الاثنين، 24 يونيو 2019

سورة القدر لا تتحدث عن ليلة القدر بالمفهوم الشائع ... منقول للأهمية !!

سورة القدر نزلت في بداية الدعوة في مكة، وفي وقت  لم يكن هناك صوم في رمضان الذي لم يفرض إلا في المدينة بعد الهجرة وفي سورة البقرة، وبعد سنوات من نزول سورة القدر 
فقد كانت قريش تلاحق الرسول بالأسئلة:
  • متى البعث الذي تزعم؟
فينزل القرآن ليقول لهم إن البعث سيكون بعد فناء هذا الكون، مثل:
إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت.
إذَا السَّمَاء انشَقَّتْ{1} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ{2}.
إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ{1} وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ{2} وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ{3}.
فيعيدون التساؤل: إذا انهارت السماء والأرض فأين سيكون البعث؟
فينزل القرآن ليقول:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{48} إبراهيم.
فهذا الكون سينهار وينشأ كون آخر فيه البعث:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ{68} الزمر. 
وتستمر قريش بالأسئلة: هل رأيت الملك الذي تقول إنه يتنزل عليك بالوحي يا محمد، أو أنك مجنون تتخيل أن أحداً يكلمك؟
فينزل القرآن بالإجابة: وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ{22} وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ{23} وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ{24} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ{25} فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ{26} إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{27} التكوير.
وقريش كانوا يلاحقون الرسول بالأسئلة سخرية منهم وعدم تصديق، وليس للمعرفة واليقين. 
ومن الأسئلة التي وجهتها قريش لمحمد كان التساؤل عن بداية تلقيه الوحي، متى كان؟
وهو سؤال كررته قريش كثيراً، وجاء جوابه في عدد من السور، لكن سورة القدر جاءت بكاملها للرد على هذا السؤال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ {5}.
والسورة تقول بأن بداية تلقي محمد للوحي كان في ليلة أصبحت مباركة لأن الوحي بدأ النزول فيها، وليس لأنها ليلة مقدسة أصلاً، كما ترسخ لدينا بواسطة المفسرين. وقد تكرر ذكر هذه الليلة التي بدأ فيها نزول الوحي "ليلة القدر" في سور أخرى، لأن قريشاً كررت السؤال، ومن ذلك ما جاء في سورة الدخان من سور نزلت في مكة في فترة لاحقة: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {5}.
كما تكرر ذكر ذلك مرة ثالثة في المدينة أثناء الحديث عن رمضان والصيام، وذلك في قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{185} البقرة.
وسورة القدر لا تقول بأن القرآن كله نزل من الأرشيف الإلهي للسماء الدنيا في تلك الليلة ثم أنزل على محمد ترتيلاً على مدى سنوات الدعوة، كما تزعم كتب التراث. لأن القرآن الكريم ينزل ليتفاعل مع الأحداث لحظة حدوثها. فحادثة الأعمى نزل بها القرآن في وقتها ولم تنزل من الأرشيف الإلهي قبل الحادثة بسنوات. ومثلها كل الأحداث التي يتحدث عنها القرآن صغيرها مثل المجادلة وكبيرها مثل معركة بدر وأحد والأحزاب وغيرها. فالقرآن لا يتحدث أبداً عن أحداث ستقع.
والمسلمون اليوم يقدسون ليلة مبهمة في رمضان، ليس لأنه بدأ الوحي ينزل فيها، لكن لأن المفسرين حولوا معناها إلى ليلة تحدث فيها أعاجيب وظواهر غير طبيعية، وزعموا أن من دعا فيها فستتحقق له أمانيه. ونسي الناس أن قدسيتها استمدت من كونها أول ليلة يتلقى فيها الرسول أول سورة من القرآن، وليس لها قدسية بذاتها. وهذه هي حقيقتها التي يمكن للمسلمين الاحتفال بها - إن شاءوا – دون انتظار لتحقق أماني أو حدوث معجزات حسية، أو تحويلها لليلة يقبل فيها الله الدعاء أكثر من غيرها، أو أنه مطلوب فيها الذكر وقراءة القرآن أكثر من غيرها، فكل هذه المزاعم لا أصل لها في دين الله وإنما ألصقت فيه بواسطة البشر. 
واللافت أن أكثر من يهتم بليلة القدر بمفهوم المفسرين هم السلفيون الذين يعتبرون أشد مذاهب المسلمين تشدداً ومحاربة للغلو، كما يزعمون. فهم يحرمون الاحتفال بمولد النبي أو الهجرة، بل وقاموا بتكسير كل ما له علاقة بزمن الرسول من كتابات ونقوش عثروا عليها وهدموا بيوت الصحابة بحجة أن الناس قد يعظمونها . لكنهم يتناسون ما ينهون عنه غيرهم عندما تكون المسألة مما يمارسون ويدعون له ويرسخون، مثل التراويح ومثل ليلة القدر "العجيبة"
ولأن كل ما قيل عن "ليلة القدر" هو قصص مختلق وتخاريف فإليكم هذا الحديث الموضوع المكذوب عنها:
يقول البخاري: حدّثني محمدُ بنُ المُثنّى حدَّثني خالدُ بنُ الحارثِ حدَّثنا حُميدٌ حدَّثَنا أنسٌ عنِ عُبادةَ بنِ الصامِتِ قال: «خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليُخْبرَنا بليلةِ القَدْرِ، فتَلاحىٰ رجُلانِ منَ المسلمينَ فقال: خَرجتُ لأخبِرَكم بليلةِ القَدْرِ، فتَلاحىٰ فُلانٌ وفلان فرَفُعَتْ، وعسىٰ أن يكونَ خيراً لكم، فالتَمِسوها في التاسعةِ والسابعةِ والخامسةِ».
مناقشة النص
الحديث يقول إن الرسول أبلغه الله عن ليلة القدر متى تكون، وأنه خرج ليبلغ بها الناس، ولكن التلاحي (أي الشجار والنزاع) الذي حدث بين رجلين - لم يذكر اسمهما – أحدث ردة فعل لدى الله - تعالى عن ذلك علواً كبيراً - فقرر أن يرفع خبرها ويخفيها عن الناس.
وهذا الحديث فيه قدح لذات الله – جل وعلا – فهو لم يخبر الناس متى تكون عندما نزل بالقرآن على الرسول ثم قرر فيما بعد أن يخبرهم. (يعني غير رأيه وكأنه أحد زعماء العرب في هذا الزمان الذي يقرر اليوم شيئا ثم يقرر نقيضه غداً) تعالى الله وتبارك عن ذلك علواً كبيراً.
وعندما قرر أن يخبر الناس أبلغ رسوله بأن يبلغهم، ولم يبلغهم هو بقرآن. وكأن الرسول عليه الصلاة والسلام حاجب أو خادم بلاط عند الله. وليس رسولاً من البشر ينسخ الوحي في ذاكرته دون أن يكون له رأي بقبوله أو رفضه ودون أن يكلمه الله بكلام خاص وسري وعليه أن يبلغ كل ما يوحى له لحظة نزوله، وإن لم يبلغ فسيهلكه الله ويعذبه.
وليس هناك أحاديث جانبيه بين الله الخالق وبين عبده من البشر محمد عليه الصلاة والسلام. 
لكن قصاص السلف لديهم الجرأة أن يقولوا على الله ورسوله ما لا يقال، وتصويره سبحانه أنه قرر أن يتراجع عن إخبار الناس بليلة سيكون لهم فيها خير وستقبل دعواتهم وستحقق أمانيهم، فقط لأنه حدث شجار بين رجلين تسبب في غضب الخالق وارتفاع ضغطه (تعالى الله وتبارك علواً كبيراً من جرأة السلف). 
وليلة القدر لا تعني أنها ليلة خاصة أو عجيبة أو حتى يستجاب فيها الدعاء.
فالدعاء للدنيا لا يستجاب أبداً لأنه يخالف عدل الله المطلق الذي خلق الدنيا للعمل والآخرة للحساب. ولو تدخل في أمور الدنيا فقد ألغى قانون العدل وقانون الاختيار الحر للإنسان وقوانين كثيرة وضعها سبحانه بنفسه. فالدنيا مجالها مفتوح لكل الناس والنجاحات فيها لهم جميعاً بغض النظر عن المعتقد. 
والناس بمختلف عقائدهم عرضة للمرض والحوادث والفقر والغنى والموت ولن يتدخل الله جل شأنه ليبرئ هذا ويمرض آخر. 
ولو فكر الناس بأن بُرء المريض من مرض لا يعني أنه لن يصاب بغيره ولا يعني أنه لن يموت. وهذا كاف لمعرفة أن الله جل جلاله لا يبرئ ولا يمرض مباشرة. ولا يقبل دعوة من يطلب بيتاً أو مالاً. لكنه سبحانه وضع كل سبل الحياة الكريمة في الأرض لكل الناس ولو كان هناك فقر فلابد أن هناك لصاً وسارقاً يجب انتزاع حق الناس منه ووقف ظلمه، وليس الحل برفع الأكف لله الذي لم يظلم أحداً ولم يسرق مال أحد.
والله أودع للإنسان عقلاً يفكر ويخترع ويتقدم ويصنع ويتطبب ويكتشف العلاج الذي أودعه الله في العالم. فالله أودع كل شيء يحتاجه الخلق وعليهم إيجاده.
وفيما يلي ملاحظتان هامتان: 
  1. أن كل الأحاديث الواردة عن ليلة القدر من أناس لم يصحبوا الرسول في مكة وعايش نزول السورة، ومن هؤلاء: أبو هريرة، ابن عباس، الحسن ابن علي، أبو سعيد الخدري، أبو بكرة، وغيرهم. ولو افترضنا أن ما قيل عن ليلة القدر صحيح فإن المسلمين غفلوا عنها أكثر من عشر سنوات إلى عشرين سنة من نزول السورة في مكة وحتى بدأ الناس يسألون الرسول عنها في المدينة. 
  2. أن كل ما قيل عن فضائل ليلة القدر لم يقل به الله ولم يسمع به الرسول كما سنرى، وإنما هو من اختلاق المفسرين.
ولبيان اختلاق المفسرين نورد فيما يلي بعض أقوالهم في قوله تعالى: " إنَّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ" ليتبين للقراء أنهم لا يملكون علماً وإن هم إلا يخرصون دون خوف من الله:
  • عن ابن عباس، قال: نزل القرآن كلـه جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان اللـه إذا أراد أن يُحدث في الأرض شيئا أنزلـه منه حتى جمعه. وبمثل قوله قال الشعبي. 
  • سعيد بن جُبير: أنزل القرآن جملة واحدة، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيم.
  • عن ابن عباس مرة أخرى، قال: نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فُرِّق في السنين، وتلا هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ قال: نزل متفرّقا. 
  • ومرة ثالثة يقول ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينزله على رسوله، بعضُه في إثر بعض.

ملاحظات سريعة
القرآن ينزل ليتفاعل مع الأحداث وقت وقوعها ولا يذكر حادثة ستقع أبداً، فكيف ينزل القرآن كله في ليلة واحدة وهو يتحدث عن وقائع لم تقع؟ 
كيف تحدث عن حادثة الأعمى والجن وغزوة بدر وأحد والأحزاب وحرق المسلمين بالنار... الخ قبل وقوعها؟
ولو قال متحذلق إن الله يعلم الغيب وأنزل القرآن يتوافق مع ما سيحدث، فأقول لو كان الأمر كذلك لماذا لم يخبر القرآن المسلمين أنهم سيهزمون في أحد؟ 
لماذا لم يخبر رسوله بأن الأعمى سيأتيه فلا يعبس في وجهه؟ ..الخ 
لا ندري من أين جاء ابن عباس والشعبي وابن جبير بهذه المعلومة ؟ 
طبعاً كل كلام المفسرين مختلق لا يحتاج لمصدر. فما يقول الشعبي أو ابن عباس أو قتادة أو غيرهم يؤخذ بلا نقاش. مع أنه لو أن أحدهم قذف غيره فسيطلب منه أربعة شهود عدول أو يجلد ثمانين جلدة ولا يؤخذ كلامه كشاهد بعدها. 
فكيف يترك هؤلاء يتقولون على الله بدون شهود ويؤخذ كلامهم وكأنه كلام الله.
ابن عباس يظن أن القرآن نزل بمواقع النجوم .. كيف؟ لا أدري.
فلا شأن بقوله تعالى: فلا أقسم بمواقع النجوم بنزول القرآن.
اختلاق القصص كسبب للنزول
فيما يلي أمثلة لقصص المفسرين الذي اختلقوه لترسيخ تقديس ليلة القدر:
  • قال مجاهد إن النبي ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال: فعجب المسلمون من ذلك قال: فأنزل الله عز وجل {إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَئـٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر. رواه ابن كثير في تفسيره
  • ونفس مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل. 
  • علي بن عروة اختلق قصة أخرى قائلاً: ذكر رسول الله يوماً أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاماً، لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون، قال: فعجب أصحاب رسول الله من ذلك فأتاه جبريل فقال: يامحمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيراً من ذلك فقرأ عليه {إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَئـٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك، قال: فسر بذلك رسول الله والناس معه.
ملاحظات سريعة
كعادة المفسرين يختلقون القصص ويجعلونها سبباً لنزول الآية. ومجاهد اختلق القصة الأولى ثم اختلق قصة أخرى مختلفة. ويبدو أنه اختلق القصة الأخرى في مجلس آخر وبعد مضي وقت طويل على اختلاق القصة الأولى التي نسيها.
معنى القدر عند المفسرين
مجاهد: ليلة القدر تعني ليلة الحكم في الأرزاق والآجال وغيرها.
وهو نفس الكلام المنسوب لسعيد بن جُبير الذي يقول: يؤذن للحجاج في ليلة القدر، فيُكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد، ولا يُزاد فيهم، ولا ينقص منهم.
ملاحظات سريعة
الآجال والأرزاق أودعها الله للجميع في أرضه ولم يقرر مسبقاً أن فلاناً سيكون غنيا وسيعيش مئة سنة وفلاناً سيعيش فقيراً ويموت في العشرين. كما أن اختيار الحق أو الضلال خيار شخصي حر، والله جل وعلا لا يقرر على العبد أنه شقي ويعذبه.
متى تقرر أنها في رمضان
ونقل الطبري في تفسيره أن ربيعة ابن كلثوم قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفى كلّ رمضان، وإنها لليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق، إلى مثلها. 
وعن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمر. قال: ليلة القدر في كلّ رمضان. 
ملاحظات سريعة
مثل هذه الأقوال تظهر بكل وضوح أن الجدل حول متى هي ليلة القدر وفي أي شهر كان يحدث بعد عصر الرسول وعندما بلغ الحسن مبلغ الرجال وهو الذي مات الرسول وهو في الرابعة أو الخامسة من عمره.
وهو ما ينطبق على حوار ابن جبير مع ابن عمر.
من الذي قرر أن عملها أفضل
فيما يلي بعض ما أورده الطبري في تفسيره:
  • عن سفيان، قال: بلغني عن مجاهد قوله: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر. 
  • وعن عمرو بن قيس الملائي، قوله: خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ قال: عملٌ فيها خير من عمل ألف شهر. 
  • وقال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر، رواه ابن جرير.
  • وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر.
  • وهكذا قال قتادة بن دعامة والشافعي وغير واحد وقال عمرو بن قيس الملائي: عمل فيها خير من عمل ألف شهر. 
ملاحظات سريعة
مجاهد وعمرو ابن قيس الملائي وغيرهم هم من قرروا أن عملها وصيامها خير من ألف شهر، ولو كان الرسول هو من قال بذلك فلن يكون هناك حاجة لمجاهد والملائي وكثيرين غيرهم ليقرروا. 
كيف يقنع المفسرون الناس بكلامهم أن عمل ليلة القدر خير من ألف شهر؟
باختلاق قصة!
  • عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتي يُمْسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ قيام تلك الليلة خير من عمر ذلك الرجل.
طبعا اختلاق القصص حسب المذهب والميول والهدف منها وهذا ظاهر في القصة التالية:
  • عيسى بن مازن، قال: قلت للحسن بن عليّ رضي الله عنه: يا مسوِّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل، فبايعت له، يعني معاوية بن أبي سفيان فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أُرِي في منامه بني أميَّة يَعْلُون منبره خليفة خليفة، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله: إنَّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ و إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ يعني مُلْكَ بني أمية قال القاسم: فحسبنا مُلْكَ بني أمية، فإذا هو ألف شهر. 
ملاحظات سريعة
بطبيعة الحال لم تنزل سورة القدر بسبب القصة التي اختلقها مجاهد، ولا القصة التي اختلقها عيسى ابن مازن والتي تهدف لتبرير بيع الحسن ابن علي مبادئه لمعاوية بالمال مقابل ولائه له.
والأمر لم يقف عند اختلاق قصة لتكون سبباً للنزول، بل يصل بهم لتحريف القرآن من أجل ترسيخ أقوالهم. 
وهذا ابن عباس حرف القرآن لكي يتفق مع ما يريد قوله، فقد روى الطبري وابن كثير وغيرهم من المفسرين عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: "مِنْ كُلِّ امْرِىءٍ سَلامٌ".

ملاحظات سريعة

ابن عباس لا يتوانى عن تحريف القرآن لكي يقول إن معنى " تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بإذْنِ رَبِّهِمْ " هو: أن كل واحد منهم لا يلْقَى مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلَّم عليه.
وبدل أن يُسأل ابن عباس ويحاكم على تحريف القرآن، رُسٍّخ كلامه وأصبح هو ما نفهم من خلاله كلام الله ولو أنه حرف كلام الله لأنه يرى أن عبارة القرآن خاطئة.
زيادة في اقناع الناس نسبت أقوال المفسرين للرسول على شكل أحاديث
فالأحاديث المنسوبة للرسول عن فضل ليلة القدر وعملها ظهرت لكي تكون أكثر إقناعاً للناس من كلام مجاهد وسفيان وغيرهم. وقد يكون كلام مجاهد وغيره نسب للرسول فيما بعد وتنوعت عباراته فأصبح وكأنه أحاديث مختلفة عن الرسول.

ومن ذلك: 
  • روى أحمد بن حنبل: عن أبي هريرة قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم".
  • ويقول أحمد: عن مرثد قال: سألت أبا ذر قلت: كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ليلة القدر ؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها قلت: يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره ؟ قال: «بل هي في رمضان» قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال: «بل هي إلى يوم القيامة» قلت: في أي رمضان هي ؟ قال: «التمسوها في العشر الأول والعشر الأواخر» ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحدث ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي ؟ قال: «ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها». ثم حدث رسول الله ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب عليَّ غضباً لم يغضب مثله منذ صحبته وقال: «التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيئاً بعدها» ورواه النسائي
  •  وحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
  •  وعن أبي بكرة أن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلّم قال: «في تسع يبقين أوسبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة» يعني التمسوا ليلة القدر وقال الترمذي: حسن صحيح
ملاحظات سريعة
حديث أبي ذر يظهر الرسول شخصاً عصبياً جدا وبشكل لا يحتمل. فهل كان الهدف من الحديث هو إظهار فضل ليلة القدر أو إظهار أن الرسول شخص سيء الخلق؟ فالسم يدس في الدسم.

  • وحديث أحمد الأول يقول إن الجنة تفتح أبوابها وتغلق أبواب النار.
فإن كان ورد على المجاز فإن الناس تقترف الذنوب في رمضان بنفس النسبة خارجه. وحتى لو امتنع شخص عن المعاصي في رمضان وعاد لها فيما بعد فقد قضى على حسناته السابقة. وإن كان الكلام على ظاهره وكأن الجنة والنار موجودتان الآن فهذا يكذبه كلام الله الذي يؤكد أنهما لن تخلقا إلا يوم القيامة.
والحيث يظهر أنه حتى تلك اللحظة لم يكن أبو ذر يعرف متى ليلة القدر مع أن سورة القدر نزلت قبل الهجرة بعشر سنين لو افترضنا أن دعوة الرسول في مكة استمرت (13) سنة.
  • وحديث أبي هريرة عن غفران الذنوب مثله أحاديث كثيرة قيلت في الحج والعمرة وصلا الجمعة وغيرها .
وأبو هريرة لم يسلم إلا بعد حنين ومع ذلك سمع الرسول يخبر الناس عن موعد ليلة القدر. وهذا يعني أن المسلمين لم يعلموا موعدها إلا في آخر حياة الرسول لأن كتب التراث تقول إن حنيناً وقعت قبل وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بسنتين.
فإن كانت سورة القدر نزلت قبل الهجرة بعشر سنين ويضاف لها ثماني سنوات مضت قبل إسلام أبي بكرة فإن المسلمين بقوا 18 سنة لم يعلموا بفضلها وضاع عليهم قيامها.

ابن عباس يعرف عن ليلة القدر أكثر من أي أحد وحتى من الرسول 

تعالوا نقرأ:
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عباس دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى اللـه عليه وسلّم فسألـهم عن ليلة القدر، فأجمعوا أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس فقلت لعمر إني لأعلم أو إني لأظن أي ليلة القدر هي فقال عمر: وأي ليلة هي؟ فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر: من أين علمت ذلك؟ قال ابن عباس فقلت خلق اللـه سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام، وإن الشهر يدور على سبع وخلق الإنسان من سبع، ويأكل من سبع ويسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع ورمي الجمار سبع لأشياء ذكرها، فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا لـه. 

ملاحظات سريعة

عمر ابن الخطاب أسلم قبل نزول ليلة القدر في مكة وصاحب الرسول طوال حياته بعد ذلك، واستلم الخلافة بعد وفاة الرسول بسنتين ونصف، وطوال هذه المدة لم يكن يدري شيئاً عن ليلة القدر. لدرجة أنه جمع الصحابة ليسألهم عنها. 
ومن بقي من الصحابة في عصر عمر لا يرقون لمنزلته في الصحبة ولا التقوى فكيف يسألهم؟ 
والحديث يظهر أن ما يفعل في ليلة القدر كان غير معروف يقيناً حتى خلافة عمر على الأقل - هذا لو افترضنا أن هذه القصة صحيحة - وإن كانت غير معروفة في عصر الرسول فهي كغيرها من العبادات التي ألحقت بالدين وليست منه، في عصور لاحقة، وبالتالي فهي بدعة.
________________________
ابن قرناس

ليست هناك تعليقات: