء على الخصم، وانما في إفشاله في تحقيق أهدافه المعلنة والتي تمثل التعهد بالحد الأدنى الذي يمكن العدو من إعلان انتصاره السياسي !

وكما قلنا سابقا، فإن الأفق حاليا منغلق تماما تجاه أي حل سياسي قريب محتمل لأن الهوة بين الطرفين لا تزال شاسعة ولم ينجح أي أحد في تجسيرها باتفاقية تكون مقبولة لكلا الطرفين !

وبالنظر إلى الواقع وبلغة الحقائق المجردة عن العواطف والأماني، فإن كلا الطرفين (الفلسطيني والاسرائيلي) يعتقد أنه دفع ثمنا باهظا غير مسبوق في تاريخ الصراع، وأن هذا الثمن الذي تم دفعه مسبقا (حاليا) في ساحات الحرب لا بد وأن يتبعه انتصار سياسي واضح يقدمه كل طرف إلى جمهوره كمبرر للثمن وللبقاء السياسي في السلطة وفي صلب المشهد السياسي !

وهذا ينطلق على الطرفين: حماس/المقاومة بشكل عام في قطاع غزة والضفة الغربية وجبهة الاسناد خارج فلسطين، وكذلك الحكومة الاسرائيلية الحالية بكل تطرفها وبطشها واجرامها بحق المدنيين في هذا الصراع !

الاشكال هنا هو أن كلا الطرفين لا يقبل ولا يستطيع أن يوافق على أي اتفاقية تفوح منها رائحة الهزيمة والانكسار بسبب التداعيات المستقبلية المؤكدة لهكذا إشارة في مستقبل ومصير هذا الطرف أو ذاك الذي يقبل بهكذا اتفاق !

ولهذا وضمن هذا الاتغلاق السياسي، فإننا نرى مزيدا ومزيدا من التصعيد العسكري في كافة الجبهات (بما فيها اللبنانية واليمنية والعراقية ومن ورائهم إيران) ، ومزيدا من التصعيد والقسوة والوحشية من طرف العدو أملا في تحقيق نصر اللحظة الأخيرة وانكسار ظهر المقاومة وانفضاض الحاضنة الشعبية عنها !

وكذلك تزداد المناورات والتكتيكات السياسية/العسكرية من خلال مبادرات مشبوهة كموضوع الميناء المؤقت الذي أعلنت عنه أمريكا والذي يفترض أن يتم إنشاؤه خلال شهرين .. ميناء في ظاهره الرحمة والرغبة في ايصال المساعدات الانسانية للمدنيين في غزة، وفي باطنه الخداع والخبث السياسي الصهيو_أمريكي لرسم واقع جديد في قطاع غزة !
والمراقب والمطلع على طريقة تفكير وتخطيط العدو ورؤيته المستقبلية لليوم التالي (بعد انتهاء الحرب) وخططه لوضع وعلاقة قطاع غزة بالكيان الصهيوني يدرك مواطن عديدة للخبث السياسي الكامن وراء هذا المشروع ، خاصة وأن المؤقت سيصبح في اعتبارهم دائم، وأن الاستخدام الانساني سيتوسع ويمتد الى التجاري وربما العسكري في مرحلة لاحقة، وأن ما يبدأ كرصيف بحري عائم أو ميناء مؤقت سيتحول الى قاعدة بحرية عسكرية أمريكية إسرائيلية تتولى مسؤولية الحفاظ على استقرار الاوضاه بما يخدم المصلحة الصهيو_أمريكية !

وأما موضوع الخلاف المزعوم بين الأمريكي (إدارة بايدن) والاسرائيلي (حكومة نتن-ياهو) فهو على الأسلوب وعلى الشكل وعلى الطريقة وليس على الفكرة الأساسية والهدف النهائي .. فلا يجب أن ننسى ولا أن ننخدع بما يسربه الاعلام حول هذا الخلاف .. ولا يجب أن ننسى أن تخلي بايدن عن نتن-ياهو (وهذا أمر محتمل بالطبع) لا يعني بالضرورة أن تتخلى أمريكا أو أي رئيس أمريكي (ترامب مثلا) عن كيان إسرائيل .. فهذا شيء وذاك شيء آخر ! أللهم إلا مضطرة و "بالكندرة" حسب التعبير الشعبي !
أعود إلى موضوع الميناء الأمريكي (الانساني !) وما يكمن وراءه من دلالات وإشارات، فمن الواضح أنهم (أي الأمريكان والاسرائيليين) قد لعبوا هذه الورقة بمهارة وذكاء .. وهم بهذا ضربوا وترا حساسا في تماسك ووحدة الصف الفلسطيني من خلال التنبيش عن نقاط الضعف والخلاف والتنافس والصراع بين اللاعبين والمؤثرين المختلفين في غزة.. ومنهم :-
  1. محمد دحلان كواجهة متقدمة للمصالح والرؤى الاماراتية لمستقبل القطاع وخاصة من منظور اقتصادي يتماشى مع مشروع الكوريدور الاقتصادي الهندي وعلاقات الامارات (الخاصة) مع الهند واسرائيل !
  2. سلطة رام الله وما يشاع عن دور محتمل لها في الادارة المدنية لقطاع غزة على شاكلة الادارة منزوعة السيادة في الضفة الغربية لهذه السلطة، وتأتي إسرائيل لتمد الجزرة أمام وجه هذه السلطة من خلال الكلام عن تعيين مدير المخابرات الفلسطيني حاكما مدنيا لقطاع غزة !
  3. الخصوم السياسيين لحماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة وكثير من هذه الخصومات تندرج تحت بند المساس بالمصالح الشخصية لهؤلاء الخصوم ، أو لاختلاف وجهات النظر بين من يقبل بوجود اسرائيل وبين من يريد أن يتصدى لها ويحاربها
  4. القوى العشائرية الفلسطينية في غزة ومحاولة اسرائيل التقرب منها من خلال عرب النقب الذين يتولون مناصب رسمية في دولة الاحتلال، ومن خلال محاولات شراء الذمم سياسيا لرموز هذه العشائر لمواجهة حماس والمقاومة ، على طريقة كرزاي في أفغانستان أو لحود في جيش لبنان الجنوبي
  5. فئة رجال الأعمال والمؤسسات التجارية الغزاوية .. المتجردة من أي أجندات وطنية ولا يهمها إلا الأعمال والبزنس .. ويأتي هذا من خلال أمريكا بشكل رئيسي من خلال مد الجزرة أمامهم لإنشائ الرصيف البحري للميناء وبعمق 350 متر داخل البحر، وكذلك من خلال اعتمادهم ليكونوا وكلاء استلام وتوزيع المساعدات الانسانية على سكان غزة
وفي مواجهة هذا كله، نجد أن حماس الحركة والسلطة في قطاع غزة في موقف حرج وحساس ودقيق تجاه موضوع الميناء، مما يجعلها تتحرج من مهاجمته وإفشاله عسكريا عند الضرورة (وهذا شيء ممكن ومتاح) ولكنها ومن زاوية أخرى لا تريد أن تتهم بأنها لا تشعر بمعاناة المدنيين من أهل غزة وأنها لا تتعاطف معهم وأنها لا تسمح بالحلول الانسانية لهذه المعاناة !

ومن ناحية أخرى وفي الجبهات الأخرى وخاصة جبهة جنوب لبنان، فإن دائرة الضوء تتجه اليها وتتركز عليها أكثر فأكثر، وذلك لعدة عوامل وأسباب أذكر منها
  1. إدراك حزب الله التام أن الدور سيأتي عليه لا محالة في حال هزيمة حماس وإخراجها من المشهد السياسي ومن ساحة الصراع، فهذا (لا سمح الله) سيجعل حزب الله يفقد حليفا رئيسيا هاما، مما سيسمح لاسرائيل ويشجعها على التوجه الى الجبهة اللبنانية والتركيز عليها لتقليم أظافر الحزب وابعاده الى ما وراء الليطاني وتدجينه وتحويله الى حزب سياسي بعد القضاء على قوته العسكرية !
  2. إدارة المعركة العسكرية والسياسية من قبل حزب الله بذكاء وفطنة سياسية لا تخفى على عين المراقب الخبير في هذه المواضيع، فهو من ناحية لا يتسرع غي بدء حرب شاملة وإن كان البعض يتمناها وذلك لاعتبارات الوضع السياسي الداخلي في لبنان واعتبارات أخرى على المستوى الاقليمي قد أتوسع فيها فيما بعد، وهو أيضا لا يفرط في واجب الاسناد والمشاغلة والتصعيد التدريجي ضمن قوانين اللعبة وشروظ وتفاهمات الاشتباك بينه وبين العدو ... وهذه أشياء أستطيع أن أتوسع فيها مستقبلا إن شاء الله !
  3. الادراك الكامل والوعي التام بمغزى قصة الثيران الثلاثة، وأن الانتهاء من الثور الأبيض في غزة سيتلوه التوجه لبقية الثيران على اختلاف ألوانها وتعدد مناطقها وأماكن تواجدها ... ولهذا فمن غير المسموح إطلاقا سقوط الثور الأبيض !!
  4. التداعي السياسي والعسكري بين حزب الله وبين إيران، فكما لا يسمح حزب الله بسقوط حماس، فإن إيران لن تسمح بعد سقوط حماس، لأن هذا سيكون انهيار لحلف إيران في المنطقة بمن فيهم اليمن والعراق أيضا لصالح بسقوط حزب الله أمريكا وإسرائيل !
  5. تدرج وتدحرج حالة التداعي هذه لتشمل روسيا والصين، بحيث يؤدي سقوط إيران وحلفائها في المنطقة الى تمكين النفوذ الصهيو_أمريكي في منطقة الشرق الأوسط وفي مضيق باب المندب والبحر الأخمر والبحر الأبيض المتوسط .. وهذا ما لا تقبله لا روسيا ولا الصين !
وفي نقطة منفصلة وأخيرة، فإن تداخل الجبهات على مستوى العالم يشمل أيضا أوكرانيا وحالة التصعيد الأخيرة بين روسيا والناتو، كما يشمل الصراع في شرق-جنوب آسيا وكذلك في أفريقيا ضد النفوذ الفرنسي تحديدا !
مع ملاحظة أن هذا الصراع العالمي يأخذ شكلا جديدا من أشكال الحرب العالمية وهي الحرب العالمية الثالثة من حيث انتشار الجبهات على مستوى العالم وإن كانت تأخذ مزيحا من الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والاعلامية.

وهذا الصراع في جوهره هو ضمن قانون التغيير والتطور الذي لا بد أن يطال الأوضاع السائدة عالميا كنتيجة مباشرة للحرب العالمية الثانية .. وهي لا بد أن تأخذ في عين الاعتبار التغيرات الجذرية العميقة التي حصلت في موازين القوى العالمي في العقود الأخيرة منذ انتهاء الحرب العالمية وحتى الآن !

الجمعة، 16 فبراير 2024

التقلب ما بين "تسفيه" الشخص إلى "تمجيده"

 

ما يجري أمام أعيننا من تقلبات مزاجية "مع" و "ضد" كذا وكذا أو فلان وعلان يدل على حالة من "انعدام الاتزان والتوازن" في النظرة والتقييم والموقف تجاه هؤلاء ألأشخاص وهذه المواقف ما بين "كيل غير مبرر للاتهامات والشتائم" إلى "إسباغ المديح والتمجيد والتعظيم" لذات الشخص !!
ويذكرني هذا بقول الله تعالى عن الشعراء أنهم "في كل واد يهيمون" ويذكرني أيضا بما كتبه الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي في موضوع مقتل يوليوس قيصر على يد بروتوس .. وكيف تقلب المزاج الشعبي والرأي العام من "ضد" إلى "مع" ثم إلى "ضد مرة أخرى في موقف واحد وفي بضع ساعات
أترككم مع تفاصيل ما قاله مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله في هذا السياق
رأيت في إحدى روايات شكسبير وهي الرواية المعروفة برواية “يوليوس قيصر” موقفا لبطلين من أبطال الفصاحة, وفارسين من فرسان البيان قد وقف كل منهما من صاحبه موقف اللاعب من اللاعب, ووقف الشعب الروماني بينهما موقف الكرة بين
مضارب الأقدام تعلو بها حينا وتسفل أحيانا فلا تثبت صاعدة ولا تستقر هابطة فعلمت أن العامة عامة في كل عصر، والشعب شعب في كل مصر، وأن سواد الأمة تحت صرح فرعون مثله تحت عرش قيصر، وأنه في رأس التاريخ اليسوعي مثله في ذنب التاريخ المحمدي، تدنو به كلمة وتنأى به أخرى، وتجذبه دمعة وتدفعه ابتسامة، وتطير بلبه الشعريات والخيالات طيران الريح الهوجاء بذرات الهباء.
علم بروتس الشريف الروماني أن يوليوس قيصر قد استعبد الشعب الروماني, وأذل نفسه ذلا ملك عليه حواسه ومشاعره حتى ما يكاد يشعر بمرارته، وكذلك الذل إذا نزل بالنفوس سلبها
كل شيء حتى الشعور بنزوله بها، وعلم أن حياة ذلك الشعب في موت ذلك القيصر فهان عليه أن يقتل صديقه وسيده افتداء لأمته, فطعنه طعنة نجلاء سلبته نفسه فهاج الشعب الروماني على القاتل وأعوانه هياج الأمواج المتدافعة على السفن المبعثرة في أكناف الدأماء، فوقف الرجل خطيبا في وجه هذا الشعب المائج المحتدم حزنا على خلاصه من يد قاتله وقفة المستبسل المستميت، وكان لا بد له في موقفه من أحد المصيرين؛ إما نصر يعلو به إلى مدار الأفلاك، أو خذلان يهوي به إلى مقر الأسماك، ومن أحد المخرجين؛ إما مخرجه مرفوعا على محفة الأبطال، أو محمولا على أعناق الرجال، فبعد لأي ما استطاع بعض الناس أن يسكن ثائرة الثائرين ويستدرجهم إلى سماع دفاع القاتل عن نفسه أو التفكه بمنظر هذيانه وهو يتلمس في هذه الظلمة الحالكة المخرج من جرمه.
الخطبة:
بروتس “وهو على منبر الخطابة”: أيها الرومانيون، أتعدونني بالصبر القليل على سماع ما أقول من حلو الكلام, ومره إكراما لموقفي, وإكراما للعدل؟
أنا لا أريد أن أخدعكم عن أنفسكم, ولا أن أعبث بعقولكم
وأهوائكم, بل أريد منكم أن تنظروا إلى قضيتي نظر المستيقظ الحذر الذي لا يعطي هوادة ولا يسلس قيادا ولا ينام عن شاردة ولا واردة؛ لأني لا أعتقد أن في زاوية من زوايا قضيتي هذه كمينا أخاف أن تقع عليه العيون.
أيها الرومانيون، إن كان بينكم صديق لقيصر يحبه, ويتهالك وجدا عليه فليسمح لي أن أقول له: أيها الصديق الكريم، إن بروتس قاتل قيصر كان يحبه أكثر من حبك إياه.
أيها القوم، والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم، فأعلموا أني ما قتلت قيصر لأني كنت أبغضه, بل لأني كنت أحب روما أكثر منه.
كان قيصر يحبني فأحببته، وكان شجاعا فاحترمته، ولكنه كان طماعا فقتلته، ففي ساعة واحدة منحته دمعي وقلبي وخنجري.
أنا لا أصدق أن بينكم من يحزن لموت قيصر, فأنتم رومانيون والروماني لا يحب أن يعيش ذليلا.
من منكم يكره أن يكون رومانيا؟ من منكم يكره أن يكون حرا؟ من منكم يحتقر نفسه؟ من منكم يزدري وطنه؟ إن كان بينكم واحد من هؤلاء فليتكلم؛ لأنه هو الذي يحق له أن
يثأر لنفسه مني؛ لأني لم أسئ إلى أحد سواه.
الشعب: لا، لا، ليس فينا واحد من هؤلاء.
بروتس: إذن أنا لم أسئ إلى أحد منكم.
وما وصل بروتس من حديثه إلى هذا الحد حتى دخل أنطونيوس صديق قيصر ورأس الناقمين على قتلته والطالبين بثأره هو وآخرون, ومعهم جثة قيصر لتأبينه في هذا المجمع الحاشد, فاستأنف بروتس الكلام وقال:
بروتس: ها هي جثة قيصر وها هو صديقه أنطونيوس قد جاء ليؤبنه فاستمعوا له، واعلموا أن قيصر المذنب غير قيصر الماجد، وقد سمعتم ما قيل عن الأول فاسمعوا ما قيل عن الثاني، واسمحوا لي أن أقول كلمة أختم بها خطابي.
أيها الرومانيون، إن الخنجر الذي ذبحت به قيصر في سبيل روما لا يزال باقيا عندي لذبح بروتس في سبيل قيصر إذا أرادت روما ذلك.
تأثير الخطبة:
الشعب: ليحي بروتس.
أحد الناس: أنا أقترح أن نحمله على الأكف والرءوس إلى بيته.
آخر: انصبوا له تمثالا.
آخر: امنحوه عرش قيصر.
آخر: إنه أفضل من قيصر.
آخر: إن قيصر كان ظالما.
آخر: إنه كان الظلم بعينه.
آخر: لتهنأ روما بالخلاص منه.
آخر: ألا نسمع تأبين أنطونيوس؟
آخر: نعم نسمعه؛ لأن بروتس أمر بذلك.
وهنا خرج بروتس والقلوب طائرة حوله, والعيون حائمة عليه وقد نال بتأثير خطابه من نفوس الشعب الروماني ما أراد، ثم صعد أنطونيوس على منبر الخطابة, فهزأ الشعب بموقفه ولولا كلمة من بروتس ما ثبت في موقفه لحظة واحدة، ثم أنشد قصيدة التأبين المشهورة التي هي آية الآيات في اللغة الإنجليزية فصاحة وبيانا, والتي يكاد لا يوجد إنجليزي لا يحفظها ولا يمجدها تمجيد الأمم المتعبدة آيات الكتب المقدسة.
القصيدة:
أنطونيوس: أيها الرومانيون.
أحد الناس: اسمعوا ما يقوله أنطونيوس.
آخر: لا، لا نسمعه.
أنطونيوس: اسمعوني إكراما لبروتس.
أحد الناس: ماذا يقول هذا الرجل عن بروتس؟
آخر: لا يقول شيئا.
آخر: إذن نسمعه.
أنطونيوس: أيها الأصدقاء، أنا ما جئت هنا اليوم لأرثي قيصر بل لأدفن جثته.
أيها القوم، ما من أحد من الناس إلا وله في حياته أعمال حسنة, وأخرى سيئة.
أما حسناته فتموت بموته, وأما سيئاته فتبقى من بعده خالدة إلى يوم يبعثون.
كذلك كان قيصر في حياته ومماته، وحسناته وسيئاته.
أيها القوم، ما كنت لأستطيع أن أقف موقفي هذا بينكم ولا أن أقول كلمة مما أريد أن أقول لولا أن بروتس قاتل قيصر أمرني بالوقوف وأمرني بالكلام, وها أنتم ترون أنني قد أطعته واستمعت له؛ لأنه رجل شريف.
أيها القوم، يقول الشريف بروتس: إن قيصر كان رجلا طماعا وأنا لا أستطيع أن أخالفه فيما يقول؛ لأنه رجل شريف.
أنا لا أستطيع أن أقول: إن قيصر كان رجلا قانعا عادلا أمينا؛ لأن الشريف بروتس يقول غير هذا.
كل ما أستطيع أن أقوله, إن الفدية التي افتدى بها أعداؤنا أسراهم الذين جاء بهم قيصر إلى روما قد ملأت الخزانة العامة حتى فاضت بها.
كل ما أستطيع أن أقوله, إني رأيت قيصر بعيني يبكي لبكاء الفقراء ويحزن لحزنهم, ويبيت الليالي ذوات العدد ساهرا لا يغتمض له جفن حدبا بهم, وعطفا عليهم.
كل ما أستطيع أن أقوله, إني عرضت بنفسي تاج الملك على قيصر في لوبركال ثلاث مرات فأباه زهدا فيه, وازدراء له.
كنت أستطيع أن أقول: إن الطمع لا يسكن قلبا مثل هذا القلب, ولا يخالط فؤادا مثل هذا الفؤاد لولا أن بروتس يقول: إن قيصر رجل طماع, وأنا لا أستطيع مخالفته لأنه رجل شريف.
أيها الرومانيون، إنكم أحببتم قيصر قبل اليوم حبا جما, فما الذي يمنعكم اليوم من البكاء عليه؟
إن لم تبكوه لصفاته الكريمة فابكوه لأنكم كنتم تحبونه، ابكوه لأنه كان بالأمس ينطق الكلمة فتدوي في صدور العظماء دوي الرعد في آفاق السماء، فأصبح اليوم مطرحا
في ظل هذا الحائط, لا يجد بين الناس من يأبه له ولا من ينظر إليه.
أيها العقل الإنساني، كيف حالت حالك وتغيرت آيتك؟ وكيف انتقلت من الصدور الإنسية إلى الصدور الوحشية؟ وكيف ضللت سبيلك وعميت عليك مذاهبك فحسبت الخير شرا، والشر خيرا، واختلط عليك الأمر بين الحسنات والسيئات, والمكارم والجرائم؟
أيها الرومانيون، عفوا إن هذيت بينكم أو أسأت إليكم، واعلموا أن الحزن قد قسم فؤادي قسمين: قسم على هذا المنبر، وقسم في ذلك النعش.
أيها الأصدقاء، إن بين جنبي قلبا يخفق بحبكم والعطف عليكم والرأفة بكم, ولولا مخافة أن تنفجر صدوركم حزنا وجزعا لقلت لكم: إن قيصر قتل مظلوما.
إنني أعتقد أن بروتس ورفاقه قوم شرفاء عظماء؛ لذلك أحب أن أسيء إلى نفسي وإلى قيصر وإليكم قبل أن أقول: إنهم أخطئوا في قتل قيصر, فأسيء إليهم.
“وهنا أرسل أنطونيوس من جفنيه قطرات من الدموع”.
الانقلاب:
أحد الناس “يقول لصاحبه”: يلوح لي أن فيما يقول الرجل شيئا معقولا.
خر: إنك إذا أنعمت النظر وجدت أن قيصر قد أسيء إليه.
آخر: لقد أثر في نفسي زهده في تاج الملك.
آخر: لقد أحزنني عليه أنه كان يبكي لبكاء الفقراء.
آخر: إن الذي يرثي لبؤس البؤساء لا يكون طماعا, ولا ظالما, ولا قاسيا.
آخر: إذن فسيكون لمقتل قيصر شأن غير شأنه الأول.
آخر: لا بد من عقاب القاتل.
آخر “يقول لجليسه”: انظر إلى أنطونيوس, فقد بكى حتى احمرّت مقلتاه.
آخر: ليس في روما رجل أشرف من أنطونيوس.
أنطونيوس: أتأذنون لي بالنزول من المنبر لأقف قليلا بجانب جثة القتيل؟
الشعب: نعم نعم.
“فنزل أنطونيوس ومشى حتى وصل إلى جثة قيصر وهو لا يزال في ملابسه التي قتل فيها, ولا تزال طعنات الخناجر ظاهرة في قبائه ثم قال”
أنطونيوس: من كان يملك منكم دموعا فليعدها لهذا
الموقف, فإني سأبكيكم في هذه الساعة بكاء شديدا.
إنكم جميعا تعرفون هذا القباء ولكنكم لا تعرفونه كما أعرفه أنا، أنا أعلم أن قيصر لبسه أول مرة في مساء اليوم الذي انتصر فيه على “الذفي” ذلك الانتصار الباهر الذي نالت به روما فخرا عظيما.
“ثم وضع يده على الثقوب التي في القباء وقال”
في هذا القباء الشريف تمزقت جثة هذا الفاتح العظيم.
في هذا الثقب طعنه بروتس طعنته, ومن هذا الثقب أطل دم قيصر ليرى بعينه وجه الضارب، وأحسب أن أفراد هذا النوع الإنساني جميعهم قد مروا بخاطر قيصر فردا فردا قبل أن يمر بخاطره بروتس.
عرف قيصر أن قاتله هو صديقه وصنيعة إحسانه, ففترت همته وعجز عن المقاومة لأن الطعنة التي أصابته في جسمه لم تكن أقل من الطعنة التي أصابته في قلبه، ولم يكن منظر المدى والخناجر أبشع في نظره من منظر الخيانة والغدر، هنالك عجز قيصر عن أن يقول شيئا غير الكلمة التي ودع بها قاتله الوداع الأخير: “وأنت أيضا يا بروتس! “.
وهنالك تحت تمثال بومباي وجد قيصر قتيلا وقد لف وجهه
بقبائه حتى لا تتألم نفسه مرة ثانية بمنظر كفر النعمة, ونكران الجميل.
ها أنتم تبكون على قيصر, فشكرا لكم على هذه الدموع الكريمة التي طهرتم بها ما لوث به الخونة تربة الأرض من الدماء.
إنكم تبكون لمنظر قباء قيصر الممزق, فكيف بكم لو شاهدتم ما تمزق من جثته.
“ثم دنا وكشف القباء عن جسمه, وقال”
إن في كل جرح من هذه الجروح لسانا يشكو إليكم فاستمعوا له, فهو أنطق من لسان الرثاء.
أحد الناس: يا له من منظر فظيع.
آخر: وا رحمتاه لقيصر.
آخر: إن يوما يقتل فيه قيصر ليوم شره مستطير.
آخر: يا للدناءة والسفالة.
آخر: يا للغدر والخيانة.
آخر: الانتقام الانتقام.
الشعب “وهو يضجّ ضجيجا عظيما”: أحرقوا القتلة، مزقوهم، لا تبقوا على أحد منهم.
أنطونيوس: مهلا مهلا, أنا لا أريد أن أشعل بينكم فتنة
عمياء، ولا أريد أن تطالبوا القتلة بالدماء التي أراقوها, فإني لا أزال أعتقد أنهم قوم شرفاء وربما كانوا يعرفون أسبابا لقتله لا نعرفها, وإنما أريد أن أقول لكم: إن قيصر كان يحبكم حبا جما, فهو يستحق رثاءكم له, وبكاءكم عليه.
لولا أني أوثر الإبقاء عليكم, ولولا أني أحب تخفيف ما ألم بقلوبكم من الحزن على فقيدكم لتلوت عليكم وصيته لتعلموا أن الرجل كان يحبكم, وأنه ما كان خليقا أن يقتل بينكم وفيكم عين تطرف وفؤاد يخفق.
الشعب: اقرأ الوصية.
أنطونيوس: إني أخاف على صدوركم أن تنفجر حزنا على القتيل الشهيد.
الشعب: نريد سماع الوصية.
أنطونيوس: إنه يعطي كل فرد من أفراد الرومان خمسة وسبعين فرنكا, ويوصي بجميع غاباته ومنتزهاته ورياضه لأمته.
أحد الناس: يا له من رجل كريم.
آخر: يا له من رجل شريف.
آخر: ويل للقتلة.
آخر: الثورة، الثورة.
آخر: سنحرق منزل بروتس ومنازل رفاقه.
ثم خرج الشعب يتدفق في شوارع روما تدفق الأمواج الثائرة في القاموس المحيط.
أنطونيوس “في موقفه وحده”: أيتها الفتنة العمياء, قد أيقظتك من مرقدك فارفعي رأسك وامضي في سبيلك واشتعلي حتى يحرق لسانك أديم السماء, وحتى لا تبقي على شيء مما حواليك ا. هـ.
وهكذا استطاع أنطونيوس في موقف واحد أن يستعبد الشعب الروماني لنفسه وما كاد يخلص من استعباد قيصر، وهكذا الأمم الضعيفة لا مفر لها من العبودية لحملة التيجان، أو حملة البيان

الخميس، 15 فبراير 2024

إشارات وخلاصات في موضوع حرب غزة

 الاشارات والملاحظات التي تدور في ذهني حاليا كما يلي وهي قابلة للاضافة والتعديل

1- الشعور العام لدى معظم الأطراف المؤثرة أن الأمور قد نضجت وأن الثمرة (السياسية) لهذا الصراع قد حان قطافها عبر اتفاقيات سياسية معينة يتم طبخها في القاهرة والدوحة وباريس بمشاركة اقليمية ودولية تحت إشراف أمريكا ومن ورائها اسAائيل طبعا
2- اختلاف التقييم للوضع العسكري على الأرض في قطاع غزة ما بين شعور/وهم إسراAيلي أنها انتصرت وأنها على وشك استئصال حمAس والمقاومة عموما من القطاع، وما بين مقاومة تصر وتؤكد أنها لا زالت قادرة على المقاومة والاستمرار فيها (وإن بدرجات أقل) لعدة شهور قادمة !
3- تساوق وسير القوى العربية الاقليمية المؤثرة والفاعلة في طبخ اتفاقية ما للتسوية مع السياسة العامة الأمريكية وتوجهاتها وتحركاتها في المنطقة والتي يقودها أنطوني بلينكن في جولاته المكوكية للمنطقة
4- شئنا أم أبينا هناك درجة من الاختلاف في التقييم داخل حمِAس تحديدا ما بين قيادة سياسية في الخارج تتعامل مع الألاعيب والمكائد السياسية من العدو مباشرة أو من خلال أمريكا وأدواتها، وما بين قيادة الداخل والتي تحتفظ بورقة الأسرى وتراهن على أن الكلمة الأخيرة لها برفض أو قبول أي تسوية مطروحة !
5- على الرغم من الأداء العسكري المتميز للمقاومة طيلة الشهور الأربعة الماضية، فإن إسرائيل مستمرة في خطتها العسكرية في القطاع والتي تعمل على حشر عدد كبير جدا من السكان المدنيين (نصف مليون أو أكثر) في منطقة ضيقة على الحدود بين القطاع ومصر في منطقة رفح انتظارا لأي فرصة أو نقطة اختراق عسكرية أو سياسية (بالاتفاق مع مصر) لإحداث عملية التهجير المطلوبة من القطاع إلى مصر وقتل وإضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة
6- هناك رغبة متنامية متزايدة لدى إسرائيل وأمريكا (والدول العربية) على حد سواء في الانتهاء من هذا الملف قريبا جدا لأن الوضوع قد طال بشكل غير معتاد وغير مسبوق، ويضعون لهذا أسباب عدة منها: قرب دخول شهر رمضان، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية
7- وهناك أيضا سؤال كبير عما سيحدث في الجبهات المساندة في لبنان والعراق واليمن .. فهل ستهدأ هي أيضا وبشكل تلقائي في حال توقف إطلاق النار في غزة ؟ أم أنها ستستمر بسبب ما يمكن وصفه بأنه تسوية حسابات و حملة تأديب لهؤلاء المشاغبين الذي لم يلتزموا بالتعليمات الصادرة إسرAئيليا وأمريكيا بالصمت والهدوء وعدم توسيع ساحة النزاع ؟
8- ومع ملاحظة أن من شارك في هذه الحرب فيما يسمى محور المقاومة كان في معظمة حركات شعبية وليس دول رسمية، فقد ترسخ فعليا وعمليا للمرة الأولى ما يسمى بترابط ووحدة الجبهات في محور المقاومة ولو بشكل غير رسمي وغير مباشر وبشكل مرن يتناسب مع ظروف واعتبارات كل طرف
9- ترابط وتوحد الجبهات في العمليات الحربية ستمتد إلى ما بعد الحرب (كما يبدو) حيث أن الطرح الموجود هو شمول أي اتفاق/تسوية لغزة الجبهات الأخرى في لبنان واليمن والعراق .. مع اختلاف الظروف والتفاصيل ونقاط أي اتفاق في كل جبهة .. فاليمن غير العراق وغير لبنان
10- المكابرة والمغامرة حتى لعب الورقة الأخيرة في غلاة ومتعصبي إسرائيل يجعلهم يحلمون/يتوهمون أنهم قادرون على فتح جبهة لبنان والانتصار فيها وإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني كما يعلنون لتطمين سكان مستوطنات الشمال لإقناعهم بالعودة هناك ! مع استدراج أمريكا وأوروبا للتعامل العسكري الصارم مع اليمن والعراق لاخضاعهما وارجاعهما تحت مظلة الهيمنة الغربية !

11- لفهم حقيقة الموقف الرسمي العربي على حقيقته (بدون رتوش) فهو في الأصل غير متعاطف مع حماس ولا أي تنظيم مقاومة من حيث المبدأ، وهو على استعداد للتعايش مع اسرائيل أكثر من استعداده للتعايش مع حماس أو غيرها ولا مع فكرة المقاومة المسلحة جملة وتفصيلا
12- وما يقال عن النظام الرسمي العربي يشمل السلطة الفلسطينية (منزوعة الدسم) في رام الله حيث أنها صارت حكما ضمن هذا النظام الرسمي العربي منذ اتفاقيات أوسلو التي أسست وشرعنت وجود السلطة الفلسطينية تحت المظلة الامريكية الاسرائيلية بحكم الأمر الواقع، وتم إجهاض تنظيم شهداء الأقصى في الضفة الغربية ونزع سلاحا بالمال وبالمكيدة والتآمر والغدر، وتم تحويل فتح من منظمة ثورية الى جهاز سلطة وموظفين تقليديين يركضون وراء الكراسي والمناصب والمنافع والرواتب !
13- لقد تم ضخ الكثير من الأفكار الاستسلامية الانهزامية الانبطاحية من خلال قنوات الاعلام الرسمي ومن كبار شخصيات كانت محسوبة على الثورة وعلى المقاومة تحت ذريعة الواقعية السياسية .. بمن فيهم فلسطينيون وعرب ومسلمون كان يفترض بهم أن يتمسكوا بالحق الفلسطيني المبدئي حتى إن عجزوا عن تحقيقه، وكان الأولى بهم ترك الموضوع للأجيال القادم بدلا من التفريط بهذا الحق
14- بالنسبة للوضع الحقيقي لمحور المقاومة، فإن إخضاعه لعملية تقييم موضوعية لنقاط القوة والضعف مقابل الخصوم المؤكدين والمحتملين، فهو متقاعس عن فكرة الدخول في حرب اقليمية شاملة قد يكون غير قادر على حسمها لصالحه على الرغم من الادعاءات المبالغ فيها بالقدرة على الانتصار ومسح دولة اسرائيل من الوجود !
15- ومن ضمن تقييم نقاط القوة والضعف ما يتعلق بالقدرة التسليحية والعسكرية والتكنولوجية المباشرة، ومنها ما يتعلق بهشاشة الوضع الاقتصادي، والاعتماد على المساعدات الخارجية القادمة بشكل أساسي من أمريكا (مباشرة أو من خلال صندوق النقد الدولي)، ومنها ما يتعلق بعدم تماسك الجبهات الداخلية وعدم توحدها على مبدأ النزال الحقيقي مع إسرائيل وأمريكا ومن معهما !
!16- بالنسبة لحركة حماس تحديدا، فهناك نوع من الخلط والالتباس ما بين هويتها السياسية/الدينية/الحزبية (الحقيقية أو الانطباعية) وما بين هويتها النضالية التحررية الوطنية. ولهذا نجد الكثير من الدول العربية ترجح الصفة الأولى واعتبار أن حماس ما هي الا امتداد لحركة الاخوان المسلمين التي يصنفونها في بلدانهم على أنها خطر يهدد كياناتهم وأنظمتهم والأمن الداخلي في بلادهم. ولهذا فهم يعادونها أشد العداء ولا يخفون ذلك على أي حال. وينطبق هذا أيضا على السلطة في رام الله التي ترى في حماس منافسا وخصما حقيقيا وتعتبر أي نجاح لحماس كمؤشر لفشلها خاصة بعد ركونها للامريكان والاسرائيليين في ظل اتفاقية أوسلو والتعاون والتنسيق الأمني (غير المقدس) بإدارة دايتون !
17- وبالنسبة لحزب الله في لبنان، فهناك أيضا حالة مشابهة من الخلط والالتباس ما بين هويته كحركة نضالية تحررية وما بين هويته المذهبية (الشيعية) واعتباره يدا ضاربة لايران ولتنفيذ سياساتها في لبنام وفي المنطقة خدمة لسياسات إيران وتحقيقا لأهدافها ودعما لها في مواجهة الضغوط الأمريكية والدولية الهادفة إلى تدجين إيران وإخضاعها وردها الى بيت الطاعة الأمريكي/الأوروبي-الغربي كما كانت أيام حكم الشاه قبل 1979
18- أما إيران وهي ثالثة القوى الاقليمية في المنطقة (بالاضافة الى تركيا و إسرائيل) مغ غياب كامل لأي قوة عربية وازنة تجاه هذه القوى الثلاثة، فهي (أي إيران) لها سياستها ولها أهدافها ولها خططها وتكتيكاتها ولها حلفاءها وأدواتها في المنطقة، مثلها في ذلك مثل تركيا التي هي أيضا لها رؤيتها وسياساتها وأدواتها، مع الاختلاف في التوجه السياسي ما بين انخراط في حلف الناتو وعلاقات مع اسرائيل وحلم في الانضمام للاتجاد الأوروبي في الجانب التركي، ونقيض ذلك في الجانب الايراني
19- ومع هذا فما يجمع بين سياستي البلدين هو البراغماتية وتغليب المصلحة والدهاء والمكر السياسي . وما يجمعهما أيضا هو العقلانية السياسية التي لا تجعل مجالا لأي اختكاك حاد بينهما إلى درجة الاشتباك السياسي أو العسكري، بل ويوجد بينهما عوامل ومصالح مشتركة لضمان استمرار علاقات ايجابية بينهما، وتسوية أي اختلاف أو تنافس أو تضارب في المصالح في دول الجوار المشترك وخاصة في الغراق وسوريا
20- وأخيرا وليس آخرا يأتي دور الكلام عن روسيا والصين ولعلهما الطرفان المستفيدان من هذا الصراع لغاية الآن دون أن يطلقا رصاصة واحدة، ولعلهما يريان فيما يجري تورطا واستنزافا لخصمهما المشترك (أمريكا وأوروبا الغربية) عسكريا واقنصاديا وماليا مما يؤدي الى رجحان كفة روسيا في الساحة الأوكرانية وكفة الصين في الساحة التايوانية . و مع هذا فأعتقد أن لا الدولتين روسيا والصين يراقبان ما يحدث بدقة شديدة ويستعدان للتدخل المناسب في اللخظة الأخيرة إذا اقتضت الضرورة للحفاظ على مصالحهما في الشرق الأوسط والبحر العرب والبحر الأحمر

الجمعة، 4 نوفمبر 2022

حقيقة الحكمة ؟

 حقيقة الحكمة 

ما هي الحكمة ؟  ومن هو الحكيم ؟

 هل الحكمة مجرد أقوال ؟؟ ومن يتفوه بها هو الحكيم ؟؟ 

هل الحكمة أفعال صائبة وسليمة  يقوم بها الشخص الحكيم ؟؟ 

وما هو مقياس "صوابية" هذه الأفعال والتصرفات ؟؟

هل هو الربح والخسارة ؟؟

ما علاقة الحكمة بالنبوة ؟؟ وهل كل الأنبياء حكماء ؟؟ 

ما علاقة الحكمة بالفلسفة ؟؟  وهل الفلاسفة حكماء بالضرورة ؟؟ 

ما علاقة الحكمة بالمعرفة ؟  والثقافة ؟  وسعة الاطلاع ؟؟

ما علاقة الحكمة بالعلم ؟؟ والتعليم ؟؟؟ والشهادات الجامعية ؟؟؟

ما علاقة الحكمة بالسن ؟؟  والخبرة ؟؟؟ والتجربة ؟؟

ما علاقة الحكمة بالذكاء والفطنة ؟؟ وسرعة الاستيعاب ؟؟ 

ما علاقة الحكمة بالقدرة التحليلية ؟؟  والربط المنطقي ؟؟

ما علاقة الحكمة بدقة الملاحظة ؟؟ والفراسة ؟؟؟ والاستقراء ؟؟

ما علاقة الحكمة بالمبادئ النبيلة ؟؟  والدين ؟؟ والقيم الانسانية ؟؟ 

ما رأيكم ؟؟

الخميس، 3 نوفمبر 2022

أدب الاختلاف

 اختلاف الرأي ليس سببا للخلاف والفرقة والبغضاء 

من الطبيعي أن يكون لكل شخص رأيه وقناعاته واجتهاده ... ومن الطبيعي أيضا أن تختلف هذه الأراء ووجهات النظر فيما بينها ... ولا شيء في ذلك !! 

ومن دلائل نضج الشخصية والعقلية والممارسة ... أن نحترم آراء الآخرين كما نتوقع ونطلب منهم أن يحترموا آراءنا ... حتى وإن اختلفوا معنا عليها ...  

ومن دلائل نضج الشخصية والعقلية والممارسة أيضا ..  أن يبتعد الجميع عن أسلوب السباب والشتائم والتسخيف والتسفيه والنبذ والاقصاء والتكفير والزندقة .... بناؤ على اختلاف الرأي 

ولنتذكر جميعنا أنه لا يحق لأحد أن يجعل من نفسه قاضيا وحكما في أي قضية هو طرف فيها ... فهذا موضوع لا يصح ولا يستقيم لا عقلا ولا منطقا !!

ولنتذكر أيضا أن كل ما نقوله وما نعتقده هومجرد آراء واجتهادات ... قد تصيب وقد تخطئ ... وأن آراءنا هذه هي صواب يحتمل الخطأ وآراء الآخرين خطأ يحتمل الصواب .. مما يقتضي أن نترك الباب مواربا دون إغلاقه تماما في وجه أي نقاش موضوعي !!

وعندما ندخل في هكذا نقاش ... يكفي أن نعرض رأينا ... ونرد على الأسئلة المطروحة حوله ... وأن ندافع عن وجهة نظرنا .. دون تكرار .. ودون إلحاح ... ودون تسفيه للرأي الآخر والدخول في الشخصنة (والشيطنة) ولا بأي شكل ..  !!

فإذا صار النقاش يدور في حلقة مفرغة .. فالأفضل إنهاؤه بعد أن يكون كل طرف قد عرض رأيه بالشكل الكافي ... وذلك حتى لا يتحول النقاش إلى جدل بيزنطي عقيم .. يتمترس فيه كل طرف خلف آرائه وأحكامه المسبقة الجاهزة المقولبة !!

هذا ... ومن الله التوفيق !!

90% من علماء السنة من فارس وليسوا عربا !!


(CNN)—أعاد النائب الكويتي، عبدالحميد دشتي، نشر مقال للكاتب، فؤاد الهاشم الذي تناول موضوع الربط الخاطئ بين الشيعة الفرس، ملقيا الضوء على قائمة تضم أسماء لعدد من أبرز علماء السنة الذين ترجع أصولهم لبلاد فارس.

ونشر دشتي هذا المقال على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر، وجاء فيه: هل تعلمون أن أئمة أهل السنة والجماعة وعلماءهم: 90% منهم من الفرس؟ إليكم أئمة مذاهِبهم وأصحاب صِحاحهم ومُفسّريهم وجلّ علمائِهم :

1-  ابو حنيفة النعمان (إمام اﻷحناف –فارسي)

2- مالك بن أنس (إمام الموالك – فارسي)

4-  البخاري (صاحب صحيح البخاري) فارسي

5-  مسلم النيسابوري صاحب /صحيح مسلم /فارسي

6-  الترمذي – فارسي

7- إبن ماجة – صاحب /صحيح ابن ماجة/ فارسي

8-  النسائي – صاحب / صحيح النسّائي/ فارسي

9-  الزمخشري – فارسي

10- أبو حاتم الرازي صاحب /تفسير الرازي/فارسي

11- السجستاني – فارسي

12- الإمام الغزالي – فارسي

13- شهاب الدين اﻷصفهاني – فارسي

14- الثعلبي المفسر للقرآن الكريم/ فارسي

15- الفيروز آبادي – فارسي

16- ابن خلكان – فارسي

17- ابو إسحاق الشيرازي – فارسي

18- البيهقي – فارسي

19- الحاكم النيسابوري – فارسي

20- عبد الحكم القندهاري – فارسي

21-  سيبويه / إمام النحو / – فارسي.

وأضاف كاتب المقال: “أنا ذكرت فقط كبار العلماء والمؤسسين واﻷئمة، ناهيك عن بقية العلماء.. والشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية كان سنيا والدولة الصفوية كانت لعهد قريب هي دولة سنية، وقد أفحم العلامة (الحِلّي) علماءها في المناظرة المشهورة.. فلماذا إذن كل هذا التهريج والزعيق والتدليس.. وفرس.. وصفويين.. ومجوس وأنتم أولى بكل هذا.”

السبت، 29 أكتوبر 2022

النظرية الدينية .. الله .. والقانون .. والناس !

 النظرية الدينية تقوم على أسس واضحة ثابتة منطقية هي :-

  1. يوجد خالق واحد فقط ... وهو منزه عن كل عيب ونقص وضعف ... وهو أزلي الوجود ... وقدراته بلا حدود ... في كل شيء قد يخطر على بالك !
  2.  كل ما سوى الخالق مخلوق ... سواء في هذا العالم الدنيوي المادي الحسي الذي نعيش فيه أو أي عوالم أخرى لا نعرف عنها شيئا 
  3. من بين هذا الخلق المتعدد الأشكال والأزمان والأوصاف ... هناك خلق مميز عن غيره هو الانسان الذي جعل الله له منزلة خاصة وكرامة خاصة وقدرات خاصة متجددة وقدرة على التعلم واكتساب المعرفة بشكل تراكمي مستمر 
  4.  الأصل أن هؤلاء البشر كلهم على مرتبة واحدة ومنزلة واحدة وقيمة واحدة ... ولكن الله جعل فيهم التفاوت والاختلاف في الصفات والقدرات والظروف لخلق الحراك والديناميكية في هذه الحياة الدنيا 
  5. نظرا لرقي الجنس البشري وتميزه عن سواه من الخلائق ...فقد اختصهم الله الخالق بثلاث صفات فريدة هي أركان النظرية الدينية للأديان السماوية جميعها ، وهذه الأركان هي (1) التخيير و (2) التكليف و (3) الحساب ...وهذه عناصر مترابطة متكاملة فيما بينها ولا تستقيم إلا بمجموعها 
  6. وانطلاقا من موضوع التكليف ... فقد اصطفى الخالق من بين البشر رسلا يوصلون كلمته إليهم ، ويوضح لهم ما كلفهم به ، وما سمح لهم به ، وما منعهم عنه ... 
  7. ولبيان صدق الرسل أمام أقوامهم ... جعل الله لهم آيات (معاجز) تثبت صدقهم وسلامة الرسالات التي أتوا بها .. وأنها فعلا من عند الله الخالق 
  8. وهذه المعجزات والآيات البينات كانت بطبيعتها تفوق قدرات الناس في عصرهم وزمانهم وضمن إمكانياتهم ومستوى معرفتهم التراكمي في ذلك الوقت 
  9. وهذه المعجزات والآيات كانت بطبيعتها مؤقتة عابرة منتهية بالوقت الذي حدثت فيه ولمن شاهدها أو سمعها أو خبرها من الناس في ذلك الوقت .. ولهذا فهي تبقى موضعا غير قابل للتصديق لغير هؤلاء الناس ممن لم يشاهدوها بأم أعينهم !
  10. الأنبياء والرسل معصومون ضمن الحد الأدنى بما يتعلق بالتبليغ عن ربهم ... وهذا يقتضي وجود صفات محددة في الرسل أنفسهم من حيث الصدق والأمانة وحسن الخلق 
  11. كل من سوى الأنبياء والرسل من البشر هم بشر عاديون ولا عصمة لهم إطلاقا .. وهم من حيث المبدأ محاسبون على أعمالهم وتصرفاتهم كسائر البشر 
  12. البشر فيهم المؤمنون وفيهم الملحدون والكفار على اختلاف أشكالهم ومسمياتهم .. وهذا أمر طبيعي في كل زمان ومكان ولا يمكن من حيث المبدأ أن يكون الناس كلهم مؤمنين بالكامل أو ملحدين بالكامل 
  13. الايمان ودواعية وإثباتاته موضوع نسبي لا يرقى إلى مستوى الحقيقة المطلقة التي لا خلاف عليها ... والا لكان الناس كلهم مؤمنون .. ولانتفى أي سبب للكفر والالحاد ... وهذا يرتبط بشكل غير مباشر بموضوع التخيير!!
  14. في هذه الحياة يوجد شكلان من أشكال العلاقات التي تحكم تصرفات البشر .. (1) العلاقة الرأسية مع السماء بين البشر وخالقهم تتلخص في الكفر والايمان وفي الطاعة والمعصية والثواب والعقاب (2) العلاقة الأفقية مع الناس .. وهي علاقة قائمة على الحقوق والواجبات والخير والشر والصواب والخطأ والمنفعة والضرر بشكل عام 
  15. الله سبحانه وتعالى هو القاضي والحكم في العلاقة الرأسية بين البشر وخالقهم .. وهذا موضوع متروك إلى يوم القيامة , وهو موضوع لا تدخل للبشر فيه من حيث الأصل .. وقانونه واضح أن الجزاء من جنس العمل، وأنه لاتظلم تفس شيئا وأنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره !
  16. أما العلاقة الأفقية بين الناس فموضعها القانون والعرف والعادات .. وهي موضوع عاجل لا يحتمل التأجيل ولا التسويف .. فلا بد من أن تؤدى الواجبات لكي تصل الحقوق لأصحابها .. ولا بد من محاسبة الخلل ووقف الانحراف وتدارك الأخطاء قبل استفحالها في المجتمع البشري

هذا وفي الموضوع جوانب أخرى نوضحها مستقبلا ‘ن شاء الله !