من لطيف ما سمعت في هذا السياق أنه من لطف الله أنه قال في كتابه الكريم "ويل للمصلين (1) الذين هم عن صلاتهم ساهون (2) ... صدق الله العظيم ، ولم يقل "الذين هم في صلاتهم ساهون" لأننا كلنا قد نسهو في الصلاة وهناك الكثير من القصص التاريخية التي تثبت هذا الشيء ...
ولكننا ومن مبدأ أن القرآن يفسر بعضه بعضا وأن الآية يكتمل معناها ضمن سياقها في السورة لا بد لنا من أن نستمر في القراءة لنعرف تماما ماذا قصد الله سبحانه وتعالى بموضوع "السهو عن الصلاة" ولنقرأ
الذين هم يراؤون (3) ويمنعون الماعون (4) .... صدق الله العظيم
الملاحظة المهمة هنا ان الآية الثالثة لم تبدأ بحرف عطف كالواو مثلا والتي تفيد الإضافة والزيادة ، بل أتت بلفظ "الذين" مباشرة لتوضح ما هو المقصود بالسهو عن الصلاة . فالموضوع إذن ليس السهو عن وقت الصلاة كما ذهب معظم المفسرين لهذه الآية، بل الموضوع والمقصود من هذه الآية هو انعكاس هذه الصلاة على سلوك المصلي وتصرفاته العملية في الحياة
وبقراءة الآيتين (3) و (4) مرة أخرى نرى أنهما يتطرقان إلى خصلتين ذميمتين لا يجوز أن يكونا في المسلم وهما النفاق والبخل وهذه رسالة تحذيرية قوية اللهجة لمن يصلون - حتى وإن صلوا الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة في المسجد - من أن يكونوا من المنافقين أو البخلاء ... وإلا فالويل لهم .... وبنص هذه الآيات الكريمة
ولو حاولنا استكشاف ما وراء اختيار هاتين الخصلتين تحديدا ولماذا يكون الويل لمن اتصف بهما حتى وإن كان من المصلين المواظبين على الصلاة في أوقاتها ، نجد أن الخصلىة الأولى "النفاق والمراءاة" هي أساس الفساد والانهيار السياسي والأخلاقي والإداري حيث يتم التغاضي عن الأخطاء، بل ويتم مدح الظلمة والمنحرفين بما ليس فيهم من أخلاق حميدة، وتنعدم الشجاعة والجرأة الأدبية للتصدي للخطأ ومواجهة المنحرفين حتى وإن كانوا من أصحاب المال والسلطة والنفوذ، فينقلب الحق باطلا والباطل حقا، ويوسد الأمر إلى غير أهله ، ويعم الفساد والفوضى في المجتمع. أما الخصلة الثانية "منع الماعون" أي البخل بالطعام تحديدا فهي ولا شك جديرة بالاهتمام في ضوء المجاعات وضعف التغذية الذي يجتاح العالم وخاصة في الدول النامية، خاصة وأن الطعام هو أول أساسيات الحياة للإنسان ويأتي بعده الملبس والمأوى والصحة والتعليم - الحقوق الخمسة الأساسية لكل إنسان- في عالم متحضر يعطي كل إنسان حقه
ونحن وفي هذا التحليل لمقصود الآيات الكريمة ، لا ننفي أهمية الصلاة وفي أوقاتها المحددة لها، ولكن الآية الأولى الصادمة "ويل للمصلين" تثبت أن المقصود بها مصلون ومع هذا فالويل لهم. وهذه آية تستدعي التفكير والتفكر بشكل أعمق من مجرد أداء الصلاة في أوقاتها. وهذا المعنى موجود أيضا في الحديث المنسوب إلى النبي " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدا" ... فالعبرة ليست في الصلاة ذاتها بل في انعكاسها على أخلاقيات وسلوكيات وتصرفات المصلين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق