هذه الصفحة مخصصة للدكتور عدنان إبراهيم وأعماله المتعلقة بفهم الدين والتاريخ ضمن نظرة عصرية متجددة، والشخ عدنان إبراهيم من مواليد غزة، درس الطب في يوغسلافيا ، واستقر به الأمر في النمسا. من أبرز ما جاء به د عدنان هو مصطلح العدنانية مركزا على أنها منهج وليست مذهب ... فهي منهج يعتمد العقل والشرع للوصول إلى الحقيقة وليست مذهبا يتم اتباعه حرفيا بكل ما فيه، وهذه كلمة حق تترك الباب مفتوحا للتوافق العام مع إمكانية الاختلاف في فهم بعض التفاصيل دون الإضرار بالتوافق العام
- البث المباشر
- اتجاهات - الجزء الأول
- إتجاهات - الجزء الثاني
- خطب جمعة
- حد الردة
- لا رجم في الاسلام
- لا نسخ في آيات القرآن الكريم
- عودة عيسى بين الإقرار والإنكار
- فمن خلق الله ؟
- الأمة بين قهر الظالمين ونفاق المثقفبن
- الأمة والحروج على الحكام
- ظهر المهدي ... فر المهدي
- طواغيت الفكر
- بين الحسين ويزيد
- قصة آدم ... نظرات جديدة
- وأنه أضحك وأبكى
- هل نفكر؟
- فكرنا السياسي .. كم هو رشيد ؟
- هل القلب دماغ ثان ؟
- وقتنا ... كيف ندبره؟
- إبليس
- أمتنا والوثنية السياسية
- معجزات ... انتهى زمن المعجزات
- تناف أو تكامل
- مربع الأولويات
- الموسيقى ... حلال أم حرام
- في فضل آل البيت
- النسبة الذهبية وسر الجمال
- ستيفن هوكينج من الإيمان إلى الإلحاد - ح1
- ستيفن هوكينج .. من الإيمان إلى الالحاد ح2
- محاضرات طويلة
- إضاءات سريعة (15 ]دقيقة أو أقل)
- The human which God wants
- قطرة من ذكاء عدنان إبراهيم
- الدولة الأسلامية ونظام الحكم
- جوهر الدين
- عاقبة تعطيل العقل
- الضمير يتبع العقل
- لماذا يبلونا الله
- الحرية أولوية الإنسان
- أنبل شيء في الإنسان
- الكلمة والحرف والورقة
- لمن يهمل عقله
- كن مفكرا ...كن غريبا
- العلماء الحمير
- الفرق بين العقل المسلم السني والشيعي
- حوار مع صحفي ملحد
- فاطمة سيدة نساء العالمين
- خطير جدا
- حديث عترتي أهل بيتي
- الحسين ابن رسول الله
- عن محمد باقر الصدر
- عاقبة تعطيل العقل
- الحقيقة مرة (سيف بن عمر التميمي كاذب)
- الحديث باسم الدين والمنهجية العلمية
- تلك دماء طهر الله منها أيدينا
- من سخافات أمتنا
- أردوغان والإسلاميون الآخرون
- الشيعة الجعفرية يدافعون عن أم المؤمنين أكثر من السلفية
- شبهة طلحة وعائشة
- إفتراء محمد الداهوم
- تاريخنا ينزف دما
- الحسين بن علي خارجي قتل بسيف جده
- لا تشككوا الناس في قرآنهم
هناك 111 تعليقًا:
اءعلم رحمك ان التوحيد هو اءفرد الله بالعبادة وهو دين الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين اءرسلهم الله اءلى عباده لما غلوا في الصالحين فاءولهم نوح عليه الصلاة والسلم==اغلو في الصالحين ودا = ويغوث= ونسرا=) واءخرهم محمد عليه الصلاة والسلام كسر صور هؤلاء الصالحين والتوحيد هو لغة وحد=يوحد) اءي جعل الشيء واحدا= وهذا لا يتحقق ءالا بنفي واءثبات==نفي الحكم عما سوى الموحد= واءثباته له = لاءن النفي وحده تعطيل= والاءثبات وحده لا يمنع المشاركة=فمثلا لا يتم للاءنسان التوحين=حتى يشهد اءن لااءله لامعبود بحق اءلا الله=)اءلا الله= مثبتا العبادة لله وحده لاشريك له في عبادته لاشريك له في ملكه هنا توحيد الاءلوهية فهو دين الرسل = فكلهم اءرسلو بهذا الاءصل الذي هو التوحيد==قال الله تعالى=) ولقد بعثنا في كل اءمة اءن اءعبدو الله واءجتنبوا الطاغوت=) وقال الله تعالى=) وما ارسلنا قبلك من رسول اءلا نوحي اءنه لا اءله اءلا اءنا فاعبدون=) ارسله الله اءلى قومه لما غلوا في الصالحين == وسبب كفر بن اءدم من اليهود والنصارى والصوفية والرافظة== الغلو في حب الصالحين== قال ابن العباس رظي الله عنه==هذه اسماء رجال صالحين من قوم نوح= فلما هلكوا اءوحى الشيطان اءلى قومهم اءن اءنصبوا اءلى مجالسهم التي كانو يجلسون فيها اءنصابا = وسموها باءسما هم ففعلوا= ولم تعبد حتى اءذا هلك اولئك ونسي اللعلم عبدت=)واءخر الرسل محمد عليه الصلاة والسلام اءرسله=)فاءن قيل اءن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام= ينزل اءخر الزمان ويكسر الصليب ويهدم القبور التي تعبد من دون الله ولا يقبل الا الا سلام=) وارسله الله الى قوم يحجون ويذكرون الله كثيرا= ولكنهم يجعلون= بعظى الوسائط بينهم وبين الله== ويقولون= نريد منهم التقرب= اءلى الله= ونريد شفاعتهم= مثل الملائكة وعيسى وسيدي اءحمد== اءنهم اءنما يعبدون سيدي احمد هذه الاقبور والاءصنام= لتقربهم اءلى الله زلفى= فهم مقرون اءنها من دون الله==واءنها لا تملكلهم ضرا ولا نفعا= واءنهم شفعاء لهم عند اللهعز وجل= ولكن هذه الشفا عة باطلة لا تنفع صاحبها لاءن الله يقول=) فما تنفعهم شفاعة الشافعين=) وذالك لاءن الله تعالى =لا يرظى لهؤلاء المشركين شركهم ولا يمكن اءن ياءذن بالشفاعة لهم= لاءنه لا شفاعة اءلا لمن اءرتظاه الله عز وجل= والله لا يرظى لعباده الكفر ولايحب الفساد=)=== فتعلق عباد القبور باءلهتم وصالحيهم ويعبو دونها = ويقلون ) هؤلاء شفعا ئنا عند الله )= فتعلق باطل غير نافع= بل هذا لايزيدهم من الله تعالى= اءلابعدا على اءن المشركون يرجون الشفاعة= اءصنامهم وصالحيهم==بوسيلة باطلة= وهي عبادة هذة الاصنام والقبور والاء ظرحة= وهذا = من جهلهم وسفههم اءن يحاولو التقرب اءلى الله تعالى بما يزيدهم بعدا=) ومزالو على هذا الكفر وعبادة الاصنام والقبور = حتى بعث الله الرسول عليه الصلاة والسلام يجدد لهم دين اءبيهم اءبراهيم= ويخبرهم اءن التقرب والاءعتقاد محظى حق الله تعالى= لا يصلح شيء= لغير الله تعالى لا لملك مقرب ولا =لنبي ولا للصالح= ولا لنبي مرسل فضلا من غيرهما=) وءلا فهؤلاء الشركون الذين بعث فيه النبي عيه الصلاة والسلام== يشهدون ان لاخالق ولا رازق اءلا الله= واءن الله يحي ويميت=) وكذالك الصوفية عباد القبور يشهدون== اءن خالق ولا رازق اءلا الله ويعبدون القبور ويطفون بها كطوافهم بالكعبة= ويذبحون لاصنامهم== من القبور ءاولياء المشعوذين=) الصوفية كلاب جهنم=)
- ص 30 - - ص 31 - - ص 32 - - ص 33 - الفصل الأول
في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى ( الوهابية ) وبواعثها ما ينفي المزاعم
المبحث الأول : حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى :
هي الإسلام على منهج السلف الصالح :
من الحقائق الثابتة الجليلة أن الدعوة الإصلاحية التي قام بها المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي - رحمه الله - ( 1115 - 1206هـ ) ( 1703 - 1792م ) ونصرها الإمام المجاهد محمد بن سعود - رحمه الله - ت ( 1179هـ ) ( 1765م ) إنما هي امتداد للمنهج الذي كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة على امتداد التاريخ الإسلامي ، وهو منهج الإسلام الحق الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والتابعون وأئمة الدين من الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل الحديث والفقه وغيرهم .
إذن فهذه الحركة المباركة لم تكن في حقيقتها ومضامينها ومنهجها العقدي والعلمي والعملي ، إلا معبرة عن الإسلام نفسه ، مستهدفة إحياء ما اعترى تطبيقه من قبل كثير من المسلمين من غشاوة وجهل وإعراض ، بتصحيح العقيدة ، وإخلاص العبادة ، وإحياء السنة ، ومحاربة الشركيات والبدع والمحدثات في الدين .
يقول الأستاذ / عبد الرحمن الرويشد في كتابه « الوهابية حركة الفكر والدولة » مؤكدا أصالة الفكرة الوهابية وأنها ليست مذهبا جديدا ، إنما هي إحياء للدين الحق : « ليست الفكرة الوهابية السلفية ديانة جديدة أو مذهبا محدثا كما أشاع ذلك خصومها ، وإنما هي ثمار جهود مخلصة تنادي بالعودة إلى نموذج بساطة الإسلام والاستمداد في التشريع من نبعه الصافي ، كما تدعو إلى حركة تطهير شاملة لكل ما أدخل على المعتقد الديني من شرك وبدع وزيغ وضلال أدت كلها إلى تشويه حقائق الإيمان وأفسدت رواء الدين ، وأبعدت أبناءه عن قوة التزامه معتقدا وسلوكا .
إطلاق ( الوهابية ) على هذه الدعوة الإصلاحية انطلق أولا من الخصوم ، وكانوا يطلقونه على سبيل التنفير واللمز والتعيير ، ويزعمون أنه مذهب مبتدع في الإسلام أو مذهب خامس .
- ص 34 - ولم يكن استعمال ( الوهابية ) مرضيا ولا شائعا عند أصحاب هذه الحركة وأتباعهم ، ولا عند سائر السلفيين أهل السنة والجماعة ، وكان كثير من المنصفين من غيرهم والمحايدين يتفادى إطلاق هذه التسمية عليهم ؛ لأنهم يعلمون أن وصفهم بالوهابية كان في ابتدائه وصفا عدوانيا إنما يقصد به التشويه والتنفير وحجب الحقيقة عن الآخرين ، والحيلولة بين هذه الدعوة المباركة وبين بقية المسلمين من العوام والجهلة وأتباع الفرق والطرق ، بل وتضليل العلماء والمفكرين الذين لم يعرفوا حقيقة هذه الدعوة وواقعها .
ولقد صار لقب ( الوهابية ) وتسمية الحركة الإصلاحية السلفية الحديثة به هو السائد لدى الآخرين من الخصوم وبعض الأتباع والمؤيدين المحايدين ( تنزلا ) .
وهو الوصف الرائج عند الكثيرين من الكتاب والمفكرين والمؤرخين والساسة ، والمؤسسات العلمية ، ووسائل الإعلام إلى يومنا هذا ، بل تعدى الأمر إلى التوسع في إطلاق الوهابية على أشخاص وحركات منحرفة عن المنهج السليم ، وتخالف ما عليه السلف الصالح وما قامت عليه هذه الدعوة المباركة ، وهذا بسبب تراكمات الأكاذيب والأساطير التي نسجت حول الدعوة وأهلها بالباطل والبهتان .
أما أتباع هذه الحركة فهم لا يرون صواب هذه التسمية ( الوهابية ) ولا ما انطوت عليه من مغالطات وأوهام ، لاعتبارات مقنعة كثيرة ؛ شرعية وعلمية ومنهجية وموضوعية وواقعية ، تتلخص فيما أشرت إليه في التعريف من أنها تمثل تماما الإسلام الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك سبيل الهدى ، وإذن فحصره تحت مسمى غير الإسلام والسنة خطأ فادح وبدعة محدثة ومردودة .
فالدارس لهذه الدعوة المباركة بإنصاف وموضوعية سيتوصل - حتما - إلى أنها إنما تنادي بالرجوع إلى الإسلام الصافي ، وأنها امتداد للدين الحق ( عقيدة وشريعة ومنهاج حياة ) والمتمثل - بعد حدوث الافتراق في الأمة الإسلامية - بالتزام نهج النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والتابعين ومن سلك سبيلهم وهم السلف الصالح أهل السنة والجماعة .
وإذا كان الأمر كذلك ؛ أعني أن الدعوة هي الإسلام والسنة التي جاء بها النبي - ص 35 - - صلى الله عليه وسلم - وما عليه سلف الأمة . . . فلا معنى لإفرادها باسم أو وصف ( كالوهابية ) أو غيره ، لكن قد ترد على ألسنة علماء الدعوة ومؤيديها أو غيرهم بعض الأوصاف الشرعية الصحيحة لها أو لأتباعها والتي لا تتنافى مع رسالتها مثل : دعوة الشيخ : الدعوة ، الدعوة الإصلاحية ، دعوة التوحيد ، السلفية ، وقد يوصف أهلها بالسلفيين والموحدين ، وأهل التوحيد ، وأهل السنة ، والحنابلة ، والنجديين . ونحو ذلك من الأوصاف الشرعية الحسنة ، أو المقبولة .
ومن فضل الله على أتباع هذه الدعوة المباركة أن لقب ( الوهابية ) من الخصوم في كثير من الأحيان يحمل معان إيجابية ويعتز بها أتباعها وعموم أهل السنة ، وإن قصد به خصومهم اللمز والسب .
وذاك - على سبيل المثال : حين يطلقونها على من يقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو أصل من أصول الإسلام وشعائره العظيمة ، ومن أكبر خصائص الأمة المسلمة ، ومن خصال الخيرية لهذه الأمة كما قال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر [ سورة آل عمران ، من الآية : 110 ] .
وحين يطلقون ( الوهابية ) كذلك على الأخذ بالكتاب والسنة والتمسك بالدين وتوحيد الله تعالى ، ونبذ الشركيات والبدع ، وهذه صفة مدح وتزكية يفرح بها المؤمنون .
وحين يطلقون ( الوهابية ) على اقتفاء منهج السلف الصالح الذي هو سبيل المؤمنين ، وسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وهذه تزكية لا تقدر بثمن .
والناظر في مفاهيم الناس حول ما يسمونه ( الوهابية ) يجد الكثير من الغبش والخلط والتناقض والاضطراب .
فالوصف السائد للوهابية عند أغلب الخصوم ومن سار في ركابهم يقصد به : كل من لا يعمل بالبدع ولا يرضاها ، وينكرها ولا يقرها .
وقد يقصد بـ ( الوهابية ) كل مذهب غريب وشاذ .
وآخرون يطلقون ( الوهابية ) على كل من كان على مذهب أهل السنة والجماعة ، مقابل الشيعة أو مقابل الفرق الأخرى . وقد يخصصه بعضهم بالاتجاهات السلفية ، وأهل الحديث ، وأنصار السنة ونحوهم .
وقد توسعت بعض وسائل الإعلام والاتجاهات الغربية ومن دار في فلكها بإطلاق - ص 36 - ( الوهابية ) على كل مسلم ينزع إلى التمسك بشعائر الدين وأحكامه وربما ترادف عندهم عبارة ( أصولي ) أو متزمت أو متشدد ، والمتمسك بالدين عندهم : متشدد .
وبعض المؤسسات والدوائر الغربية ومن تأثر بها صارت عندهم ( الوهابية ) ترادف : التطرف ، والإرهاب والعنف ، والعدوانية . ونحو ذلك ، وهذا تصور خاطئ وحكم جائر .
وفي الآونة الأخيرة وبعد أحداث ( 11 سبتمبر ) في أمريكا وتداعيتها كثرت الأساطير والأوهام حول الوهابية ، إلى حد أن بعض خصوم الدعوة والحاقدين على المملكة العربية السعودية وأهلها ، من المسلمين وغير المسلمين رموها بأنها هي التي وراء هذه الأحداث ، وقد تلقف هذه الأسطورة بعض الإعلاميين ، والكتاب والساسة .
وهذه التناقضات في التعاريف كافية في الدلالة على أن الناس لا يزالون في أمر مريج يتخبطون في مواقفهم وأحكامهم على هذه الدعوة الإصلاحية وأتباعها ودولتها ، وأن غالبهم لا يعرف حقيقتها ، أو أن الأهواء والتعسف والظلم والتقليد والعشوائية والجهل هي التي تسيطر على مواقف الناس وأحكامهم على هذه الدعوة وأهلها ودولتها .
إن الدعوة الإصلاحية بأي اسم سماها الناس ، أو وصف وصفوها به ، فهي على كل الأحوال : كيان حي يمثل الإسلام ، والسنة النقية الصافية ، كما جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكما فهمها الصحابة والسلف الصالح ، وهي بريئة مما اتهمت به كل البراءة كما سيأتي بيانه .
وادي ىالذئاب في الجزائر ع==الذئاب =علي بلحاج عباس مدني= تلاميذة السيد قطب الذي يكفر المجتمع العربي والاءسلامي ويستحل دمائه بالذنوب=)) الخوارج كلاب النار يقتلون اءهل الاءسلام ويتركون اءهل الصلبان =)) الفيس الاءرهاب في الجزائر جزء ممول من طرف السيد قطب= واليهود التلمود الذي سيطر على العالم وسفكت دما ء الجزائريين بسبب الخوارج الاءرهابيين القرظاوي عميل اليهود= بتكفير الجزائريين واءستحلال دمائهم=) واليهود مولت الخوارج الفيس جبهة التكفير وسفك الدماء= بالسلاح
=)))قال الرسول عليه الصلاة=لعنة الله على اليهود والنصارى اءتخذوا قبور اءنبيائهم مساجدا من دون الله=)))) محمد بن عبد الوهاب التميمي= من قبيلة بن تميم) قبيلة العلماء=)) الشيخ الوهاب=)) الوهاب = اءسم وصفة صفات الله عز وجل= ومن اءنكر هذا الاءسم فهو جاحد للاءسماء الله=))الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله=)تلميذ الشيخ الاءسلام اءبن تيمية رحمه الله=وتتلمذوا =على الصحابة رظي الله عنهم=))عبد الله بن العباس رضي الله عنهم= والرسول عليه الصلاة والسلام=)) وهدموا القبور التي تعبد من دون الله=))) ولم يتتلمذوا على يد الفلاسفة اليهود والرومان=)))) كما فعل=== السيد قطب والقرظاوي= والغزالي= والجهم بن صفوان==تلاميذة الفلاسفة الرومان اليهود= اءرساطيطس= سقراط= الطغاة= الذين يحرفون الاءسماء والصفاة=)) ومن طعن في دعوة =) الشيخ محمد بن عبد الوهاب=) فقد طعن=)) وكفر بدعوة االرسول عليه الصلاة والسلام=)والاءصل =فهو= مكذب للقراءن والسنة والنبوية==وكافر بالله عز وجل=))
- ص 37 - حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون وإنه لمن المفيد أن أسوق كلام بعض الشهود من غير النجديين الذين عايشوا هذه الدعوة ودولتها المعاصرة وعلماءها وأهلها عن كثب ومنهم : الأستاذ ( حافظ وهبة ) إذ يقول تحت عنوان : ( ما هي الدعوة الوهابية ؟ ) : « لم يكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نبيا كما ادعى نيبهر الدانمركي ، ولكنه مصلح مجدد داع إلى الرجوع إلى الدين الحق ، فليس للشيخ محمد تعاليم خاصة ، ولا آراء خاصة وكل ما يطبق في نجد من الفروع هو طبق مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأما في العقائد فهم يتبعون السلف الصالح . ويخالفون من عداهم ، وتكاد تكون عقائدهم وعباداتهم مطابقة تمام المطابقة لما كتبه ابن تيمية وتلاميذه في كتبهم ، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة من فروع الدين . وهم يرون فوق ذلك أن ما عليه أكثر المسلمين من العقائد والعبادات لا ينطبق على أساس الدين الإسلامي الصحيح .
وشاهد آخر وهو الدكتور منير العجلاني إذ يقول مجيبا على التساؤل :
( ما هي صفة الحركة الوهابية ؟ )
« لقد تساءل غير واحد من المؤلفين هذا السؤال ، وكانت الأجوبة مختلفة . . . فبعضهم يرى أنها حركة دينية خالصة ، تريد الرجوع بالإسلام إلى صفائه الأول ، وأنها لذلك كافحت الشرك في كل ألوانه وأنكرت البدع التي أحدثت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وبعضهم يرى أنها حركة سياسية ، غايتها فصل نجد والبلاد العربية عن الخلافة العثمانية ، وإقامة حكومة عربية مستقلة ، وأن الدين لم يكن إلا وسيلة لتحقيق هذا الغرض .
وآخرون يرونها مزيجا من الدين والقومية ؛ لأنها كافحت في الميادين لتحقيق غايات دينية وقومية ، وألفت حكومة ، وأوجدت نظاما مبنيا على الإسلام ، ضمن الإطار السلفي .
ويقول المستشرق الفرنسي « هنري لاوست » : إن روح الحركة الوهابية ومعناها لم يتحددا في وضوح كامل .
- ص 38 - يقال حينا إن الوهابية حركة دينية غايتها إعادة الإسلام إلى صفائه الأول . وتعرف حينا آخر بأنها حركة تطهير ، يغلب عليها التشدد ، وترفض - كالبروتستانتية - عقيدة تقديس الأولياء ، وتكافحها كفاحا لا هوادة فيه .
وكل هذا إنما هو محاولة لتعريف الوهابية ببعض صفاتها الثانوية المتفرعة عنها ، كما رآها أعداؤها ، أو كما أظهرها الغلاة من أتباعها . . .
ولا سبيل إلى فهم الحركة الوهابية وتعريفها تعريفا صحيحا ، إلا بالرجوع إلى كتاب « السياسة الشرعية » ، لابن تيمية ، ومتى فعلنا ذلك استطعنا أن نعرف الوهابية بأنها : حركة إصلاح وتجديد ، سياسية ودينية ، ترمي إلى إنشاء دولة إسلامية على الأسس التي أوردها ابن تيمية ، في كتاب « السياسة الشرعية » .
وحسبنا أن نقرأ المجموعات التي نشرتها الحكومة العربية السعودية باسم : « مجموعة الرسائل والمسائل النجدية » حتى ندرك تماما أن الأفكار الوهابية مستمدة من « السياسة الشرعية » و « الحسبة » لابن تيمية ، و « السياسة الحكمية » ، لابن القيم الجوزية .
رأينـــا وعندنا أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب : عودة إلى الإسلام في أول أمره ومطلع فجره ، ومتى قلنا ذلك كفينا أنفسنا عناء الجدل العقيم .
ذلك أن من دعا إلى الإسلام الأول ، فإنما يدعو إلى الإسلام كما كان يرى في المدينة ، في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ثم في عهود الخلفاء الراشدين » .
إلى أن قال : « وحركة محمد بن عبد الوهاب هي حركة تجديد وتطهير : تجديد وإحياء لما أهمله المسلمون من أمور الإسلام وأوامره ، وتطهير للإسلام مما أدخلوه عليه من الشركيات والبدع !
ولم تكن دعوة محمد بن عبد الوهاب دعوة « فيلسوف » معتزل في غرفته ، ولكنها كانت دعوة زعيم مصلح ، يكافح دون عقيدته ، ويعمل لها بلسانه ويده ، وبكل قلبه ، وبكل عقله ، وبكل جهده .
- ص 39 - إن دعوة محمد بن عبد الوهاب ليست « نظرية » أو كتابا ألفه ليقرأه الناس ، ولكنها منهاج رسمه ، وقام وراءه يدعو إلى العمل به ، بالموعظة أولا ، ثم بالقوة . . . قوة دولة الإسلام التي قامت على أساس الشرع وحده .
فمنهاج الشيخ ليس إصلاحا دينيا خالصا ، بالمعنى الذي يفهمه الأوروبيون اليوم ؛ لأنهم يفرقون بين الدين والدنيا ، ويجعلون الدين صلة خاصة بين العبد وخالقه ، لا يحمل الناس على اتباعه بالقوة ، ثم هم يفرقون بين الدين ( أو الشرع ) وبين القانون ، ويقولون إن الدولة تلزم الأفراد بالقانون الذي تضعه هي لهم ، ولكنها لا تلزمهم بالشرع ، بل قد يخالف قانونها الشرع ! .
إن الإسلام وحدة ، دين ودنيا ، ودعوة الشيخ لذلك ، دعوة جامعة للأمور الدينية والسياسية » .
ويقول الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم :
« يطلق بعض الكتاب على « الدعوة السلفية » اسم « المذهب » ، كما يطلق عليها البعض الآخر اسم « الوهابية » ، والحقيقة أن استعمال هذين الوصفين للدعوة غير دقيق ، فهي ليست بمذهب جديد في الإسلام ، حتى يصح إطلاق لفظ المذهب عليها ، بل إن صاحب الدعوة نفسه كان حريصا على أن يؤكد للناس أنه لا يدعوهم إلى مذهب جديد في الإسلام ، وذكر في رسائله قائلا : « فإني لم آت بجهالة ، بل أقولها ، ولله الحمد والمنة وبه القوة إنني هداني ربي إلى الصراط المستقيم ، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ، وما كان من المشركين ، ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو غيره . . . بل أدعو إلى الله وحده لا شريك لـه ، وأدعو إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها أول أمته وآخرهم » .
« أما وصف الدعوة بالوهابية ، فقد أطلقه عليها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، حتى يبرهنوا للناس أن مبادئه التي يدعو إليها بدعة جديدة خارجة على مبادئ الإسلام ، بل إن أعداء الدعوة من الترك ، ومن جاراهم غالوا في ذلك ووصفوا أتباع الدعوة بالروافض والخوارج ، - ص 40 - حتى إن الوثائق الرسمية المتبادلة بين محمد علي والباب العالي تنعت الأمير السعودي الذي يعمل على نشر مبادئ الدعوة السلفية باسم « الخارجي » .
ويقول محمد جلال كشك : « ودعوة التوحيد التي نادى بها الشيخ تقبلها العلماء في شتى بلدان العالم الإسلامي ، أو قل: لم يستطع أحد منهم أن يرفضها ، بل على العكس ركز خصومها على اتهامها بأنه « لا جديد فيها » واهتموا بمناقشة الشكليات ، وافتراء الاتهامات ، بينما أعلن أكثر من عالم وفقيه أو حتى مستشرق انطباقها على مبادئ الإسلام الصحيحة .
كذلك ذهب ابن بشر إلى أن الشريف غالب وافق على أفكار الشيخ لولا أن الحاشية حذرته بأن الوهابيين إنما يريدون ملكه وليس ضميره ، « فارتعش قلبه وطار » .
ومحمد بن عبد الوهاب ، اهتم اهتماما كبيرا ، هو وورثته من بعده ، بتأكيد أنه لا جديد في دعوته ، وأنه لم يأت بمذهب خامس ، وهذا صحيح بالطبع ، وإن كان الحرص على نفي تهمة المذهب الخامس « أمر مبالغ فيه ؛ لأن المذاهب في حد ذاتها ، ليست أديانا منزلة ، وإنما هي اجتهادات وهم رجال ونحن رجال » .
لقد ظل هذا الحرص على نفي شبه المذهبية الجديدة يلازم رجال الحركة في المسجد والدولة ، إلى حد اتقاء كلمة « الوهابية » والإصرار على أن « محمد بن عبد الوهاب » ليس أكثر من تلميذ أو فقيه من فقهاء المذهب الحنبلي « المعترف » به ، فلماذا انفرد هو بذلك الأثر الذي أحدثه ، وبتلك القدرة على تفجير طاقات غيرت تاريخ المنطقة ؟ » .
« فهو لا يدعو « إلى مذهب صوفي ، أو فقيه ، أو متكلم ، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم » ، « أدعو إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، التي أوصى بها أول أمته وآخرهم ، وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه . إن أتانا منكم كلمة من الحق ، لأقبلنها على الرأس والعين ولأضربن الجدار بكل ما خالفها » .
- ص 41 - « وهكذا فتح الشيخ باب الاجتهاد على مصراعيه ، وكتب إلى الشريف غالب يقول : « فإن كانت المسألة إجماعا فلا كلام ، وإن كانت مسألة اجتهاد ، فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد » .
لا شك أنه كان أكثر تقدمية وانفتاحا من المتكلم عن شيوخ مكة ، بل وأكثر قربا لروح الإسلام في الحوار المشهور بين علماء الوهابية وعلماء مكة . فقد قال الشيخ الحنفي المذهب : أنا لا أقبل إلا ما قاله إمامي أبو حنيفة لأنني مقلد لـه فيما قاله ، ولا أقبل أن تقول لي: قال رسول الله أو قال ذو الجلالة ؛ لأن أبا حنيفة أعلم مني ومنك بقولهما » .
وهكذا نرى أننا نظلم الشيخ ونظلم دعوته ، بل نظلم السلفية والسلفيين عندما نتحدث عنهم بالمفهوم السوقي الشائع » .
« فالدولة السعودية ، أو الثورة الوهابية كانت ضد التخلف العثماني ، كانت محاولة للإفلات من السفينة العثمانية الغارقة ، والتي لم يبق بها إلا طابور انكشاري يعترض طريق كل من يحاول سد خروق السفينة » .
« لم يحس أحد في القاهرة ولا مكة ولا حتى الأستانة بسقوط بخارى وسمرقند والقوقاز ، مع أنها أعرق في تاريخ الإسلام وحضارتها من بلجراد وسالونيك والأستانة ذاتها ، وشعوبها مسلمة مائة بالمائة منذ القرن الأول الهجري . . . ولكن هذه العواصم تنبهت مذعورة على مدفعية الأساطيل الأوروبية عند الشواطئ العربية . . . وبدأ الحديث عن « انقلاب المطبوع » والبحث عن تفسير لظاهرة انتصار الكفار على المؤمنين أو اختلال الناموس كما قالوا ! .
« وطرح السؤال بعنف : ما العمل ؟ كيف نواجه هذا التحدي ؟ وكانت أول إجابة طرحت في العالم العربي ، وما زالت آثارها حية إلى اليوم ، هي المنهج السعودي ، الذي طرحه « محمد بن عبد الوهاب » وتبناه « محمد بن سعود » وهو « لا ينتصر آخر هذا الدين إلا بما انتصر به أوله »
فاجأ ابن عبد الوهاب الجميع بإعلان أنه لا خطأ في الناموس . . . لا خطأ في قوانين الكون ، فالكفار لم يهزموا المؤمنين ، بل هزموا كفارا عادوا للشرك فخسروا الدين والدنيا ! » .
« فإن مظاهر الوثنية كانت قد تفشت في أنحاء العالم الإسلامي ، ليس فقط في الاعتقاد بالمشايخ والأولياء ، وأصحاب الطرق ، بل حتى في الاعتقاد ببركة أحجار وأشجار ، - ص 42 - وكان في مصر شجرة اسمها « أم الشعور » يتبرك بها العامة ويعتقدون بوجود روح داخلها ، وكان العامة يعلقون قطعة من ثيابهم ، أو ثياب غرمائهم في مسامير بوابة المتولي ، طلبا للمعاونة أو التنكيل بالخصوم . كما كان العامة في مصر يوجهون شكاويهم كتابة للإمام الشافعي المتوفى قبل أكثر من عشرة قرون ! ويعتقدون أنه يقرأها ، ويقضي فيها . . . فهو « قاضي الشريعة » كما يلقبه العامة في مصر » .
SIIDreda REDASID يقول...
بواعث قيام الدعوة الإصلاحية وأهدافها الكبرى
قامت الدعوة الإصلاحية في نجد على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب ، ومناصرة الإمام محمد بن سعود في الوقت الذي كانت أحوج ما تكون إليه في جميع النواحي الدينية والدنيوية ، وكانت مبررات الدعوة وبواعثها الشرعية منها والواقعية متوافرة ، ومن أهم هذه البواعث والدواعي :
1 - تحقيق التوحيد :
إن أول هذه الدواعي وأعظمها لقيام الدعوة الإصلاحية : مسألة التوحيد ومجانبة الشرك ، وهي القضية الكبرى بين الأنبياء وخصومهم ، وكذلك بين الدعاة والمصلحين وخصومهم ، ألا وهي تحقيق ما أمر الله تعالى به لجميع المكلفين أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فقد قامت هذه الدعوة استجابة لأمر الله بإقامة الدين ، بتحرير العبودية لله وحده ، وتعظيم الله تعالى بأسمائه وصفاته ، وإخلاص العبادة لـه سبحانه دون سواه ، والنهي عن الشرك وذرائعه ، وكانت هذه هي الغاية الأولى في هذه الدعوة المباركة .
2 - تنقية مصادر التلقي :
تعددت مصادر التلقي عند أهل الأهواء والبدع ، ولم يخلصوا تلقي الدين عن الكتاب والسنة ، فكان من أهداف هذه الدعوة الإصلاحية ، إعادة الناس إلى مصادر الدين الحق ( القرآن والسنة ) وبفهم السلف الصالح وآثارهم الصافية .
4 - القيام بواجبات الدين وفرائضه العامة :
من الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، تحقيقا للخيرية التي وصف الله بها هذه الأمة كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم [سورة آل عمران ، من الآية : 110] - ص 44 - والنصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأئمة المسلمين وعامتهم وإقامة الحدود ، والعدل بين الناس .
فقد أعرض كثير من المسلمين ، لا سيما أهل البدع وكثير من العامة ، وأهل البادية ، عن العمل بشرع الله في أكثر أحوالهم الدينية والدنيوية حيث سادت البدع والمحدثات والتقاليد والأعراف والأحكام الجاهلية ، وتحاكم كثير من الناس إلى غير شرع الله ، وكثر لجوء الناس إلى الكهان والمشعوذين والسحرة والدجالين ، فأصابهم ما توعد الله به من أعرض عن ذكره ، من ضنك المعيشة كما قال سبحانه : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا [سورة طه ، من الآية : 124] .
6 - نشر العلم ومحاربة الجهل والتخلف :
تميز العصر الذي ظهرت فيه الدعوة بشيوع الجهل والتقليد الأعمى بين المسلمين ، فكثر الإعراض عن تعليم العلوم الشرعية ، وعن التفقه في الدين ، وسادت الأمية والتخلف في أكثر مظاهر الحياة الفردية والجماعية ، مما جعل قيام الدعوة ضرورة لنشر العلوم الشرعية ووسائلها والفقه في دين الله ، وأخذ العلم من منابعه الأصلية : القرآن والسنة وآثار السلف الصالح ، مع الأخذ بالعلوم الدنيوية النافعة .
13 ديسمبر، 2014 1:28 م
SIIDreda REDASID يقول...
7 - تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة :
لقد وقع أكثر المسلمين في وهدة الفرقة والشتات ، والتنازع ، التي أصيب بها المسلمون من جراء كثرة الأهواء والبدع والجهل والإعراض عن الدين ، واتباع سبل الغواية والشهوات والشبهات ، وما نتج عن ذلك من الجهل والذل والهوان والتفرق والفشل الذي حذر الله منه ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [سورة الأنفال ، من الآية : 46] . فكان لا بد من إصلاح أحوال الأمة بالعقيدة والشرع المطهر ، الذي به تكون الجماعة والاستقامة والعزة .
8 - تحقيق الأمن والسلطان :
إن أعظم ما يحتاجه المسلمون عامة - ونجد وجزيرة العرب بخاصة - بعد التوحيد - ص 45 - وفرائض الدين : الأمن والسلطان ، وهما متلازمان فلا يمكن إقامة الدين والعدل إلا بالأمن ، ولا أمن إلا بسلطان ، وهذا ما أدركته الدعوة وإمامها ، فقد ساد ضعف السلطان ، وانفلات الأمن - حيث بدأت الدولة العثمانية في مرحلة الضعف - سيما في جزيرة العرب ، ونجد بخاصة ، وكانت الضرورة تقتضي قيام ولاية شرعية تحفظ للناس أمنهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وتقوم بالعدل والقضاء بين الناس ، وتقيم الحدود وتنشر العلم والخير وتدفع الشر والظلم ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أمر الله تعالى .
فقد أعرض كثير من المسلمين ، لا سيما أهل البدع وكثير من العامة ، وأهل البادية ، عن العمل بشرع الله في أكثر أحوالهم الدينية والدنيوية حيث سادت البدع والمحدثات والتقاليد والأعراف والأحكام الجاهلية ، وتحاكم كثير من الناس إلى غير شرع الله ، وكثر لجوء الناس إلى الكهان والمشعوذين والسحرة والدجالين ، فأصابهم ما توعد الله به من أعرض عن ذكره ، من ضنك المعيشة كما قال سبحانه : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا [سورة طه ، من الآية : 124] .
6 - نشر العلم ومحاربة الجهل والتخلف :
تميز العصر الذي ظهرت فيه الدعوة بشيوع الجهل والتقليد الأعمى بين المسلمين ، فكثر الإعراض عن تعليم العلوم الشرعية ، وعن التفقه في الدين ، وسادت الأمية والتخلف في أكثر مظاهر الحياة الفردية والجماعية ، مما جعل قيام الدعوة ضرورة لنشر العلوم الشرعية ووسائلها والفقه في دين الله ، وأخذ العلم من منابعه الأصلية : القرآن والسنة وآثار السلف الصالح ، مع الأخذ بالعلوم الدنيوية النافعة .
13 ديسمبر، 2014 1:28 م
SIIDreda REDASID يقول...
7 - تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة :
لقد وقع أكثر المسلمين في وهدة الفرقة والشتات ، والتنازع ، التي أصيب بها المسلمون من جراء كثرة الأهواء والبدع والجهل والإعراض عن الدين ، واتباع سبل الغواية والشهوات والشبهات ، وما نتج عن ذلك من الجهل والذل والهوان والتفرق والفشل الذي حذر الله منه ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [سورة الأنفال ، من الآية : 46] . فكان لا بد من إصلاح أحوال الأمة بالعقيدة والشرع المطهر ، الذي به تكون الجماعة والاستقامة والعزة .
8 - تحقيق الأمن والسلطان :
إن أعظم ما يحتاجه المسلمون عامة - ونجد وجزيرة العرب بخاصة - بعد التوحيد - ص 45 - وفرائض الدين : الأمن والسلطان ، وهما متلازمان فلا يمكن إقامة الدين والعدل إلا بالأمن ، ولا أمن إلا بسلطان ، وهذا ما أدركته الدعوة وإمامها ، فقد ساد ضعف السلطان ، وانفلات الأمن - حيث بدأت الدولة العثمانية في مرحلة الضعف - سيما في جزيرة العرب ، ونجد بخاصة ، وكانت الضرورة تقتضي قيام ولاية شرعية تحفظ للناس أمنهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وتقوم بالعدل والقضاء بين الناس ، وتقيم الحدود وتنشر العلم والخير وتدفع الشر والظلم ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أمر الله تعالى .
- ص 46 - - ص 47 - المبحث الثالث : حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة :
وليس أصدق في وصف حال نجد وما حولها من أهلها لا سيما العلماء والباحثين الذين عنوا بهذا الأمر ، وعلى رأسهم إمام الدعوة الذي أعلن دعوته الإصلاحية من هذا المنطلق - أعني تشخيص الأمراض التي يعيشها المجتمع النجدي وسائر الأمة - فقد وصف الإمام نفسه الواقع الذي يعيشه كثير من المسلمين في نجد وغيرها ، وما شاع بينهم من بدع وخرافات ومظالم وجهالات ، وكان هذا الواقع هو السبب والباعث لقيام الإمام بدعوته الإصلاحية ، وكثيرا ما كان يخاطب الناس من هذا المنطلق ، فقال محاورا لمخالفيه ومبينا لهم وجود عظائم المخالفات قال : « منها - وهو أعظمها - عبادة الأصنام عندكم ، من بشر وحجر ؛ هذا يذبح لـه ؛ وهذا ينذر لـه ؛ وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات ؛ وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر ؛ وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة ولو عصى الله !
فإن كنتم تزعمون : أن هذا ليس هو عبادة الأصنام والأوثان المذكورة في القرآن ، فهذا من العجب ؛ فإني لا أعلم أحدا من أهل العلم يختلف في ذلك ، اللهم إلا أن يكون أحد وقع فيما وقع فيه اليهود ، من إيمانهم بالجبت والطاغوت ؛ وإن ادعيتم أنكم لا تقدرون على ذلك ، فإن لم تقدروا على الكل ، قدرتم على البعض ؛ كيف وبعض الذين أنكروا علي هذا الأمر ، وادعوا أنهم من أهل العلم ، ملتبسون بالشرك الأكبر ، ويدعون إليه ، ولو يسمعون إنسانا يجرد التوحيد ، لرموه بالكفر والفسوق ؛ ولكن نعوذ بالله من رضى الناس بسخط الله .
ومنها : ما يفعله كثير من أتباع إبليس ، وأتباع المنجمين والسحرة والكهان ، ممن ينتسب إلى الفقر ، وكثير ممن ينتسب إلى العلم من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس ، ويشبهون بمعجزات الأنبياء ، وكرامات الأولياء ، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل ؛ والصد عن سبيل الله ، حتى إن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعي العلم : أنه من العلم الموروث عن الأنبياء ، من علم الأسماء ، وهو من الجبت والطاغوت ، ولكن هذا مصداق قولـه - صلى الله عليه وسلم - : لتتبعن سنن من كان قبلكم .
- ص 48 - ومنها : هذه الحيلة الربوية التي مثل حيلة أصحاب السبت أو أشد ، وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع ؛ إما إلى كتاب الله ، وإما إلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإما إلى إجماع أهل العلم ؛ فإن عاند دعوته إلى مباهلة ، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض ، وكما دعا إليها سفيان ، والأوزاعي ، في مسألة رفع اليدين ، وغيرهما من أهل العلم ؛ والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله وسلم » .
وقد شخص أحد علماء الدعوة الواقع ووصف حال الأمة أثناء ظهور الدعوة وقبلها في بلدان نجد وكذلك في أكثر البلاد الإسلامية المجاورة ، وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إذ يقول : « كان أهل عصره ومصره - يعني الإمام محمد - في تلك الأزمان ، قد اشتدت غربة الإسلام بينهم ، وعفت آثار الدين لديهم ، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية ، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية ، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان ، وغلب الجهل والتقليد ، والإعراض عن السنة والقرآن ، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان ، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد ، وأحاديث الكهان ، والطواغيت مقبولة ، قد خلعوا ربقة الدين ، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة بغير الله ، والتعلق على غير الله ، من الأولياء ، والصالحين ، والأوثان ، والأصنام ، والشياطين .
وعلماؤهم ، ورؤساؤهم على ذلك ، وبه راضون ، قد أعشتهم العوائد والمألوفات ، وحبستهم الشهوات عن الارتفاع إلى طلب الهدى ، من النصوص والآيات ، يحتجون بما رأوه من الآثار الموضوعات ، والحكايات المختلقة ، والمنامات ، كما يفعله أهل الجاهلية ، وكثير منهم يعتقد النفع والضر ، في الأحجار ، والجمادات ، ويتبركون بالآثار ، والقبور نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون [سورة الحشر ، من الآية : 19] ، قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [سورة الأعراف ، الآية : 33] .
- ص 49 - فأما بلاد نجد : فقد بالغ الشيطان في كيدهم ، وكانوا ينتابون قبر زيد بن الخطاب ، ويدعونه رغبا ورهبا ، ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج ، وكذلك عند قبر يزعمون أنه قبر ضرار بن الأزور ، وذلك كذب ظاهر وبهتان .
وكذلك عندهم : نخل - فحال - ينتابه النساء والرجال ، ويفعلون عنده أقبح الفعال ؛ والمرأة : إذا تأخر عنها الزواج ، تذهب إليه ، فتضمه بيدها ، وتدعوه برجاء ، وتقول : يا فحل الفحول ، أريد زوجا قبل الحول ؛ وشجرة عندهم تسمى : الطرفية ، أغراهم الشيطان بها ، وأوحى إليهم التعلق عليها ، وأنها ترجى منها البركة ، ويعلقون عليها الخرق ، لعل الولد يسلم من السوء .
وفي أسفل : بلدة الدرعية : مغارة في الجبل ، يزعمون أنها انفلقت من الجبل لامرأة تسمى : بنت الأمير ، أراد بعض الناس أن يظلمها ويضير ، فانفلق لها الغار ، كانوا يرسلون إلى هذا المكان من اللحم والخبز ما يقتات به جند الشيطان .
وفي بلدتهم : رجل يدعي الولاية ، يسمى : تاج ؛ يتبركون به ، ويرجون منه العون ، ويرغبون فيما عنده من المدد - بزعمهم - ولديه ، فتخافه الحكام والظلمة ، ويزعمون أن لـه تصرفا ، مع أنهم يحكون عنه الحكايات القبيحة الشنيعة التي تدل على انحلاله عن أحكام الملة ، وهكذا سائر بلاد نجد ، على ما وصفنا ، من الإعراض عن دين الله ، والجحد لأحكام الشريعة .
ومن العجب : أن هذه الاعتقادات الباطلة والعوائد والطرق قد فشت وعمت ، حتى بلاد الحرمين الشريفين ! فمن ذلك : ما يفعل عند قبر محجوب ، وقبة أبي طالب ، فيأتون قبره للاستغاثة عند نزول المصائب ، وكانوا لـه في غاية التعظيم ، فلو دخل سارق ، أو غاصب ، أو ظالم قبر أحدهما ، لم يتعرض لـه أحد ، لما يرون لـه من وجوب التعظيم .
ومن ذلك : ما يفعل عند قبر ميمونة ، أم المؤمنين - رضي الله عنها - في سرف ؛ وكذلك عند قبر خديجة - رضي الله عنها - يفعل عند قبرها ما لا يسوغ السكوت عليه ، من مسلم يرجو الله ، والدار الآخرة ، وفيه : من اختلاط النساء بالرجال وفعل الفواحش والمنكرات وسوء الأفعال ما لا يقره أهل الإيمان ، وكذلك سائر القبور المعظمة ، في بلد الله الحرام : مكة المشرفة .
- ص 50 - وفي الطائف ، قبر ابن عباس - رضي الله عنهما - يفعل عنده من الأمور الشركية التي تنكرها قلوب عباد الله المخلصين ، وتردها الآيات القرآنية ، وما ثبت من النصوص عن سيد المرسلين ، منها : وقوف السائل عند القبر ، متضرعا مستغيثا ، مستكينا ، مستعينا ، وصرف خالص المحبة ، التي هي محبة العبودية ، والنذر ، والذبح لمن تحت ذاك المشهد ، والبنية .
وأكثر سوقتهم وعامتهم يلهجون بالأسواق : اليوم على الله وعليك يا ابن عباس ، فيستمدون منه الرزق ، والغوث ، وكشف الضر ، وذكر محمد بن الحسين النعيمي الزبيدي - رحمه الله - : أن رجلا رأى ما يفعل أهل الطائف ، من الشعب الشركية ، والوظايف ، فقال : أهل الطائف لا يعرفون الله ، إنما يعرفون ابن عباس ، فقال لـه بعض من يترشح للعلم : معرفتهم لابن عباس كافية ؛ لأنه يعرف الله .
فانظر إلى هذا الشرك الوخيم ، والغلو ، ووازن بينه وبين قولـه وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [سورة البقرة ، من الآية : 186] وقولـه جل ذكره : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [سورة الجن ، آية : 18] وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود والنصارى ، باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد يعبد الله فيها ، فكيف بمن عبد الصالحين ، ودعاهم مع الله ، والنصوص في ذلك لا تخفى على أهل العلم .
كذلك ما يفعل بالمدينة المشرفة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، هو من هذا القبيل ، وفي بندر جدة ما قد بلغ من الضلال حده ، وهو : القبر الذي يزعمون أنه قبر حواء ؛ وضعه لهم بعض الشياطين .
وكذلك مشهد العلوي ، بالغوا في تعظيمه ، وخوفه ، ورجائه ؛ وقد جرى لبعض التجار أنه انكسر بمال عظيم لأهل الهند ، وغيرهم ، وذلك في سنة عشر ومائتين وألف ؛ فهرب إلى مشهد العلوي مستجيرا ، ولائذا به ، مستغيثا ؛ فتركه أرباب الأموال ، ولم يجاسر أحد من الرؤساء والحكام على هتك ذاك المشهد ، واجتمع طائفة من المعروفين ، واتفقوا على تنجيمه في مدة سنين ، فنعوذ بالله من تلاعب الفجرة والشياطين .
وأما بلاد : مصر ، وصعيدها ، وفيومها ، وأعمالها ، فقد جمعت من الأمور الشركية ، - ص 51 - والعبادات الوثنية ، والدعاوى الفرعونية ما لا يتسع لـه كتاب ، لا سيما عند مشهد : أحمد البدوي ، وأمثاله من المعبودين ، فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتهم ، ما لم ينقل مثله عن أحد من الفراعنة ، والنماردة .
وبعضهم يقول : يتصرف في الكون سبعة ؛ وبعضهم يقول : أربعة ؛ وبعضهم يقول : قطب يرجعون إليه ، وكثير منهم يرى الأمر شورى بين عدد ينتسبون إليه ؛ فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا [سورة الكهف ، من الآية : 5]
وقد استباحوا عند تلك المشاهد من المنكرات ، والفواحش ، والمفاسد ما لا يمكن حصره ، واعتمدوا في ذلك من الحكايات ، والخرافــات ما لا يصدر عمن لـه أدنى مسكة أو حظ من المعقولات ، فضلا عن النصوص .
كذلك ما يفعل في بلدان : اليمن ، جار على تلك الطريق والسنن ؛ ففي : صنعاء ، وبرع ، والمخا ، وغيرها من تلك البلاد ما يتنزه العاقل عن ذكره .
وفي حضرموت ، والشجر ، وعدن ، ويافع ، ما تستك عن ذكره المسامع ، يقول قائلهم : شيء لله يا عيدروس ! شيء لله يا محيي النفوس ! .
وفي أرض نجران من تلاعب الشيطان ، وخلع ربقة الإيمان ما لا يخفى على أهل العلم ، كذلك رئيسهم المسمى بالسيد ، لقد أتوا من طاعته ، وتعظيمه ، والغلو فيه بما أفضى بهم إلى مفارقة الملة والإسلام ، إلى عبادة الأوثان والأصنام اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [سورة التوبة ، الآية : 31]
وكذلك ، حلب ، ودمشق ، وسائر بلاد الشام ، فيها من تلك المشاهد ، والنصب ، وهي تقارب ما ذكرنا من الكفريات ، والتلطخ بتلك الوثنية الشركية .
وكذلك : الموصل ، وبلاد الأكراد ، ظهر فيها من أصناف الشرك ، والفجور ، والفساد ؛ وفي العراق : من ذلك بحرة المحيط ، وعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثنا ، بل ربا مدبرا ، وأعادوا به المجوسية ، وأحيوا به معاهد اللات والعزى ، وما كان عليه أهل الجاهلية .
- ص 52 - وكذلك : مشهد العباس ، ومشهد علي ، ومشهد أبي حنيفة ، ومعروف الكرخي ، والشيخ عبد القادر ؛ فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد ، رافضتهم ، وسنيتهم ؛ لم يعرفوا ما وجب عليهم ، من حق الله الفرد ، الصمد ، الواحد » .
ثم قال : « وهذه الحوادث والكفريات والبدع ، قد أنكرها أهل العلم والإيمان ، واشتد نكيرهم ، حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان ؛ ولكن لما كانت الغلبة للجهال ، انتقضت عرى الدين ، وساعدهم على ذلك من قل حظه ونصيبه من الرؤساء ، والحكام ، والمنتسبين من الجهال ، فاتبعتهم العامة والجمهور ولم يشعروا بما هم عليه من المخالفة ، والمباينة لدين الله ، الذي اصطفاه لخاصته وأوليائه » .
إلى أن قال عن الإمام محمد بن عبد الوهاب : « وتصدى - رحمه الله - : للرد على من نكب عن هذا السبيل ، واتبع سبيل التحريف والتعطيل على اختلاف نحلهم وبدعهم وتشعب مقالتهم وطرقهم ، متبعا - رحمه الله - ما مضى عليه السلف الصالح ، من أهل العلم والإيمان ، وما درج عليه القرون المفضلة بنص الحديث ، ولم يلتفت - رحمه الله - إلى ما عدا ذلك ، من قياس فلسفي ، أو تعطيل جهمي ، أو إلحاد حلولي ، أو اتحادي ، أو تأويل معتزلي ، أو أشعري ، فوضح معتقد السلف الصالح ، بعدما سفت عليه السوافي ، وذرت عليه الذواري ، وندر من يعرفه من أهل القرى والبوادي ، إلا ما كان مع العامة من أصل الفطرة ، فإنه قد يبقى ولو في زمن الغربة والفترة ، وتصدى أيضا : للدعوة إلى ما يقتضيه هذا التوحيد ويستلزمه ، وهو : وجوب عبادة الله وحده لا شريك لـه ، وخلع ما سواه من الأنداد والآلهة والبراءة من عبادة كل ما عبد من دون الله » .
وكذلك : قام بالنكير على أجلاف البوادي وأمراء القرى والنواحي ، فيما يتجاسرون عليه ، ويعفونه من قطع السبيل ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال المعصومة ، حتى ظهر العدل واستقر ، وفشا الدين واستمر ، والتزمه كل من كانت عليه الولاية ، من البلاد النجدية ، وغيرها ، والحمد لله على ذلك ؛ والتذكير بهذا يدخل فيما امتن الله به على - ص 53 - المؤمنين ، وذكرهم به من بعث الأنبياء والرسل » .
ويقول الشيخ إسماعيل الدهلوي في كتابه رسالة التوحيد في وصف حال المسلمين عموما وفي الهند بخاصة تحت عنوان : « استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس » يقول : « اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر ، وأصبح التوحيد الخالص غريبا ، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك ، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به ، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد ، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث » .
ثم قال تحت عنوان « مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة » : « ومن المشاهد اليوم أن كثيرا من الناس يستعينون بالمشايخ والأنبياء ، والأئمة والشهداء ، والملائكة ، والجنيات عند الشدائد ، فينادونها ، ويصرخون بأسمائها ، ويسألون عنها قضاء الحاجات ، وتحقيق المطالب ، وينذرون لها ، ويقربون لها قرابين لتسعفهم بحاجاتهم ، وتقضي مآربهم ، وقد ينسبون إليها أبناءهم طمعا في رد البلاء ، فيسمي بعضهم ابنه بعبد النبي » .
وبالجملة : فإن هذا الواقع المتردي وهذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي هي من سنن الله ، والدوافع الشرعية استجابة لأمر الله ، وقد استدعت ( بالضرورة ) قيام دعوة إصلاحية شاملة تقوم على تجديد الدين بإحياء ما اندرس منه ، وبإصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع ، وجماع ذلك كله ( إخلاص العبادة لله وحده ) والعمل بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
13 ديسمبر، 2014 2:04 م
SIIDreda REDASID يقول...
فقامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة تحقيقا لوعد الله تعالى بتجديد الدين ، ونصر المؤمنين ، وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة .
ومن المعلوم والبدهي أن هذه الغاية العظمى لا يمكن أن تظهر في أرض الواقع ، ويكون بها الإصلاح المشروع المنشود إلا بالعلم والدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ص 54 - والكفاح ، والجهاد والقتال والسلطان ( الدولة ) . وسائر الوسائل المشروعة ، والتي هي من ضروريات قيام أي مبدأ وكيان في كل أمة وكل مكان وزمان .
والكيان الذي يقوم على المنهج الرباني ، وميراث الأنبياء ، وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسبيل السلف الصالح هو الأولى والأحق بأن يبرز ويظهر ، ويتحقق به للإسلام والمسلمين وللإنسانية جمعاء الأمل الذي تنشده في تحصيل السعادة ونشر العدل بشرع الله الحكيم الخبير .
فقامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة تحقيقا لوعد الله تعالى بتجديد الدين ، ونصر المؤمنين ، وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة .
ومن المعلوم والبدهي أن هذه الغاية العظمى لا يمكن أن تظهر في أرض الواقع ، ويكون بها الإصلاح المشروع المنشود إلا بالعلم والدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ص 54 - والكفاح ، والجهاد والقتال والسلطان ( الدولة ) . وسائر الوسائل المشروعة ، والتي هي من ضروريات قيام أي مبدأ وكيان في كل أمة وكل مكان وزمان .
والكيان الذي يقوم على المنهج الرباني ، وميراث الأنبياء ، وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسبيل السلف الصالح هو الأولى والأحق بأن يبرز ويظهر ، ويتحقق به للإسلام والمسلمين وللإنسانية جمعاء الأمل الذي تنشده في تحصيل السعادة ونشر العدل بشرع الله الحكيم الخبير .
13 ديسمبر، 2014 2:08 م
SIIDreda REDASID يقول...
وليس أصدق في وصف حال نجد وما حولها من أهلها لا سيما العلماء والباحثين الذين عنوا بهذا الأمر ، وعلى رأسهم إمام الدعوة الذي أعلن دعوته الإصلاحية من هذا المنطلق - أعني تشخيص الأمراض التي يعيشها المجتمع النجدي وسائر الأمة - فقد وصف الإمام نفسه الواقع الذي يعيشه كثير من المسلمين في نجد وغيرها ، وما شاع بينهم من بدع وخرافات ومظالم وجهالات ، وكان هذا الواقع هو السبب والباعث لقيام الإمام بدعوته الإصلاحية ، وكثيرا ما كان يخاطب الناس من هذا المنطلق ، فقال محاورا لمخالفيه ومبينا لهم وجود عظائم المخالفات قال : « منها - وهو أعظمها - عبادة الأصنام عندكم ، من بشر وحجر ؛ هذا يذبح لـه ؛ وهذا ينذر لـه ؛ وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات ؛ وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر ؛ وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة ولو عصى الله !
فإن كنتم تزعمون : أن هذا ليس هو عبادة الأصنام والأوثان المذكورة في القرآن ، فهذا من العجب ؛ فإني لا أعلم أحدا من أهل العلم يختلف في ذلك ، اللهم إلا أن يكون أحد وقع فيما وقع فيه اليهود ، من إيمانهم بالجبت والطاغوت ؛ وإن ادعيتم أنكم لا تقدرون على ذلك ، فإن لم تقدروا على الكل ، قدرتم على البعض ؛ كيف وبعض الذين أنكروا علي هذا الأمر ، وادعوا أنهم من أهل العلم ، ملتبسون بالشرك الأكبر ، ويدعون إليه ، ولو يسمعون إنسانا يجرد التوحيد ، لرموه بالكفر والفسوق ؛ ولكن نعوذ بالله من رضى الناس بسخط الله .
ومنها : ما يفعله كثير من أتباع إبليس ، وأتباع المنجمين والسحرة والكهان ، ممن ينتسب إلى الفقر ، وكثير ممن ينتسب إلى العلم من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس ، ويشبهون بمعجزات الأنبياء ، وكرامات الأولياء ، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل ؛ والصد عن سبيل الله ، حتى إن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعي العلم : أنه من العلم الموروث عن الأنبياء ، من علم الأسماء ، وهو من الجبت والطاغوت ، ولكن هذا مصداق قولـه - صلى الله عليه وسلم - : لتتبعن سنن من كان قبلكم .
- ص 48 - ومنها : هذه الحيلة الربوية التي مثل حيلة أصحاب السبت أو أشد ، وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع ؛ إما إلى كتاب الله ، وإما إلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإما إلى إجماع أهل العلم ؛ فإن عاند دعوته إلى مباهلة ، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض ، وكما دعا إليها سفيان ، والأوزاعي ، في مسألة رفع اليدين ، وغيرهما من أهل العلم ؛ والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله وسلم » .
وقد شخص أحد علماء الدعوة الواقع ووصف حال الأمة أثناء ظهور الدعوة وقبلها في بلدان نجد وكذلك في أكثر البلاد الإسلامية المجاورة ، وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إذ يقول : « كان أهل عصره ومصره - يعني الإمام محمد - في تلك الأزمان ، قد اشتدت غربة الإسلام بينهم ، وعفت آثار الدين لديهم ، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية ، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية ، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان ، وغلب الجهل والتقليد ، والإعراض عن السنة والقرآن ، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان ، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد ، وأحاديث الكهان ، والطواغيت مقبولة ، قد خلعوا ربقة الدين ، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة بغير الله ، والتعلق على غير الله ، من الأولياء ، والصالحين ، والأوثان ، والأصنام ، والشياطين .
وعلماؤهم ، ورؤساؤهم على ذلك ، وبه راضون ، قد أعشتهم العوائد والمألوفات ، وحبستهم الشهوات عن الارتفاع إلى طلب الهدى ، من النصوص والآيات ، يحتجون بما رأوه من الآثار الموضوعات ، والحكايات المختلقة ، والمنامات ، كما يفعله أهل الجاهلية ، وكثير منهم يعتقد النفع والضر ، في الأحجار ، والجمادات ، ويتبركون بالآثار ، والقبور نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون [سورة الحشر ، من الآية : 19] ، قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [سورة الأعراف ، الآية : 33] .
- ص 49 - فأما بلاد نجد : فقد بالغ الشيطان في كيدهم ، وكانوا ينتابون قبر زيد بن الخطاب ، ويدعونه رغبا ورهبا ، ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج ، وكذلك عند قبر يزعمون أنه قبر ضرار بن الأزور ، وذلك كذب ظاهر وبهتان .
وكذلك عندهم : نخل - فحال - ينتابه النساء والرجال ، ويفعلون عنده أقبح الفعال ؛ والمرأة : إذا تأخر عنها الزواج ، تذهب إليه ، فتضمه بيدها ، وتدعوه برجاء ، وتقول : يا فحل الفحول ، أريد زوجا قبل الحول ؛ وشجرة عندهم تسمى : الطرفية ، أغراهم الشيطان بها ، وأوحى إليهم التعلق عليها ، وأنها ترجى منها البركة ، ويعلقون عليها الخرق ، لعل الولد يسلم من السوء .
وفي أسفل : بلدة الدرعية : مغارة في الجبل ، يزعمون أنها انفلقت من الجبل لامرأة تسمى : بنت الأمير ، أراد بعض الناس أن يظلمها ويضير ، فانفلق لها الغار ، كانوا يرسلون إلى هذا المكان من اللحم والخبز ما يقتات به جند الشيطان .
وفي بلدتهم : رجل يدعي الولاية ، يسمى : تاج ؛ يتبركون به ، ويرجون منه العون ، ويرغبون فيما عنده من المدد - بزعمهم - ولديه ، فتخافه الحكام والظلمة ، ويزعمون أن لـه تصرفا ، مع أنهم يحكون عنه الحكايات القبيحة الشنيعة التي تدل على انحلاله عن أحكام الملة ، وهكذا سائر بلاد نجد ، على ما وصفنا ، من الإعراض عن دين الله ، والجحد لأحكام الشريعة .
ومن العجب : أن هذه الاعتقادات الباطلة والعوائد والطرق قد فشت وعمت ، حتى بلاد الحرمين الشريفين ! فمن ذلك : ما يفعل عند قبر محجوب ، وقبة أبي طالب ، فيأتون قبره للاستغاثة عند نزول المصائب ، وكانوا لـه في غاية التعظيم ، فلو دخل سارق ، أو غاصب ، أو ظالم قبر أحدهما ، لم يتعرض لـه أحد ، لما يرون لـه من وجوب التعظيم .
ومن ذلك : ما يفعل عند قبر ميمونة ، أم المؤمنين - رضي الله عنها - في سرف ؛ وكذلك عند قبر خديجة - رضي الله عنها - يفعل عند قبرها ما لا يسوغ السكوت عليه ، من مسلم يرجو الله ، والدار الآخرة ، وفيه : من اختلاط النساء بالرجال وفعل الفواحش والمنكرات وسوء الأفعال ما لا يقره أهل الإيمان ، وكذلك سائر القبور المعظمة ، في بلد الله الحرام : مكة المشرفة .
- ص 50 - وفي الطائف ، قبر ابن عباس - رضي الله عنهما - يفعل عنده من الأمور الشركية التي تنكرها قلوب عباد الله المخلصين ، وتردها الآيات القرآنية ، وما ثبت من النصوص عن سيد المرسلين ، منها : وقوف السائل عند القبر ، متضرعا مستغيثا ، مستكينا ، مستعينا ، وصرف خالص المحبة ، التي هي محبة العبودية ، والنذر ، والذبح لمن تحت ذاك المشهد ، والبنية .
SIIDreda REDASID يقول...
وكذلك ، حلب ، ودمشق ، وسائر بلاد الشام ، فيها من تلك المشاهد ، والنصب ، وهي تقارب ما ذكرنا من الكفريات ، والتلطخ بتلك الوثنية الشركية .
وكذلك : الموصل ، وبلاد الأكراد ، ظهر فيها من أصناف الشرك ، والفجور ، والفساد ؛ وفي العراق : من ذلك بحرة المحيط ، وعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثنا ، بل ربا مدبرا ، وأعادوا به المجوسية ، وأحيوا به معاهد اللات والعزى ، وما كان عليه أهل الجاهلية .
- ص 52 - وكذلك : مشهد العباس ، ومشهد علي ، ومشهد أبي حنيفة ، ومعروف الكرخي ، والشيخ عبد القادر ؛ فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد ، رافضتهم ، وسنيتهم ؛ لم يعرفوا ما وجب عليهم ، من حق الله الفرد ، الصمد ، الواحد » .
ثم قال : « وهذه الحوادث والكفريات والبدع ، قد أنكرها أهل العلم والإيمان ، واشتد نكيرهم ، حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان ؛ ولكن لما كانت الغلبة للجهال ، انتقضت عرى الدين ، وساعدهم على ذلك من قل حظه ونصيبه من الرؤساء ، والحكام ، والمنتسبين من الجهال ، فاتبعتهم العامة والجمهور ولم يشعروا بما هم عليه من المخالفة ، والمباينة لدين الله ، الذي اصطفاه لخاصته وأوليائه » .
إلى أن قال عن الإمام محمد بن عبد الوهاب : « وتصدى - رحمه الله - : للرد على من نكب عن هذا السبيل ، واتبع سبيل التحريف والتعطيل على اختلاف نحلهم وبدعهم وتشعب مقالتهم وطرقهم ، متبعا - رحمه الله - ما مضى عليه السلف الصالح ، من أهل العلم والإيمان ، وما درج عليه القرون المفضلة بنص الحديث ، ولم يلتفت - رحمه الله - إلى ما عدا ذلك ، من قياس فلسفي ، أو تعطيل جهمي ، أو إلحاد حلولي ، أو اتحادي ، أو تأويل معتزلي ، أو أشعري ، فوضح معتقد السلف الصالح ، بعدما سفت عليه السوافي ، وذرت عليه الذواري ، وندر من يعرفه من أهل القرى والبوادي ، إلا ما كان مع العامة من أصل الفطرة ، فإنه قد يبقى ولو في زمن الغربة والفترة ، وتصدى أيضا : للدعوة إلى ما يقتضيه هذا التوحيد ويستلزمه ، وهو : وجوب عبادة الله وحده لا شريك لـه ، وخلع ما سواه من الأنداد والآلهة والبراءة من عبادة كل ما عبد من دون الله » .
وكذلك : قام بالنكير على أجلاف البوادي وأمراء القرى والنواحي ، فيما يتجاسرون عليه ، ويعفونه من قطع السبيل ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال المعصومة ، حتى ظهر العدل واستقر ، وفشا الدين واستمر ، والتزمه كل من كانت عليه الولاية ، من البلاد النجدية ، وغيرها ، والحمد لله على ذلك ؛ والتذكير بهذا يدخل فيما امتن الله به على - ص 53 - المؤمنين ، وذكرهم به من بعث الأنبياء والرسل » .
ويقول الشيخ إسماعيل الدهلوي في كتابه رسالة التوحيد في وصف حال المسلمين عموما وفي الهند بخاصة تحت عنوان : « استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس » يقول : « اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر ، وأصبح التوحيد الخالص غريبا ، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك ، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به ، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد ، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث » .
ثم قال تحت عنوان « مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة » : « ومن المشاهد اليوم أن كثيرا من الناس يستعينون بالمشايخ والأنبياء ، والأئمة والشهداء ، والملائكة ، والجنيات عند الشدائد ، فينادونها ، ويصرخون بأسمائها ، ويسألون عنها قضاء الحاجات ، وتحقيق المطالب ، وينذرون لها ، ويقربون لها قرابين لتسعفهم بحاجاتهم ، وتقضي مآربهم ، وقد ينسبون إليها أبناءهم طمعا في رد البلاء ، فيسمي بعضهم ابنه بعبد النبي » .
وبالجملة : فإن هذا الواقع المتردي وهذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي هي من سنن الله ، والدوافع الشرعية استجابة لأمر الله ، وقد استدعت ( بالضرورة ) قيام دعوة إصلاحية شاملة تقوم على تجديد الدين بإحياء ما اندرس منه ، وبإصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع ، وجماع ذلك كله ( إخلاص العبادة لله وحده ) والعمل بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
فقامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة تحقيقا لوعد الله تعالى بتجديد الدين ، ونصر المؤمنين ، وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة .
ومن المعلوم والبدهي أن هذه الغاية العظمى لا يمكن أن تظهر في أرض الواقع ، ويكون بها الإصلاح المشروع المنشود إلا بالعلم والدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ص 54 - والكفاح ، والجهاد والقتال والسلطان ( الدولة ) . وسائر الوسائل المشروعة ، والتي هي من ضروريات قيام أي مبدأ وكيان في كل أمة وكل مكان وزمان .
والكيان الذي يقوم على المنهج الرباني ، وميراث الأنبياء ، وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسبيل السلف الصالح هو الأولى والأحق بأن يبرز ويظهر ، ويتحقق به للإسلام والمسلمين وللإنسانية جمعاء الأمل الذي تنشده في تحصيل السعادة ونشر العدل بشرع الله الحكيم الخبير .
14 ديسمبر، 2014 7:40 ص
SIIDreda REDASID يقول...
وبالجملة : فإن هذا الواقع المتردي وهذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي هي من سنن الله ، والدوافع الشرعية استجابة لأمر الله ، وقد استدعت ( بالضرورة ) قيام دعوة إصلاحية شاملة تقوم على تجديد الدين بإحياء ما اندرس منه ، وبإصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع ، وجماع ذلك كله ( إخلاص العبادة لله وحده ) والعمل بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
فقامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة تحقيقا لوعد الله تعالى بتجديد الدين ، ونصر المؤمنين ، وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة .
ومن المعلوم والبدهي أن هذه الغاية العظمى لا يمكن أن تظهر في أرض الواقع ، ويكون بها الإصلاح المشروع المنشود إلا بالعلم والدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ص 54 - والكفاح ، والجهاد والقتال والسلطان ( الدولة ) . وسائر الوسائل المشروعة ، والتي هي من ضروريات قيام أي مبدأ وكيان في كل أمة وكل مكان وزمان .
والكيان الذي يقوم على المنهج الرباني ، وميراث الأنبياء ، وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسبيل السلف الصالح هو الأولى والأحق بأن يبرز ويظهر ، ويتحقق به للإسلام والمسلمين وللإنسانية جمعاء الأمل الذي تنشده في تحصيل السعادة ونشر العدل بشرع الله الحكيم الخبير .
نظرا لأن منهج الدعوة يمثل الإسلام ، الدين الحق ، لذا فهو يتسم بالشمول والتكامل في الأصول والغايات ، فهو يمثل حقيقة الإسلام والسنة ، ويقوم على تحقيق الدين كله بالتوحيد وإقامة الفرائض ، والأحكام والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكافة أمور الدين ، فإن الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه استخدموا كافة الوسائل المشروعة لتحقيق هذه الغايات الكبرى ، ابتداء من تعليم الدين والفقه فيه ، عقيدة وأحكاما وسلوكا ، ثم الدعوة إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، من خلال التعليم والتدريس والخطابة ، والمكاتبة والمراسلة ، وبعث المعلمين والمبلغين ، والمؤلفات ، وإرسال الوفود ، واستقبالها ، للبلاغ والبيان ، وشرح أصول الدعوة وأهدافها ، والإجابة عن التساؤلات والشبهات والإشكالات ، من المؤيدين والمعارضين والمحايدين وغيرهم . مما استوجب ظهور نهضة علمية وأدبية قوية ، نثرا وشعرا وتأليفا وخطابة ، ومحاورات علمية ثرية .
وتعدى الأمر إلى قيام مجتمع مسلم متمسك بالدين ومظهر للسنة وعامل بالشرع ، وقيام دولة إسلامية ، ذات كيان ديني وسياسي واقتصادي وعسكري قوي لحماية الدعوة والدولة ، والدفاع عن حقوقها وحقوق أهلها المشروعة .
ثم إلى ما هو أشمل من ذلك وهو قيام هذه الحركة الإصلاحية الدعوية الكبرى بإبلاغ الدين ونشره في العالم كله ، كما أمر الله ، وتثبيته ؛ ليكون الدين كله لله .
إن الناظر في المفردات الجزئية والقواعد الفرعية ، والأحكام العلمية النظرية ، والتطبيقات العملية لكل دعوة أو مبدأ قد يجد فيها الكثير من الأخطاء والتجاوزات والتصرفات الشاذة والأقوال النادة والأحكام الخاطئة ، أو الأمور المشكلة والمشتبهة التي تحتاج إلى تثبت أو تفسير أو تدقيق أو استقراء للوصول إلى حكم علمي تطمئن إليه النفس .
لكن أهل العلم وعقلاء الناس لديهم موازين علمية وعقلية وقواعد شرعية يزنون بها الأمور .
فالأديان والمبادئ والمذاهب والدعوات لها عقائد وأصول ومبادئ ومناهج وقواعد تكون هي المرجع والميزان الذي ترد إليها المفردات الجزئية ودقائق الأمور ، ومفردات التصرفات والأقوال والأفعال والأحكام والمواقف ، وتكون هذه الأصول هي المرجع والمحتكم والمرد عند التنازع والاختلاف بين الأتباع أنفسهم ، وبينهم وبين مخالفيهم ، ومع الموافقين والمعارضين ، ومن المتلقين والناقدين .
ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تخضع لهذه القاعدة ، إذ هي دعوة إسلامية محضة ، وسلفية خالصة ، تسير على منهج السلف الصالح ، فمرد الخلاف بينها وبين مخالفيها : الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وما يتهمها به خصومها من الاتهامات على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : من الكذب الصريح والافتراء والبهتان وقد ورد ذكر كثير منه في هذا البحث .
النوع الثاني : مما يكون من اللوازم غير اللازمة ، أو التلبيس ، أو التفسير الخاطئ ونحو ذلك مما يلتبس فيه الحق بالباطل ويجب رده إلى النصوص والأصول الشرعية والقواعد المعتبرة عند العقلاء ، والمنهج الذي عليه الدعوة وأهلها .
النوع الثالث : أخطاء وتجاوزات وزلات ليست على المنهج الذي عليه الدعوة ، أو اجتهادات خاطئة أو مرجوحة ، وقد تصدر من أي من العلماء أو الولاة أو العامة ، والمنتسبين للدعوة . وكثير من الشبهات والاتهامات التي يتعلق بها الخصوم للطعن في الإمام وأتباعه ودعوته من هذا النوع .
- ص 60 - ومن هذا المنطلق خصصت هذا الفصل في بيان منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ، وأنه امتداد لمنهج السلف الذي يقوم على : الاعتماد على القرآن وما صح من السنة بفهم السلف الصالح ومنهجهم ، من الصحابة والتابعين وأئمة أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال والعلم والعمل ، واتباع آثارهم والاقتداء بهديهم ؛ لأن ذلك هو سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه فقال سبحانه : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا [سورة النساء ، آية : 115]
وقد عرضت هذا المنهج هنا ليكون القاعدة والميزان في تقويم الدعوة ، وبيان مدى الظلم والإجحاف الحاصل لها ولأهلها في الاتهامات التي قيلت وذاعت عند الكثيرين ، بل ومدى البهتان والكذب من قبل بعض الخصوم ، والذين صدقوهم دون تثبت ولا نظر في المنهج والأصول التي عليها المعول في النقد والتقويم ، ودون اعتبار للحال والواقع الذي تعيشه الدعوة وأهلها .
معالم المنهج عند الإمام محمد بن عبد الوهاب
وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح
لا يتفرد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وعامة أهل السنة والجماعة قديما وحديثا بشيء من الدين - عقيدة ومنهاجا - عن سائرهم ( كما أسلفت ) .
فإن قولهم في أصول الدين وقطعياته ومسلماته واحد ؛ في أركان الإيمان وأركان الإسلام وشروطها ومستلزماتها كذلك .
وفي أسماء الله وصفاته وأفعاله .
وفي مسائل الإيمان والأسماء والأحكام والقدر .
وفي حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله .
وفي الشفاعة والرؤية .
وفي الصحابة والإمامة والأولياء والصالحين وعامة المؤمنين .
وفي السمع والطاعة بالمعروف .
وفي الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وفي قطعيات الأحكام والآداب .
ونحو ذلك من المنهاج الذي عليه السلف الصالح في العقيدة والعلم والعمل والتعامل ، فإن السلف الصالح أهل السنة والجماعة ومنهم إمام الدعوة وأتباعها كلهم متفقون على هذه الأصول ، وهي أصول الدين والاعتقاد ، ولهذا فإن كل من نظر في أقوال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة ومن سلك سبيلهم من أهل السنة يجزم بأنهم مثلوا منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والقول والعمل ومنهج التعامل .
ولذلك نجد أن المخالفين ( أهل الأهواء والافتراق والبدع ) في العصر الحديث يعيرون كل من كان على نهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة بأنه ( وهابيا ) فهي - بحمد الله - تزكية من الخصوم لا تقدر بثمن ؛ لأنهم صاروا يطلقون وصف ( الوهابية ) على التمسك بالسنة والتزام سبيل السلف الصالح .
وقد تبين بالدليل والبرهان أن ما يزعمه خصوم السنة ، ( أهل البدع والأهواء - ص 62 - والافتراق ) بأن الإمام وأتباعه جاءوا ببدع من الدين ، أو مذهب خامس ، أو أنهم متشددون ومتزمتون ، أو أنهم خوارج ، ونحو ذلك من المفتريات ، إنما هو من البهتان ؛ لأن حقيقة الدعوة ومنهجها وواقعها ( من أئمتها وعلمائها ودولتها وأتباعها ، وكذلك آثارها ومؤلفاتها وجميع أحوالها ) تدل على خلاف ما يزعم خصومها والجاهلون بحقيقتها ، ومن أراد الحقيقة فليرجع إلى ذلك كله أو بعضه وليتأمل ويدرس وينظر إلى المسألة بتجرد وموضوعية وعدل .
وسيتوصل ( إن سلم من الهوى ) إلى ما توصل إليه المنصفون والباحثون المتجردون من المفكرين والعلماء وغيرهم ، كما سأذكر نماذج من شهاداتهم في آخر هذا المؤلف إن شاء الله .
وبالجملة فإن أبرز معالم هذا المنهج الذي قامت عليه الدعوة ولا تزال بحمد الله :
1 - الدخول في الدين كله وتطبيق شمولية الإسلام منهاجا للحياة في العقيدة والأحكام والعلم والعمل والتعامل في حياة الفرد والجماعة ، والدولة والأمة والبشرية كلها .
2 - سلامة مصادر التلقي ومنهج الاستدلال ، بالاعتماد على القرآن وصحيح السنة وآثار السلف الصالح على المنهج الشرعي السليم .
3 - الاقتداء والاتباع لمنهج السلف وسبيل المؤمنين أهل السنة والجماعة .
4 - تحقيق غايات الدين : من التوحيد والسنة والفضائل والعدل ، ونفي ما يضادها من الشركيات والبدع والمنكرات والظلم ، والسعي إلى كل ما يسعد الإنسان ويليق بكرامته في الدنيا والآخرة .
5 - القيام بواجب النصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأئمة المسلمين وعامتهم . كما أوصى بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح قال : الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
6 - الاستعداد لليوم الآخر ، والفوز بالجنة والنعيم الأبدي الذي لا يحصل إلا برضى الله وطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، واتباع شرعه ، كما قال الله سبحانه في سورة العصر : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [سورة العصر ، الآيات : 1 - 3] .
هذا وسنعرض في المباحث التالية ما يثبت التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لنهج السلف الصالح في الدين جملة وتفصيلا . والله المستعان .
- ص 63 - المبحث الثالث
عرض لنماذج من منهجهم العام في الدين
واقتفائهم نهج السلف الصالح
الأنموذج الأول : بيان الشيخ الإمام لعقيدته ومنهجه ورده لاتهامات الخصوم .
الأنموذج الثاني : عرض لمنهج أئمة الدعوة ودولتها بعده .
- ص 64 - الأنموذج الأول
عرض الشيخ الإمام لعقيدته ومنهجه ورده على اتهامات الخصوم
نظرا لكثرة خوض الخائضين بالهوى أو الجهل - أو هما معا - في عقيدة الشيخ الإمام ومنهجه ، وما أشاعوه من مفتريات وتهم ومزاعم عليه وعلى دعوته واتباعه ، أسوق في هذا المقام رسالة واحدة من رسائله الكثيرة التي عبر فيها بنفسه عن عقيدته ومنهجه وموقفه من الاتهامات والدعاوى التي أشيعت عنه ، وهي رسالته التالية التي بعثها إلى أهل القصيم وهي كالتالي :
[ التزامه لعقيدة أهل السنة والجماعة . قال ]
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة ، وأشهدكم : أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة [ أركان الإيمان ] ، من الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره ؛ [ صفات الله تعالى ] ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله – سبحانه وتعالى - : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ؛ لأنه تعالى لا سمي لـه ، ولا كفؤ لـه ، ولا ند لـه ، ولا يقاس بخلقه .
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا ، وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون ، من أهل التكييف ، والتمثيل ؛ وعما نفاه عنه النافون ، من أهل التحريف والتعطيل ، فقال : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين [سورة الصافات ، آية : 180 - 182]
- ص 65 - [ ثم قال مبينا وسطية أهل السنة والجماعة ] :
« والفرقة الناجية : وسط في باب أفعاله تعالى ، بين القدرية والجبرية ؛ وهم وسط في باب وعيد الله ، بين المرجئة والوعيدية ؛ وهم وسط في باب الإيمان والدين ، بين الحرورية والمعتزلة ؛ وبين المرجئة والجهمية ؛ وهم وسط في باب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الروافض ، والخوارج » .
SIIDreda REDASID يقول...
[ ثم قال مبينا التزامه لعقيدة السلف في القرآن ] :
« وأعتقد : أن القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ؛ وأنه تكلم به حقيقة ، وأنزله على عبده ورسوله ، وأمينه على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده ، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - » .
[ ثم قرر الحق في القدر فقال : ]
« وأومن : بأن الله فعال لما يريد ، ولا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يخرج شيء عن مشيئته ، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ، ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما خط لـه في اللوح المسطور » .
[ عقيدته فيما بعد الموت قال : ]
« وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يكون بعد الموت ، فأومن بفتنة القبر ونعيمه ، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيقوم الناس لرب العالمين ، حفاة عراة غرلا ، تدنو منهم الشمس ، وتنصب الموازين ، وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون [ سورة المؤمنون ، آية : 102 - 103] وتنشر الدواوين ، فآخذ كتابه بيمينه ، وآخذ كتابه بشماله » .
[ عقيدته في حوض نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : ]
« وأومن : بحوض نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعرصة القيامة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ؛ وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم ، يمر به الناس على قدر أعمالهم » .
[ إيمانه بشفاعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : ]
« وأومن بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أول شافع ، وأول مشفع ؛ ولا ينكر شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أهل البدع والضلال ؛ ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى - ص 66 - : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [سورة الأنبياء ، آية : 28] ، وقال تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [سورة البقرة ، آية : 255] ، وقال تعالى : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [سورة النجم ، آية : 26] ، وهو : لا يرضى إلا التوحيد ؛ ولا يأذن إلا لأهله ؛ وأما المشركون : فليس لهم من الشفاعة نصيب ؛ كما قال تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين [سورة المدثر ، آية : 48] .
[ إيمانه بشفاعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : ]
« وأومن بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أول شافع ، وأول مشفع ؛ ولا ينكر شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أهل البدع والضلال ؛ ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى - ص 66 - : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [سورة الأنبياء ، آية : 28] ، وقال تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [سورة البقرة ، آية : 255] ، وقال تعالى : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [سورة النجم ، آية : 26] ، وهو : لا يرضى إلا التوحيد ؛ ولا يأذن إلا لأهله ؛ وأما المشركون : فليس لهم من الشفاعة نصيب ؛ كما قال تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين [سورة المدثر ، آية : 48] .
[ عقيدته في الجنة والنار والرؤية قال : ]
« وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا يفنيان ؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة ، كما يرون القمر ليلة البدر ، لا يضامون في رؤيته » .
[ عقيدته في ختم النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته ونبوته - صلى الله عليه وسلم - قال : ]
« وأومن بأن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ، ويشهد بنبوته » .
[ عقيدته في الصحابة وأمهات المؤمنين قال : ]
« وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ؛ ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ؛ ثم علي المرتضى ؛ ثم بقية العشرة ؛ ثم أهل بدر ؛ ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ؛ ثم سائر الصحابة - رضي الله عنه - ؛ وأتولى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذكر محاسنهم ، وأترضى عنهم ، وأستغفر لهم ، وأكف عن مساويهم ، وأسكت عما شجر بينهم ؛ وأعتقد فضلهم ، عملا بقولـه تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم [سورة الحشر ، آية : 10] وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء » .
[ عقيدته في الأولياء وكراماتهم قال : ]
« وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا ، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله » .
[ عقيدته في المسلمين وأنه لا يكفرهم قال : ]
« ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار ، إلا من شهد لـه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - ص 67 - ولكني أرجو للمحسن ، وأخاف على المسيء ، ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ، ولا أخرجه من دائرة الإسلام .
[ عقيدته في الجهاد مع المسلمين والصلاة خلفهم قال : ]
« وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام : برا كان أو فاجرا ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة ، والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال ، لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل » .
[ عقيدته في السمع والطاعة للأئمة المسلمين قال : ]
« وأرى وجوب السمع والطاعة : لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ، ما لم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة ، واجتمع عليه الناس ، ورضوا به ، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته ؛ وحرم الخروج عليه » .
[ موقفه من أهل البدع قال : ]
« وأرى هجر أهل البدع ، ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأحكم عليهم بالظاهر ، وأكل سرائرهم إلى الله ؛ وأعتقد : أن كل محدثة في الدين بدعة » .
[ عقيدته في الإيمان قال : ]
« وأعتقد أن الإيمان : قول باللسان ، وعمل بالأركان ، واعتقاد بالجنان ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ؛ وهو : بضع وسبعون شعبة ، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأرى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة .
فهذه عقيدة وجيزة ، حررتها وأنا مشتغل البال ، لتطلعوا على ما عندي ، والله على ما نقول وكيل » .
[ نفيه للمفتريات والاتهامات في التي قيلت فيه قال : ]
« ثم لا يخفى عليكم : أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم ، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم ، والله يعلم أن الرجل افترى علي أمورا لم - ص 68 - أقلها ، ولم يأت أكثرها على بال .
فمنها :
1 - قولـه : إني مبطل كتب المذاهب الأربعة .
2 - وإني أقول : إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء .
3 - وإني أدعي الاجتهاد .
4 - وإني خارج عن التقليد .
5 - وإني أقول : إن اختلاف العلماء نقمة .
6 - وإني أكفر من توسل بالصالحين .
7 - وإني أكفر البوصيري ، لقوله : يا أكرم الخلق .
8 - وإني أقول : لو أقدر على هدم قبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهدمتها .
9 - ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها ، وجعلت لها ميزابا من خشب .
10 - وإني أحرم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
11 - وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما .
12 - وإني أكفر من حلف بغير الله .
13 - وإني أكفر ابن الفارض ، وابن عربي .
14 - وإني أحرق دلائل الخيرات ، وروض الرياحين ، وأسميه روض الشياطين » .
« جوابي عن هذه المسائل ، أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ؛ وقبله من بهت محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنه يسب عيسى بن مريم ، ويسب الصالحين ، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب ، وقول الزور ، قال تعالى : إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون [سورة النحل ، آية : 105] بهتوه - صلى الله عليه وسلم - بأنه يقول : إن الملائكة ، وعيسى ، وعزيرا في النار ؛ فأنزل الله في ذلك : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون [سورة الأنبياء : آية : 101]» .
- ص 69 - [ دفاعه عن أقواله الموافقة للحق والدليل : ]
قال : « وأما المسائل الأخر ، وهي :
1 - أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله .
2 - وأني أعرف من يأتيني بمعناها .
3 - وأني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله ، وأخذ النذر لأجل ذلك .
4 - وأن الذبح لغير الله كفر ، والذبيحة حرام .
فهذه المسائل حق ، وأنا قائل بها ؛ ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله ، ومن أقوال العلماء المتبعين ، كالأئمة الأربعة ؛ وإذا سهل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة ، إن شاء الله تعالى .
ثم اعلموا وتدبروا قولـه تعالى : ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة [سورة الحجرات ، آية : 6]» .
وبهذه الرسالة يثبت قطعا أنه على عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة . وأنه تبرأ مما اتهمه به الخصوم وافتروا عليه ، من المزاعم والدعاوى الكاذبة والشبهات الملبسة ، وقد كرر الإمام هذه العقيدة وعمل عليها وتعامل على أساسها ، مع المؤيدين والمعارضين ، وكرر نفي هذه المفتريات وغيرها ، وكل ذلك فعله بالدليل والبرهان ، وإشهاد الناس على ما يقول ويفعل ، ولم نجد من استطاع أن يثبت أن الشيخ الإمام على خلاف ما يقول ويدعي والحمد لله .
وأسوق للقارئ أنموذجا لمنهج الدعوة العام في الدين ، كما بينه ورسمه أحد علمائها الكبار وهو الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، وأحد ولاتها الأفذاذ وهو الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد ، وهو المنهج الذي يمثل منهج السلف الصالح ، أهل السنة والجماعة في جميع الجوانب ، في العقيدة والأحكام والتعامل في البيان الذي كتبه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب أثناء دخولهم مكة ملبين منتصرين سنة ( 1218هـ ) ، وقد أعلنوا الأمان لسكان البيت الحرام :
[ البدء بالبسملة والحمد ] :
أول مظاهر التزام السنة بدؤه بالبسملة والحمد والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
« بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين ، وعلى آله وصحبه والتابعين » .
ثم حمده لله وشكره لـه ، على ما من به على أهل السنة من التمكين ، ولم يظهر منهم ما يفعله خصومهم من العجب والكبر والغرور والتعالي على الخلق قال :
« وبعد : فإنا معاشر غزو الموحدين ، لما من الله علينا - وله الحمد - بدخول مكة المشرفة نصف النهار ، يوم السبت في ثامن شهر محرم الحرام ، سنة 1218هـ » .
تحقيقهم للأمن والأمان لأهل مكة والحجاج :
وكانوا يرعون حق الله تعالى ويعظمون شعائره ويقفون عند حدوده ويرعون حقوق الناس ، ويتقون الله فيهم لا سيما سكان البيت الحرام ، ويرغبون في تحقيق الأمن والسلم - ص 71 - والتسامح ، ويحبون العفو عند المقدرة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل . لذا نجد أن الأمير سعود استجاب لطلب أشراف مكة وعلمائها ، بل والعامة في ضمان أمنهم وحقوقهم ، رغم أنهم كانوا قد عزموا على حشد الحشود لصد أهل الحق . أما ما أصاب بعض أهل البدع من الرعب آنذاك فهو من مظاهر النصر التي وعد الله بها المؤمنين الصادقين المتقين كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « ونصرت بالرعب مسيرة شهر . قال :
« بعد أن طلب أشراف مكة ، وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو [ سعود ] الأمان ، وقد كانوا تواطئوا مع أمراء الحجيج ، وأمير مكة على قتاله ، أو الإقامة في الحرم ، ليصدوه عن البيت ، فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم ، فتفرقوا شذر مذر ، كل واحد يعد الإياب غنيمة ، وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف » .
فقد دخلوا بمنتهى التواضع والتذلل لله تعالى ، معلنين للتوحيد ، كما أعلنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، غير متلبسين بشيء من البدع والمحدثات ، ولا المنكرات التي يفعلها في هذه المواقف وغيرها كثيرون ، كما أنهم لم يدخلوا بالقتال ، ولم يريقوا الدماء كما يزعم كثيرون من خصومهم والجاهلين بحالهم . قال :
« ودخلنا وشعارنا التلبية ، آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين ، غير خائفين من أحد من المخلوقين ، بل من مالك يوم الدين » .
أدبهم وانضباطهم في مكة المكرمة :
وكانوا أثناء دخولهم لمكة المكرمة على غاية السكينة ، والانضباط والأدب وتعظيم شعائر الله تعالى ، بخلاف ما يشيعه عنهم خصومهم والجاهلون بحقيقة أمرهم من أنهم - ص 72 - متوحشون وغير مؤدبين قال :
« ومن حين دخل الجند الحرم ، وهم على كثرتهم مضبوطون متأدبون ، لم يعضدوا به شجرا ، ولم ينفروا صيدا » .
ولم يباشروا قتالا في الحرم :
ثم حين دخلوا الحرم كانوا - بخلاف ما يشاع عنهم - حريصين على رعاية حرمة مكة ، وحقن دماء المسلمين . قال :
« ولم يريقوا دما إلا دم الهدي ، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع » .
شرح منهجهم وما يدعون إليه ويقاتلون الناس عليه :
ولما أدوا مناسكهم لم يحتجبوا عن الناس ، ولم يلزموهم الحق بالقوة كما يزعم خصومهم ، بل عرضوا منهجهم علنا ، وبينوا بالدلائل والبراهين أنهم جاءوا لنصر التوحيد والسنة وإعلانها ، وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإنكارها ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما كانت طريقة المرسلين ، وسنة خاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين والسلف الصالح . قال : « ولما تمت عمرتنا : جمعنا الناس ضحوة الأحد ، وعرض الأمير - رحمه الله - على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتل عليه ؛ وهو : إخلاص التوحيد لله تعالى وحده ؛ وعرفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف لـه وقع إلا في أمرين :
أحدهما : إخلاص التوحيد لله تعالى ، ومعرفة أنواع العبادة ، وأن الدعاء من جملتها ، وتحقيق معنى الشرك ، الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، واستمر دعاؤه برهة من الزمن بعد النبوة إلى ذلك التوحيد ، وترك الإشراك قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة .
والثاني : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي لم يبق عندهم إلا اسمه ، وانمحى أثره ورسمه » .
ولما سمع أهل العلم والعقل والحلم من علماء مكة وأشرافها وأعيانها ما كان عليه أهل الدعوة ، وما يدعون إليه ، وما جاءوا من أجله ، ورأوا الحقيقة الجلية صافية نقية سالمة من حجب البهتان والتزوير والتضليل أذعنوا للحق ، واستبانت لـهم المحجة . قال : « فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلا ، وبايعوا الأمير على الكتاب والسنة » .
الرفق بالعلماء والعامة والعفو عنهم :
ثم أخذوا الجميع بالرفق والتلطف ، واستمرت بين الطرفين المحاورات والتناصح والمذاكرة ، وعاملهم الأمير سعود بالصفح والعفو . قال : « وقبل منهم وعفا عنهم كافة ، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة ، ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق ، لا سيما العلماء ، ونقرر لهم حال اجتماعهم ، وحال انفرادهم لدينا : أدلة ما نحن عليه ، ونطلب منهم المناصحة والمذاكرة وبيان الحق » .
إعلانهم الاستعداد لقبول الحق بدليله :
وأعلن الأمير سعود ومن معه من العلماء المنهج الشرعي الذي يجمع عليه المسلمون : من التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنهم مستعدون لقبول الحق بدليله ، وأنه لا مساومة على هذا المبدأ المجمع عليه ، ولما عرضوا على أهل مكة ذلك ، وطلبوا منهم التحاكم فيما اختلفوا فيه إلى هذه القاعدة لم يكن منهم إلا التسليم بالحق . قال : « وعرفناهم : بأن صرح لهم الأمير حال اجتماعهم ، بأنا قابلون وما وضحوا برهانه ، من كتاب أو سنة أو أثر عن السلف الصالح ، كالخلفاء الراشدين ، المأمورين باتباعهم ، بقولـه - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي أو - ص 74 - عن الأئمة الأربعة المجتهدين ومن تلقى العلم عنهم إلى آخر القرن الثالث ، لقولـه - صلى الله عليه وسلم - : خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم .
وعرفناهم : أنا دائرون مع الحق أينما دار ، وتابعون للدليل الجلي الواضح ، ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا ، فلم ينقموا علينا أمرا » .
تقرير منع طلب الحاجات من الأموات وإذعان المخالفين للحق :
ثم شرعوا مع علماء مكة بمناقشة القضية الكبرى بين دعوة السنة وبين أهل البدع ، بل بين الرسل والدعاة دائما ، وبين خصومهم ، وهي قضية الشركيات والبدع ، كطلب الحاجات من الأموات . ولما وردت بعض الشبهات ، ردها أهل الحق بالأدلة من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة ، وبذلك اعترف الآخرون بالحق والحمد لله .
قال : « فألحينا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات ، إن بقي لديهم شبهة ؟ فذكر بعضهم شبهة أو شبهتين ، فرددناها بالدلائل القاطعة ، من الكتاب والسنة ، حتى أذعنوا ولم يبق عند أحد منهم شك ولا ارتياب ، فيما قاتلنا الناس عليه ، أنه الحق الجلي ، الذي لا غبار عليه » .
انشراح صدور الناس للحق حين سمعوه ورأوا الحقيقة :
قال : « وحلفوا لنا الأيمان المغلظة ، من دون استحلاف لهم ، على انشراح صدورهم وجزم ضمائرهم : أنه لم يبق لديهم شك في أن من قال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو يا ابن عباس أو يا عبد القادر أو غيرهم من المخلوقين ، طالبا بذلك دفع شر أو جلب خير ، من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، من شفاء المريض والنصر على العدو والحفظ من المكروه ، - ص 75 - ونحو ذلك : أنه مشرك شركا أكبر يهدر دمه ، ويبيح ماله ، وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون ، هو الله تعالى وحده ، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء ، مستشفيا بهم ومتقربا بهم ، لقضاء حاجته من الله بسرهم ، وشفاعتهم لـه فيه أيام البرزخ » .
وقد يقول قائل : إن ذلك الذي حدث من علماء مكة من الإذعان للحق كان تحت الإكراه والخوف ، و المداراة التي قد تكون في مثل هذه المواقف . فنقول :
إنه لا داعي للخوف ولا المداراة وقد كانوا أخذوا الأمان ورأوا كامل الوفاء والاحترام من الإمام سعود . كما أنهم حين حلفوا الأيمان المغلظة دون أن يطلب منهم ذلك - وهم علماء - فإن هذا وحده دليل كاف على أن هذا هو عين الحقيقة . ويضاف لذلك أن ما عرض هنا مما أعلنوه وأقروا به هو الحق الذي لا خلاف عليه أصلا ، لكن أعداء الدعوة كانوا يوهمون الناس بخلافه ، فقد كان ذلك كله في مجالس حوار وتناصح ، وليس مجلس حكم وتسلط كما قد يتوهم البعض .
كشف حقيقة الأضرحة والشركيات عندها :
فقد تم البيان بأن غاية هذه الدعوة المباركة هي الغاية العظمى التي بعث الله بها النبيين والمرسلين وندب لها الدعاة والمصلحين ، وهي إخلاص العبادة لله وحده ، وتحرير الناس من أوضار الشرك والبدع ووسائلها .
قال : « وأن ما وضع من البناء على قبور الصالحين : صارت هذه الأزمان أصناما تقصد لطلب الحاجات ، ويتضرع عندها ، ويهتف بأهلها في الشدائد ، كما كانت تفعله الجاهلية الأولى ، وكان من جملتهم مفتي الحنفية ، الشيخ / عبد الملك القلعي ، وحسن المغربي مفتي المالكية ، وعقيل بن يحيى العلوي ، فبعد ذلك : أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه ، ويرجى النفع والنصر بسببه ، من جميع البناء على القبور وغيرها ، حتى لم يبق في تلك البقعة المطهرة طاغوت يعبد ، فالحمد لله على ذلك » .
- ص 76 - رفع المظالم من المكوس والضرائب :
ومن الحسنات التي تميزت بها هذه الدعوة المباركة ودولتها أنها كلما تمكنت من بلد رفعت عن أهلها المظالم والمكوس ونحوها ، بل كان هذا المبدأ الشرعي من الأصول التي تعاقد عليها الإمامان : محمد بن عبد الوهاب المجدد إمام الدعوة ، ومحمد بن سعود مؤسس الدولة التي احتضنت الدعوة ، وبهذا المبدأ عامل الإمام سعود أهل مكة وغيرهم .
قال الشيخ عبد الله : « ثم رفعت : المكوس والرسوم » .
إزالة المنكرات ووسائلها الظاهرة :
وأعلنت الدعوة المباركة الأصل الشرعي العظيم الذي جعله الله من خصائص هذه الأمة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذي جعله الله شرطا للتمكين والعزة والنصر . وهل يخالف في هذا المبدأ الكبير مسلم يخشى الله ويتقيه ؟
قال : « وكسرت آلات التنباك ، ونودي بتحريمه ، وأحرقت أماكن الحشاشين ، والمشهورين بالفجور » .
الأمر بصلاة الجماعة وجمع المسلمين على إمام واحد :
وكان من ثمار هذه الدعوة المباركة في كل بلد وصلت إليها إزالة مظاهر التعصب المذهبي والفرقة والشتات والفشل الذي أصاب كثير من بلاد المسلمين ، بسبب إعراضهم عن التفقه في دين الله وعن طلب الدليل ، وبسبب هيمنة البدع والمحدثات والفرق والطرق ، كما ساد الإعراض عن الصلاة وترك الجماعات !
حتى وصل الحال من الفرقة أنه بمكة بالبلد الحرام ( بل بالمسجد الحرام ) أنه كانت تقام أكثر من جماعة وأكثر من إمام في الفرض الواحد .
فسعت هذه الدعوة المباركة إلى ما أمر الله به ، وما أوحى به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الجماعة والاجتماع ، ونبذ كل مظاهر الفرقة والتنازع .
- ص 77 - فقام الأمير سعود بجمع المسلمين في الحرم على إمام واحد ( دون اعتبار لمذهبه الفقهي ) لأن المذاهب الأربعة كلها على السنة ، والخلاف بين الأئمة الأربعة وأتباعهم كان في الاجتهاديات قال : « ونودي بالمواظبة على الصلوات في الجماعات ، وعدم التفرق في ذلك ، بأن يجتمعوا في كل صلاة على إمام واحد ، ويكون ذلك الإمام من أحد المقلدين للأربعة ، رضوان الله عليهم ؛ واجتمعت الكلمة حينئذ ، وعبد الله وحده ، وحصلت الألفة ، وسقطت الكلفة » .
حرصهم على حفظ الولاية والأمن والتيسير على الناس :
وقام الأمير سعود بما أوجبه الله عليه من رعاية مصالح المسلمين ، وتولية من يرعى شؤونهم ويقيم بينهم العدل والأمن ، وييسر لهم أمورهم ، ويحفظ دماءهم وأقوالهم وأعراضهم ، ويدفع عنهم المشقة والحرج .
قال : « وأمر عليهم ، واستتب الأمر من دون سفك دم ، ولا هتك عرض ، ولا مشقة على أحد ، والحمد لله رب العالمين » .
تبصير المسلمين بالحق وتعليمهم الضروري من دينهم ونشر العلم :
ثم شرع العلماء وطلاب العلم بتنفيذ النهج الذي تميزت به هذه الدعوة استجابة لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو تعليم الناس ضروريات دينهم في العقيدة والعبادة والأحكام والمعاملات .
قال : « ثم دفعت لهم الرسائل المؤلفة للشيخ محمد في التوحيد المتضمنة للبراهين ، وتقرير الأدلة على ذلك بالآيات المحكمات والأحاديث المتواترة ، مما يثلج الصدر ؛ واختصر من ذلك رسالة مختصرة للعوام ، تنشر في مجالسهم ، وتدرس في محافلهم ، ويبين لهم العلماء معانيها ، ليعرفوا التوحيد فيتمسكوا بعروته الوثيقة ، فيتضح لهم الشرك ، فينفروا عنه ، وهم على بصيرة آمنين » .
- ص 78 - الاستعداد للحوار والمناقشة والإجابة على الشبهات :
واتسعت صدورهم لمن كان لديه شيء من الشبهات ، ومن رغب في استمرار الحوار والمناقشة للمسائل محل الخلاف بين أهل السنة وبين المخالفين لهم كمسألة الشفاعة التي يرى أهل السنة ( بالدليل ) أن منها المشروع ، وهو ما توافرت فيه الشروط الواردة في القرآن والسنة ، ومنها الممنوع ( البدعي أو الشركي ) حين لا تتوافر فيها الشروط .
قال : « وكان فيمن حضر من علماء مكة ، وشاهد غالب ما صار : حسين بن محمد بن الحسين الإبريقي الحضرمي ، ثم الحياني ، ولم يزل يتردد علينا ، ويجتمع بسعود وخاصته ، من أهل المعرفة ، ويسأل عن مسألة الشفاعة ، التي جرد السيف بسببها ، من دون حياء ولا خجل ، لعدم سابقة جرم لـه » .
التزامهم لمنهج السلف جملة وتفصيلا :
التأكيد على التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة وأتباعها بنهج السنة والجماعة جملة وتفصيلا .
قال : « فأخبرناه : بأن مذهبنا في أصول الدين ، مذهب أهل السنة والجماعة ، وطريقتنا طريقة السلف ، التي هي الطريق الأسلم ، بل والأعلم والأحكم ، خلافا لمن قال طريق الخلف أعلم » .
مذهبهم في الصفات مذهب السلف الصالح :
قال : « وهي : أنا نقرأ آيات الصفات ، وأحاديثها على ظاهرها ، ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها إلى الله تعالى ؛ فإن مالكا - وهو من أجل علماء السلف - لما سئل عن الاستواء ، في قولـه تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5 . ] قال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة » .
قال : « ونعتقد : أن الخير والشر ، كله بمشيئة الله تعالى ، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد ؛ فإن العبد لا يقدر على خلق أفعاله ، بل لـه كسب ، رتب عليه الثواب فضلا ، والعقاب عدلا ، ولا يجب على الله لعبده شيء » .
ويؤمنون بالرؤية كسائر أهل السنة :
قال : « وأنه يراه المؤمنون في الآخرة ، بلا كيف ولا إحاطة » .
وهم على مذهب الإمام أحمد ويقرون المذاهب الأخرى المعتبرة عند أهل السنة :
أما ما بهتهم به خصومهم والجاهلون بحقيقة منهجهم من أنهم جاءوا ( بمذهب خامس ) أو أنهم يحرمون الاجتهاد ، وأنهم ينتقصون علماء الأمة كل ذلك محض افتراء .
قال : « ونحن أيضا : في الفروع ، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة ، دون غيرهم ، لعدم ضبط مذاهب الغير ؛ الرافضة ، والزيدية ، والإمامية ، ونحوهم ؛ ولا نقرهم ظاهرا على شيء من مذاهبهم الفاسدة بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة » .
لا يدعون الاجتهاد المطلق لكنهم يأخذون بما صح به الدليل :
وكذلك هم لا يدعون الاجتهاد المطلق ، بل يلتزمون مصادر التلقي ومناهج الاستدلال المعتبرة عن أئمة المسلمين ، ومع أنهم على مذهب الإمام أحمد - أحد أئمة السنة الأربعة - إلا أنهم لا يتعصبون للمذهب ، بل يدورون مع الدليل حيث دار ، ومع من قال به من الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة السنة .
قال : « ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ، ولا أحد لدينا يدعيها ، إلا أننا في بعض المسائل ، إذا صح لنا نص جلي ، من كتاب أو سنة غير منسوخ ، ولا مخصص ، ولا معارض - ص 80 - بأقوى منه ، وقال به أحد الأئمة الأربعة ، أخذنا به ، وتركنا المذهب ، كإرث الجدة والإخوة ، فإنا نقدم الجد بالإرث ، وإن خالف مذهب الحنابلة » .
لا ينازعون المخالف ولا يلزمونه في الاجتهاديات :
فقد نفوا في هذه الوثيقة فرية من أكبر المفتريات التي يشيعها الخصوم عنهم من أنهم يلزمون الناس في الأمور الخلافية ، وأنهم يضيقون بالاجتهاد ، وأنهم لا يقرون للمذاهب الأخرى المعتبرة لدى أهل السنة ، وأنهم يتعصبون لمذهبهم ورأيهم .
قال : « ولا نفتش على أحد في مذهبه ، ولا نعترض عليه ، إلا إذا اطلعنا على نص جلي ، مخالفا لمذهب أحد الأئمة ، وكانت المسألة مما يحصل بها شعار ظاهر ، كإمام الصلاة ، فنأمر الحنفي والمالكي مثلا ، بالمحافظة على نحو الطمأنينة في الاعتدال ، والجلوس بين السجدتين ، لوضوح دليل ذلك ، بخلاف جهر الإمام الشافعي بالبسملة ، فلا نأمره بالإسرار ، وشتان ما بين المسألتين ؛ فإذا قوي الدليل : أرشدناهم بالنص ، وإن خالف المذهب ، وذلك يكون نادرا جدا ؛ ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض ، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد ، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة ، إلى اختيارات لهم في بعض المسائل ، مخالفين للمذهب ، الملتزمين تقليد صاحبه » .
SIIDreda REDASID يقول...
يلتزمون منهج السلف وكتبهم في التلقي والاستدلال :
وكذلك ينفون ما أشاعه الخصوم عنهم أنهم يفسرون القرآن والحديث بهواهم وأنهم لا يعتبرون تفسير العلماء والسلف ، وأنهم لا يعنون بالعلوم الأخرى .
قال : « ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله ، بالتفاسير المتداولة المعتبرة ، ومن أجلها لدينا : تفسير ابن جرير ، ومختصره لابن كثير الشافعي ، وكذا البغوي ، والبيضاوي ، والخازن ، والحداد ، والجلالين ، وغيرهم . وعلى فهم الحديث ، بشروح الأئمة المبرزين ، كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري ، والنووي على مسلم ، والمناوي على الجامع الصغير .
- ص 81 - ونحرص على كتب الحديث ، خصوصا : الأمهات الست وشروحها ، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولا وفروعا وقواعد وسيرا ونحوا وصرفا وجميع علوم الأمة » .
يحترمون كتب العلم إلا ما أوقع الناس في خلل الشرك :
وما أشيع عنهم من أنهم يحرقون كتب العلماء من غيرهم مطلقا فهو من البهتان إلا ما كان في الكتب المفسدة للعقيدة والدين ، ككتب الشركيات والسحر وكتب المنطق الفلسفية ، أما المنطق العلمي الصحيح فمنهم من قد يدرسه بعضهم .
قال : « ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلفات أصلا إلا ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك ، كروض الرياحين ، أو يحصل بسببه خلل في العقائد كعلم المنطق ، فإنه قد حرمه جمع من العلماء ، على أنا لا نفحص عن مثل ذلك كالدلائل ، إلا إن تظاهر به صاحبه معاندا أتلف عليه » .
يتبرءون مما يفعله بعض الجهلة :
ومع ذلك فإنه قد تحدث بعض التصرفات الطائشة كإحراق الكتب من بعض جهلة المنتسبين إليهم من العوام والأعراب والغوغاء ، الذين لا يسلم من الابتلاء بهم أحد ، ومع ذلك لما حدث من بعض المنتسبين للدعوة من الأعراب ونحوهم شيء من ذلك أدبوه وزجروه .
قال : « ومما اتفق لبعض البدو في إتلاف بعض كتب أهل الطائف ، إنما صدر منه لجهله وقد زجر هو وغيره عن مثل ذلك » .
لا يرون سبي العرب ولا قتل النساء والأطفال في الحرب :
وما افتراه عليهم خصومهم من أنهم يسبون العرب ويقتلون النساء والأطفال والشيوخ في الحرب إنما هو من البهتان .
- ص 82 - قال : « ومما نحن عليه : أنا لا نرى سبي العرب ولم نفعله ولم نقاتل غيرهم ، ولا نرى قتل النساء والصبيان » .
تفنيدهم لشبهات الخصوم :
وحينما شاعت عن إمامهم وعنهم وعن دعوتهم الشبهات الكثيرة ، والمفتريات والبهتان بغير حق ولا برهان ، دافعوا عن الحق الذي يحملون وكشفوا الحقائق ، وردوا المفتريات بقولهم وسيرتهم ومؤلفاتهم وحواراتهم ، وبكل ما يملكون من وسائل قليلة ومحدودة ، إزاء ما يملكه خصومهم من إمكانات كبرى ، ووسائل عظيمة لكنها كانت كالزبد يذهب جفاء .
قال : « وأما ما يكذب علينا : سترا للحق وتلبيسا على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا ، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ، ولا معول على شيخ ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقولنا النبي رمة في قبره ، وعصا أحدنا أنفع لـه منه ، وليس لـه شفاعة ، وأن زيارته غير مندوبة ، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، حتى أنزل عليه فاعلم أنه لا إله إلا الله مع كون الآية مدنية .
وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ، ونتلف مؤلفات أهل المذاهب ؛ لكونها فيها الحق والباطل ، وأنا مجسمة ، وأنا نكفر الناس على الإطلاق ، أهل زماننا ومن بعد الستمائة ، إلا من هو على ما نحن عليه ، ومن فروع ذلك : أنا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركا وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله .
وأنا ننهى عن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - . ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقا ، وأن من دان بما نحن عليه ، سقط عنه جميع التبعات حتى الديون .
وأنا لا نرى حقا لأهل البيت - رضوان الله عليهم - وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم .
وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شابا إذا ترافعوا إلينا .
- ص 83 - فلا وجه لذلك ، فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا ، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا ، فقد كذب علينا وافترى » .
وكانت أكبر وسيلة ، وبرهان يدفع عنهم المفتريات ويبين سلامة النهج الذي كانوا عليه :
دعوة الناس إلى ما يشهد به الواقع وحال الدعوة وأهلها :
قال : « ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق ما عندنا علم قطعا : أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين ، تنفيرا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة ، وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره . ويغفر ما دون ذلك [سورة النساء ، آية : 48 . ] ، فإنا نعتقد : أن من فعل أنواعا من الكبائر ، كقتل المسلم بغير حق ، والزنا والربا وشرب الخمر وتكرر منه ذلك ، أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام ، إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة » .
SIIDreda REDASID يقول...
- ص 84 - تعظيمهم لقدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحقوقه - صلى الله عليه وسلم - :
وكانت من أشنع الأكاذيب والبهتان الذي يشاع عن هذه الدعوة المباركة وأئمتها وأتباعها دعوى : أنهم لا يحترمون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقدرونه حق قدره ، وأنهم ينقصونه ، لكن الله حسبنا ونعم الوكيل .
قال : « والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق ، وأنه حي في قبره حياة برزخية ، أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل ، إذ هو أفضل منهم بلا ريب ، وأنه يسمع سلام المسلم عليه ، وتسن زيارته ، إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه ، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس ، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه - عليه الصلاة والسلام - الواردة عنه ، فقد فاز بسعادة الدارين ، وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه » .
والحق أنهم إن لم يكونوا هم وأمثالهم أحباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأولياؤه حقا لاتباعهم سنته ، وبذلهم الأرواح والأموال ، والمهج في سبيل محبته واتباع هديه وطاعته ونصرة دينه ، وتطهيره من البدع والشركيات . إن لم يكن هؤلاء أحباءه فمن ؟ إن أهل البدع والأهواء والافتراق الذي جانبوا سنته هم الذين لا يحبونه حقا ، ولم يقدروه حق قدره وإن زعموا ذلك ، فالحب ليس بمجرد الدعوى ، لكن بالاتباع والعمل بسنته .
حقيقة مذهبهم في الأولياء وكراماتهم وحقوقهم :
وكذلك كذب عليهم خصومهم ، وأشاعوا ( كذبا وبهتانا ) بأنهم لا يحبون الأولياء والصالحين ، وحقيقة الأمر أنهم أولى بالأولياء والصالحين ممن آذوا الأحياء والأموات ، بالبدع والخرافات والمكاء والتصدية ، والسماعات المحدثة ، والتبركات المبتدعة .
قال : « ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق ، وأنهم على هدى من ربهم ، مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية ، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات ، لا حال الحياة ولا بعد الممات ، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته ، بل ومن كل مسلم ، فقد - ص 85 - جاء في الحديث : دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه الحديث ، وأمر - صلى الله عليه وسلم - عمر وعليا بسؤال الاستغفار من " أويس " ففعلا .
وعقيدتهم في شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي الحق بمقتضى النصوص :
وما أشاعه عنهم خصومهم من أنهم ينكرون شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرها من الشفاعات الثابتة بالنصوص الصحيحة كل ذلك من البهتان :
قال : « ونثبت الشفاعة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة حسب ما ورد ، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا ، ونسألها من المالك لها ، والآذان فيها لمن يشاء من الموحدين ، الذين هم أسعد الناس بها ، كما ورد بأن يقول أحدنا - متضرعا إلى الله تعالى - : اللهم شفع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فينا يوم القيامة ، أو : اللهم شفع فينا عبادك الصالحين ، أو ملائكتك أو نحو ذلك ، مما يطلب من الله لا منهم ، فلا يقال : يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها ، كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك ، مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك ، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ، ولا أثر من السلف الصالح في ذلك ، بل ورد الكتاب والسنة وإجماع السلف : أن ذلك شرك أكبر ، قاتل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » .
قال : « فإن قلت : ما تقول في الحلف بغير الله والتوسل به ؟ قلت : ننظر إلى حال المقسم إن قصد به التعظيم ، كتعظيم الله أو أشد كما يقع لبعض غلاة المشركين من أهل زماننا ، إذا استحلف بشيخه أي : معبوده الذي يعتمد في جميع أموره عليه ، لا يرضى أن يحلف إذا كان كاذبا أو شاكا ، وإذا استحلف بالله فقط رضي ، فهو كافر من أقبح المشركين وأجهلهم إجماعا ، وإن لم يقصد التعظيم بل سبق لسانه إليه ، فهذا ليس بشرك أكبر ، فينهى عنه ويزجر ويؤمر صاحبه بالاستغفار عن تلك الهفوة » .
بيان الحق في مسألة التوسل ورفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأذان :
قال : « أما التوسل وهو أن يقول القائل : اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أو بحق نبيك ، أو بجاه عبادك الصالحين ، أو بحق عبدك فلان ، فهذا من أقسام البدع المذمومة ، ولم يرد بذلك نص ، كرفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الأذان » .
رعايتهم لحقوق آل البيت من غير غلو ولا تفريط :
قال : « وأما أهل البيت فقد ورد سؤال على علماء الدرعية في مثل ذلك ، وعن جواز نكاح الفاطمية غير الفاطمي ، وكان الجواب عليه ما نصه : أهل البيت - رضوان الله عليهم - لا شك في طلب حبهم ومودتهم ، ولما ورد فيه من كتاب وسنة ، فيجب حبهم ومودتهم ، إلا أن الإسلام ساوى بين الخلق ، فلا فضل لأحد إلا بالتقوى ، ولهم مع ذلك التوقير والتكريم والإجلال ، ولسائر العلماء مثل ذلك ، كالجلوس في صدور المجالس ، والبداءة بهم في التكريم ، والتقديم في الطريق إلى موضع التكريم ونحو ذلك ، إذا تقارب أحدهم مع غيره في السن والعلم .
وما اعتيد في بعض البلاد من تقديم صغيرهم وجاهلهم على من هو أمثل منه ، - ص 87 - حتى إنه إذا لم يقبل يده كلما صافحه عاتبه وصارمه أو ضاربه أو خاصمه ، فهذا لم يرد به نص ولا دل عليه دليل ، بل منكر تجب إزالته ، ولو قبل يد أحدهم لقدوم من سفر أو لمشيخة علم أو في بعض الأوقات لطول غيبه فلا بأس ، إلا أنه لما ألف في الجاهلية الأخرى : أن التقبيل صار علما لمن يعتقد فيه أو في أسلافه أو عادة المتكبرين من غيرهم ، نهينا عنه مطلقا ، لا سيما لمن ذكر حسما لذرائع الشرك ما أمكن » .
هدم القباب على القبور حسما لمادة الشرك :
ومما أثاره عليهم خصومهم - أهل البدع - وأجلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم ، وأوغروا صدور عوام المسلمين الجاهلين بحقيقة الأمر مسألة هدمهم للقباب والمزارات والمشاهد البدعية . وهذا من التلبيس وقلب الحقائق ، فإن ذلك مما يمدحون به ويشكر لهم لأنهم إنما فعلوا ذلك امتثالا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد صح عنه الأمر بذلك والنهي عن البناء على القبور .
قال : « وإنما هدمنا بيت السيدة خديجة ، وقبة المولد ، وبعض الزوايا المنسوبة لبعض الأولياء ، حسما لتلك المادة ، وتنفيرا عن الإشراك بالله ما أمكن لعظم شأنه فإنه لا يغفر ، وهو أقبح من نسبة الولد لله تعالى ، إذ الولد كمال في حق المخلوق ، وأما الشرك فنقص حتى في حق المخلوق ، لقولـه تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في [سورة الروم ، آية : 28 ] » .
قال : « وأما نكاح الفاطمية غير الفاطمي : فجائز إجماعا ، بل ولا كراهية في ذلك ، وقد زوج علي عمر بن الخطاب ، وكفى بهما قدوة ، وتزوجت سكينة بنت الحسين بن علي ، بأربعة ليس فيهم فاطمي ، بل ولا هاشمي ، ولم يزل عمل السلف على ذلك من دون إنكار ، إلا أنا لا نجبر أحدا على تزويج موليته ما لم تطلب هي ، وتمتنع من غير الكفء ، والعرب : أكفاء بعضهم لبعض ، فما اعتيد في بعض البلاد من المنع دليل التكبر ، وطلب التعظيم ، وقد يحصل - ص 88 - بسبب ذلك فساد كبير كما ورد ، بل يجوز الإنكاح لغير الكفء ، وقد تزوج زيد - وهو من الموالي - زينب أم المؤمنين وهي قرشية ، والمسألة معروفة عند أهل المذاهب ، انتهى » .
تورعهم عن التكفير وبيان أن لازم الكفر عندهم ليس بلازم :
وكانت من القضايا الكبرى بينهم وبين خصومهم دعوى : أنهم يكفرون المسلمين وقد تبرءوا من ذلك ، وكتاباتهم وفتواهم ومواقفهم تكذب هذه الفرية ، وهم في مسألة التكفير متبعون لنصوص القرآن والسنة ، فلا يكفرون إلا بدليل شرعي وبينات ، فهم يكفرون من كفره الله ورسوله ، ولا يكفرون عموم المسلمين كما زعم خصومهم ، بل يتورعون عن تكفير المسلمين ويحذرون من مذهب الخوارج في ذلك :
قال : « فإن قال قائل منفر عن قبول الحق والإذعان لـه : يلزم من تقريركم وقطعكم في أن من قال يا رسول الله أسألك الشفاعة : أنه مشرك مهدر الدم ، أن يقال بكفر غالب الأمة ولا سيما المتأخرين ، لتصريح علمائهم المعتبرين : أن ذلك مندوب ، وشنوا الغارة على من خالف في ذلك ! قلت : لا يلزم ؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهب كما هو مقرر ، ومثل ذلك : لا يلزم أن نكون مجسمة ، وإن قلنا بجهة العلو كما ورد الحديث بذلك » .
لا يحكمون على أموات المسلمين إلا بخير :
قال : « ونحن نقول فيمن مات : تلك أمة قد خلت » .
ولا يكفرون إلا بالشروط وانتفاء الموانع :
قال : « ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق ، ووضحت لـه المحجة ، وقامت عليه الحجة ، وأصر مستكبرا معاندا كغالب من نقاتلهم اليوم ، يصرون على ذلك الإشراك ، ويمتنعون من فعل الواجبات ، ويتظاهرون بأفعال الكبائر والمحرمات » .
- ص 89 - لا يلزم من القتال التكفير :
قال : « وغير الغالب : إنما نقاتله لمناصرته من هذه حاله ورضاه به ، ولتكثير سواد من ذكر والتأليب معه ، فله حينئذ حكمه في قتاله » .
الاعتذار عمن مضى من المسلمين ولم تقم عليه الحجة :
الاعتذار عمن مضى من المسلمين ولم تقم عليه الحجة :
قال : « ونعتذر عمن مضى : بأنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعا » .
الخطأ وارد على سائر أفراد الأئمة :
قال : « ومن شن الغارة فقد غلط ولا بدع أن يغلط ، فقد غلط من هو خير منه ، كمثل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلما نبهته المرأة رجع في مسألة المهر وفي غير ذلك ، يعرف ذلك في سيرته . بل غلط الصحابة وهم جمع ونبينا - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم سار فيهم نوره ، فقالوا اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط » .
والمجتهد المخطئ معذور ما لم تقم عليه الحجة :
قال : « فإن قلت : هذا فيمن ذهل ، فلما نبه انتبه ، فما القول فيمن حرر الأدلة ؟ واطلع على كلام الأئمة القدوة ؟ واستمر مصرا على ذلك حتى مات ؟ قلت : ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر ولا نقول : إنه كافر ، ولا لما تقدم أنه مخطئ وإن استمر على خطئه ، لعدم من يناضل عن هذه المسألة في وقته ، بلسانه وسيفه وسنانه ، فلم تقم عليه الحجة ، ولا وضحت لـه المحجة ، بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين : التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأسا ، ومن اطلع عليه أعرض عنه ، قبل أن يتمكن في قلبه ، ولم يزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق - ص 90 - النظر في ذلك ، وصولة الملوك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك إلا من شاء الله منهم .
هذا : وقد رأى معاوية وأصحابه - رضي الله عنه - منابذة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقتاله ومناجزته الحرب وهم في ذلك مخطئون بالإجماع ، واستمروا في ذلك الخطأ ، ولم يشتهر عن أحد من السلف تكفير أحد منهم إجماعا ، بل ولا تفسيقه ، بل أثبتوا لهم أجر الاجتهاد وإن كانوا مخطئين ، كما أن ذلك مشهور عند أهل السنة » .
SIIDreda REDASID يقول...
بيان الحق في زلة العالم وحفظ مكانته :
قال : « ونحن كذلك : لا نقول بكفر من صحت ديانته ، وشهر صلاحه وعلم ورعه وزهده ، وحسنت سيرته وبلغ من نصحه الأمة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها ، وإن كان مخطئا في هذه المسألة أو غيرها ، كابن حجر الهيتمي فإنا نعرف كلامه في الدر المنظم ولا ننكر سعة علمه ، ولهذا نعتني بكتبه كشرح الأربعين والزواجر وغيرها ، ونعتمد على نقله إذا نقل ؛ لأنه من جملة علماء المسلمين » .
دعوة المنصفين إلى حقيقة الأمر الذي هم عليه :
قال : « هذا ما نحن عليه مخاطبين من لـه عقل وعلم ، وهو متصف بالإنصاف خال عن الميل إلى التعصب والاعتساف ينظر إلى ما يقال لا إلى من قال » .
ومن أصر على الباطل يؤخذ بالحزم :
قال : « وأما من شأنه لزوم مألوفه وعاداته سواء كان حقا أو غير حق ، فقلد من قال الله فيهم : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون [سورة الزخرف ، آية : 23] ، عادته وجبلته أن يعرف الحق بالرجال لا الرجال بالحق ، فلا نخاطبه وأمثاله إلا بالسيف حتى يستقيم أوده ويصح معوجه ، وجنود التوحيد - بحمد الله - منصورة ، وراياتهم بالسعد والإقبال منشورة : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [ســورة الشعــراء ، آيــة : 227] ، - ص 91 - و فإن حزب الله هم الغالبون [سورة المائدة ، آية : 56] ، وقال تعالى : وإن جندنا لهم الغالبون [سورة الصافات ، آية : 173] ، وكان حقا علينا نصر المؤمنين [سورة الروم ، آية : 47] ، والعاقبة للمتقين [سورة الأعراف ، آية : 128] .
بيان حقيقة البدعة شرعا :
قال : « هذا ومما نحن عليه : أن البدعة هي : ما حدثت بعد القرون الثلاثة مذموما مطلقا ، خلافا لمن قال حسنة وقبيحة ، ولمن قسمها خمسة أقسام ، إلا إن أمكن الجمع ، بأن يقال : الحسنة ما عليه السلف الصالح شاملة : للواجبة والمندوبة والمباحة ، ويكون تسميتها بدعة مجازا ، والقبيحة ما عدا ذلك شاملة : للمحرمة والمكروهة ، فلا بأس بهذا الجمع » .
وكذلك نفوا ما يزعمه الخصوم عنهم من أنهم يبدعون من صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويمنعون من الأذكار المشروعة وبينوا أن ذلك من الكذب عليهم ، وأنهم إنما منعوا البدع ونهوا عنها .
قال : « فمن البدع المذمومة التي ننهى عنها : رفع الصوت في مواضع الأذان بغير الأذان ، سواء كان آيات أو صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذكرا أو غير ذلك بعد الأذان ، أو في ليلة الجمعة أو رمضان أو العيدين ، فكل ذلك بدعة مذمومة » .
إبطال البدع المألوفة بمكة :
قال : « وقد أبطلنا ما كان مألوفا بمكة ، من التذكير والترحيم ونحوه ، واعترف علماء المذاهب أنه بدعة .
ومنها : قراءة الحديث عن أبي هريرة بين يدي خطبة الجمعة ، فقد صرح شارح الجامع الصغير بأنه بدعة ، ومنها الاجتماع في وقت مخصوص على من يقرأ سيرة المولد الشريف ، اعتقادا أنه قربة مخصوصة مطلوبة دون علم السير ، فإن ذلك لم يرد .
ومنها : اتخاذ المسابح ، فإنا ننهى عن التظاهر باتخاذها .
- ص 92 - ومنها : الاجتماع على رواتب المشائخ برفع الصوت ، وقراءة الفواتح والتوسل بهم في المهمات ، كراتب السمان وراتب الحداد ونحوهما ، بل قد يشتمل ما ذكر على شرك أكبر ، فيقاتلون على ذلك ، فإن سلموا من أرشدوا إلى أنه على هذه الصورة المألوفة غير سنة بل بدعة فذاك ، فإن أبوا عزرهم الحاكم بما يراه رادعا » .
الأوراد المشروعة لا تنكر :
قال : « وأما أحزاب العلماء ، المنتخبة من الكتاب والسنة ، فلا مانع من قراءتها ، والمواظبة عليها فإن الأذكار ، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغفار ، وتلاوة القرآن ونحو ذلك مطلوب شرعا ؛ والمعتني به مثاب مأجور ، فكلما أكثر منه العبد كان أوفر ثوابا ، لكن على الوجه المشروع ، من دون تنطع ولا تغيير ولا تحريف ، وقد قال تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية [سورة الأعراف ، آية : 55] ، وقال تعالى : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [سورة الأعراف ، آية : 180] ولله در النووي في جمعه كتاب الأذكار ؛ فعلى الحريص على ذلك به ، ففيه الكفاية للموفق .
عودة إلى أنواع البدع المذمومة :
ومنها : ما اعتيد في بعض البلاد ، من قراءة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصائد بألحان ، وتخلط بالصلاة عليه ، وبالأذكار والقراءة ، ويكون بعد صلاة التراويح ، ويعتقدونه على هذه الهيئة من القرب ، بل تتوهم العامة أن ذلك من السنن المأثورة ، فينهى عن ذلك ، وأما صلاة التراويح فسنة ، لا بأس بالجماعة فيها والمواظبة عليها .
ومنها : ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمسة الفروض بعد آخر جمعة من رمضان ، وهذه من البدع المنكرة إجماعا فيزجرون عن ذلك أشد الزجر ، ومنها رفع الصوت بالذكر عند حمل الميت أو عند رش القبر بالماء وغير ذلك مما لم يرد عن السلف ، وقد ألف الشيخ الطرطوشي المغربي كتابا نفيسا سماه [الحوادث والبدع] واختصره أبو شامة المقدسي فعلى المعتني بدينه بتحصيله » .
- ص 93 - التفريق بين ما هو بدعي وما ليس ببدعي من المحدثات :
قال : « وإنما ننهى عن البدع المتخذة دينا وقربة ؛ وأما ما لا يتخذ دينا وقربة كالقهوة وإنشاء قصائد الغزل ومدح الملوك فلا ننهى عنه ، ما لم يخلط بغيره إما ذكر أو اعتكاف في مسجد ويعتقد أنه قربة ؛ لأن حسان رد على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال : قد أنشدته بين يدي من هو خير منك ، فقبل عمر » .
مشروعية اللعب المباح :
قال : « ويحل كل لعب مباح ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الحبشة على اللعب في يوم العيد في مسجده - صلى الله عليه وسلم - ويحل الرجز والحداء في نحو العمارة ، والتدريب على الحرب بأنواعه ، وما يورث الحماسة فيه كطبل الحرب دون آلات الملاهي ، فإنها محرمة والفرق ظاهر ، ولا بأس بدف العرس وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : بعثت بالحنيفية السمحة وقال : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة » .
إمامة ابن تيمية وابن القيم في الدين :
قال : « هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه ، إماما حق من أهل السنة وكتبهم عندنا من أعز الكتب ، إلا أنا غير مقلدين لهم في كل مسألة ، فإن كل أحد يؤخذ من قولـه ويترك إلا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل ، منها طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس ، فإنا نقول به تبعا للأئمة الأربعة ، ونرى الوقف صحيحا والنذر جائزا ، ويجب الوفاء به في غير المعصية » .
- ص 94 - عودة إلى أنواع البدع والتحذير منها :
قال : « ومن البدع المنهي عنها : قراءة الفواتح للمشائخ بعد الصلوات الخمس ، والإطراء في مدحهم والتوسل بهم على الوجه المعتاد في كثير من البلاد ، وبعد مجامع العبادات ، معتقدين أن ذلك من أكمل القرب ، وهو ربما جر إلى الشرك من حيث لا يشعر الإنسان ، فإن الإنسان يحصل منه الشرك من دون شعور به لخفائه ، ولولا ذلك لما استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - منه بقولـه : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ، إنك أنت علام الغيوب .
وينبغي المحافظة على هذه الكلمات ، والتحرز عن الشرك ما أمكن ؛ فإن عمر بن الخطاب قال : إنما ينقض عرى الإسلام عروة عروة ، إذا دخل في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ، أو كما قال . وذلك لأنه يفعل الشرك ، ويعتقد أنه قربة ، نعوذ بالله من الخذلان ، وزوال الإيمان » .
ثم قال الشيخ عبد الله بعد هذا البيان :
« هذا ما حضرني حال المراجعة مع المذكور مدة تردده ، وهو يطالبني كل حين بنقل ذلك وتحريره ، فلما ألح علي نقلت لـه هذا من دون مراجعة كتاب ، وأنا في غاية الاشتغال بما هو أهم من أمور الغزو » .
دعوة الناس إلى التحقق من حال الدعوة ومنهجها :
ثم إنهم قد أنصفوا من أنفسهم وأقاموا الحجة بالدعوة إلى التثبت مما يشاع عنهم والاطلاع على حقيقة حالهم .
- ص 95 - قال : « فمن أراد تحقيق ما نحن عليه ، فليقدم علينا الدرعية ، فسيرى ما يسر خاطره ، ويقر ناظره ، من الدروس في فنون العلم ، خصوصا التفسير والحديث ؛ ويرى ما يبهره بحمد الله وعونه ، من إقامة شعائر الدين ، والرفق بالضعفاء والوفود والمساكين » .
بيان حقيقة التعبد المشروع والتصوف المأمون :
وهم حين ينكرون التصوف البدعي ، والطرق المحدثة فإنهم يقرون بالتنسك والتعبد المشروع على منهاج السنة والسلف الصالح ، وإن سمي ذلك تصوفا أو طريقة صوفية إذا كان على الاستقامة والسنة وسلم من البدع والمحدثات .
قال : « ولا ننكر الطريقة الصوفية ، وتنزيه الباطن من رذائل المعاصي ، المتعلقة بالقلب والجوارح ، مهما استقام صاحبها على القانون الشرعي ، والمنهج القويم المرعي ، إلا أنا لا نتكلف لـه تأويلات في كلامه ولا في أفعاله » .
لا يفوضون أمورهم كلها إلا إلى الله تعالى :
قال : « ولا نعول ، ونستعين ، ونستنصر ، ونتوكل في جميع أمورنا إلا على الله تعالى ، فهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ، وصلى الله على محمد وآله وصحبة وسلم » .
وبعد :
فإن هذه الوثيقة قد كشفت للناس منهج الدعوة وحقيقة ما هي عليه وأتباعها ودولتها بوضوح وصراحة ، وكشفت بالدليل والبرهان الكثير من الزيوف والبهتان الذي يقال عنها .
فهل بعد هذا من بيان لمن ألقى السمع وهو شهيد ؟
- ص 96 - - ص 97 - المبحث الرابع
أ - منهجهم في التلقي (مصادر الدين ومنهج الاستدلال)
هو منهج أهل السنة
يتميز المنهج الذي عليه الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وعامة أهل السنة والجماعة قديما وحديثا في مصادر الدين ومنهج التلقي والاستدلال بالأصالة والسلامة والثبات واليقين .
فقد التزموا المنهج الشرعي السليم الذي عليه علماء الأمة من أهل الحديث والفقه والأصول ، من سلامة مصادر التلقي ومراعاة قواعد الاستدلال ، فهم يعتمدون في تلقي الدين وتقريره والعمل به على الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة (الوحي).
وإجماع السلف معتبر عندهم؛ لأن الإجماع لا يكون إلا على ما لـه دليل من الكتاب والسنة ، كما يعتمدون أقوال علماء الأمة المعتبرين من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم...
ويعتمدون في الاستدلال على المنهج الشرعي السليم ، منهج السلف الصالح ، على ما يأتي بيانه في قواعد الاستدلال عندهم.
وهم يستخدمون ما أنعم الله به على عباده من الفطرة النقية والعقل السليم في فهم كلام الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنباط الدلالات والأحكام منهما ، والاجتهاد والفقه في دين الله تعالى.
ويستخدمون العقل في التفكر في خلق الله وآلائه ونعمه ، والتوصل بذلك إلى عبادة الله تعالى وذكره وشكره بما شرع.
كما يستخدمون العقل وسائر المواهب التي منحها الله للإنسان في الاجتهاديات والعلوم الطبيعية في عمارة الأرض والاستخلاف فيها وبذل الأسباب؛ أسباب الرزق والقوة والعزة والتمكين ، وأسباب النجاح والفلاح وسعادة البشرية في الدنيا والآخرة على ما شرعه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لكنهم يتجنبون مسالك أهل الأهواء من الفلاسفة والعقلانيين والمتكلمين ، ومن سلك سبيلهم من تقديس العقل القاصر المحدود الفاني ، المعرض لعوارض النقص وتقديمه على الوحي المعصوم الكامل (كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
- ص 98 - فالعقل مهما بلغ من الإدراك والتحصيل فإنه تبع للشرع ، لا يمكن أن يقدم على الوحي المعصوم ولا أن يحكم فيه.
وهذا المنهج القويم - أعني منهج التلقي والاستدلال على قواعد شرعية مأمونة - يعد من أكبر الفوارق بين أهل السنة وبين مخالفيهم أهل الأهواء والافتراق والابتداع.
ومصادر التلقي تعد أهم ركيزة يبني عليها دين المسلم في العقيدة والأحكام والسلوك ومنهج الحياة كلها؛ لأن التلقي إنما يعنى : تلقي الدين جملة وتفصيلا وذلك لا يكون إلا عن الله تعالى وما أمر به من التلقي عن رسوله صلى الله عليه وسلم : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [سورة الحشر ، آية (7).].
وإذا كان مبدأ التلقي عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم (القرآن والسنة) معلوما بالضرورة عند كل مسلم ، ويدعيه المحق والمبطل ، والمتبع والمبتدع.
فإن مجرد الدعوى لا تكفي ، بل لا بد من تحقيق وبرهان ، وعند التحقيق نجد أن السلف الصالح أهل السنة والجماعة ، ومنهم إمام هذه الدعوة الإصلاحية المباركة ، وأتباعها ، هم الذين سلمت عندهم مصادر التلقي نقية صافية ، وكذلك منهج الاستدلال بخلاف خصومهم أهل البدع والأهواء والافتراق الذين حادوا عن الحق ، ولبسوا على الناس ، وسلكوا طريق الغواية وسبل الضلالة ، حينما أخذوا يستمدون دينهم أو بعض دينهم من المصادر الداخلية ، ومن أوهام العقول ، ودعاوي العصمة لمن هم دون الرسول صلى الله عليه وسلم ، من الأئمة وغيرهم ، من الصالحين والطالحين ، والأولياء والأدعياء ، وكذلك دعاوي الكشف والذوق ونحو ذلك ، مما يفعله كثيرون من أهل الكلام والفلسفة والتصوف والرفض ، ومن سلك سبيلهم.
ولذا فإن دعوى الاتباع للكتاب والسنة عند هذه الفئات ، دعوى كاذبة وملبسة فهم : (يلبسون الحق بالباطل).
فكان لزاما على أهل الحق وأهل العلم أن يبينوا وجه الحق ويكشفوا عن وجه الباطل في هذه المسألة ، وهذا ما فعله وقام به إمام الدعوة وعلماؤها وأتباعها ، وسائر أهل السنة ، ولأن المنهج الحق في التلقي والاستدلال بين واضح بحمد الله لا لبس فيه ولا غموض.
فقد اجتهدت في هذا الفصل في بيان القواعد التي اعتمدها أهل السنة والجماعة ، من علماء هذه الدعوة ومن سبقهم من علماء الأمة ومجتهديها على مقتضى الكتاب والسنة - ص 99 - ونهج السلف الصالح - في تلقي الدين والعمل به.
والكشف عن مناهج المخالفين وسبلهم المعوجة الخارجة عن السنة في هذا الموضوع ، التي هي سبل الشيطان ومسالك البدعة والضلالة - نسأل الله السلامة - ليحذر منها من وفقه الله وهداه ، وتقوم بها الحجة على المكابر والمعاند.
وإن من سمات هذه الدعوة وعلمائها وأتباعها - بحمد الله - الحرص على التفقه في دين الله ، والتأصيل الشرعي والتزام السنة والجماعة - من مقل ومكثر - والرجوع إلى أهل العلم ، والتزام أصول الدين ، وإعلان شعائره في كل مكان.
وهذه سمات تبشر بخير فالرجوع إلى مصادر الدين النقية الصافية ، ومناهج السلف في العقيدة والتلقي والاستدلال والتعامل والأحكام - هو وحده - الطريق الذي فيه السلامة والضمانة في تحصيل ما وعد الله به المسلمين من النصر والرفعة والتمكين والاجتماع.
فالعقيدة السليمة وهي التي تجمع المسلمين ، والشريعة الإلهية وهي التي تحكمهم - لا يمكن استمدادها إلا من مصادرها النقية الصافية (القرآن والسنة) وعلى نهج سليم وهو نهج السلف الصالح وهو : (سبيل المؤمنين) وهذا ما تميزت به هذه الدعوة الإصلاحية المباركة التي يسمونها (الوهابية) عن سائر الدعوات الإصلاحية الحديثة ، وهذا من أسباب قوتها وتأثيرها وانتشارها.
أما المصادر الدخيلة في الدين والمناهج المعوجة في الاستدلال التي عليها خصوم الدعوة وخصوم السنة (أهل الأهواء والبدع والافتراق) فلن يكون فيها إلا الفرقة والشتات والتنازع والذلة والهوان ، كما هو مبين في النصوص الشرعية ويصدقه الواقع - وكما بينه إمام الدعوة وعلماؤها.
وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ... الحديث .
وقد أصل أهل السنة والجماعة - ومنهم إمام الدعوة وعلماؤها - هذا المنهج الشرعي القويم في التلقي ومنهج الاستدلال بقواعد علمية منهجية متينة ، وموازين شرعية استمدوها من القرآن والسنة ونهج السلف الصالح.
- ص 100 - وهذا الأصل العظيم هو ما قرره الإمام محمد بن عبد الوهاب واتباعه بقوة ووضوح ودعا إليه كل المخالفين ، واستعد للمباهلة عليه فقال : « وأنا أدعو من خالفني إما إلى كتاب الله ، وإما إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإما إلى إجماع أهل العلم. فإن عاند دعوته إلى المباهلة كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض ، وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين وغيرهما من أهل العلم » .
وقال في رسالته لرئيس بادية الشام ، فاضل آل مزيد :
« وأنا أذكر لك أمرين قبل أن أذكر لك صفة الدين :
الأمر الأول : أني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته ، وأقول لهم : الكتب عندكم انظروا فيها ولا تأخذوا من كلامي شيئا! لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعوه ولو خالفه أكثر الناس » .
ثم قال ناصحا : « واعلم أنه لا ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وقال بعد أن ذكر أدلة التوحيد من القرآن : « فهذا كلام الله ، والذي ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصانا به » .
ثم قال بعد أن بين اعتراض الخصوم على دعوته لـه للتوحيد : « هذا كلامهم وهذا كلامي أسنده عن الله ورسوله ، وهذا هو الذي بيني وبينكم ، فإن ذكر عني شيء غير هذا فهو كذب وبهتان » .
وقد جعلوا اتباع الدليل من دينهم وعقيدتهم ، فقد سئل ابنا الإمام حسين ، وعبد الله ، عن عقيدة الشيخ في العمل وفي العبادة ؟
فأجابا : « عقيدة الشيخ - رحمه الله تعالى - التي يدين الله بها ، هي : عقيدتنا ، وديننا الذي ندين الله به؛ وهو : عقيدة سلف الأمة وأئمتها ، من الصحابة ، والتابعين لهم - ص 101 - بإحسان؛ وهو : اتباع ما دل عليه الدليل من كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض أقوال العلماء على ذلك؛ فما وافق كتاب الله وسنة رسوله قبلناه وأفتينا به ، وما خالف ذلك رددناه على قائله.
وهذا : هو الأصل الذي أوصانا الله به في كتابه ، حيث قال : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر [سورة النساء ، آي : 59] أجمع المفسرون على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، وأن الرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، والأدلة على هذا الأصل كثيرة في الكتاب والسنة ، ليس هذا موضع بسطها » .
من نهج السلف الصالح ، أهل السنة والجماعة احترام علماء الأمة وأقوالهم من أهل السنة والاستقامة ، وسؤالهم والرجوع إليهم كما أمر الله تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [سورة النحل ، آية : 43] وتوقيرهم ، لكن ليس لأحد منهم عصمة فقد يزل العالم فلا يتبع على زلته ، ولا ينقص من قدره.
وهذا المنهج القويم هو الذي سلكه إمام الدعوة وأتباعه وكثيرا ما يعول عليه ، وكانوا - كما هو مسطور في كتبهم وآثارهم - يعتمدون كتب العلماء من أهل الحديث والتفسير والفقه والأصول والعقيدة واللغة ، ويعتدون بما أجمع عليها العلماء ، ويحترمون الموافق والمخالف في الاجتهاديات.
وقد أكد هذا الأصل الإمام وأتباعه ، وذلك لما لجت القضية بينه وبين خصومه من أهل البدع والأهواء والذين قد ينتسب بعضهم إلى مذاهب العلماء المتبوعة ، فصار يحاكمهم (بعد الكتاب والسنة) إلى قول العلماء المعتبرين.
إذ قال عن بعض خصومه : « وهكذا هؤلاء ، لما ذكرت لهم ، ما ذكره الله ورسوله ، وما - ص 102 - ذكره أهل العلم ، من جميع الطوائف ، من الأمر بإخلاص الدين لله ، والنهي عن مشابهة أهل الكتاب من قبلنا ، في اتخاذ الأحبار ، والرهبان ، أربابا من دون الله ، قالوا لنا : تنقصتم الأنبياء ، والصالحين ، والأولياء؛ والله تعالى ناصر لدينه ، ولو كره المشركون.
وها أنا أذكر مستندي في ذلك ، من كلام أهل العلم ، من جميع الطوائف ، فرحم الله من تدبرها بعين البصيرة ، ثم نصر الله ، ورسوله ، وكتابه ، ودينه؛ ولم تأخذه في ذلك لومة لائم » .
ثم ساق أقوال العلماء من أئمة المذاهب الأربعة الحنابلة ، والحنفية ، والشافعية ، والمالكية .
وقال في محاجته لمخالفيه حينما دعا إلى توحيد الله تعالى والنهي عن الشرك ، وأنكروا عليه فقال :
« قلت لهم : أنا أخاصم الحنفي ، بكلام المتأخرين من الحنفية ، والمالكي ، والشافعي ، والحنبلي ، كل : أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم ، الذين يعتمدون عليهم ، فلما أبوا ذلك ، نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله ، وذكرت كل ما قالوا ، بعدما صرحت الدعوة عند القبور ، والنذر لها ، فعرفوا ذلك ، وتحققوه ، فلم يزدهم إلا نفورا » .
قال : « ولا خلاف بيني وبينكم : أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم؛ وإنما الشأن إذا اختلفوا ، هل يجب علي أن أقبل الحق ممن جاء به ، وأرد المسألة إلى الله والرسول ، مقتديا بأهل العلم؟ أو أنتحل بعضهم من غير حجة؟ وأزعم أن الصواب في قولـه؟ » .
وقال مبينا موقفه من علماء الأمة ، الأئمة الأربعة وغيرهم :
« وأما ما ذكرتم : من حقيقة الاجتهاد ، فنحن مقلدون الكتاب والسنة ، وصالح - ص 103 - سلف الأمة ، وما عليه الاعتماد ، من أقوال الأئمة الأربعة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس ، وأحمد بن حنبل ، رحمهم الله تعالى » .
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :
« ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله ، بالتفاسير المتداولة المعتبرة ، ومن أجلها لدينا : تفسير ابن جرير ، ومختصره لابن كثير الشافعي ، وكذا البغوي ، والبيضاوي ، والخازن ، والحداد ، والجلالين ، وغيرهم. وعلى فهم الحديث ، بشروح الأئمة المبرزين : كالعسقلاني ، والقسطلاني ، على البخاري ، والنووي على مسلم ، والمناوي على الجامع الصغير.
ونحرص على كتب الحديث ، خصوصا : الأمهات الست ، وشروحها؛ ونعتني بسائر الكتب ، في سائر الفنون ، أصولا ، وفروعا ، وقواعد ، وسيرا ، ونحوا ، وصرفا ، وجميع علوم الأمة » .
14 ديسمبر، 2014 12:11 م
SIIDreda REDASID يقول...
منهجهم في العقيدة تفصيلا واقتفاؤهم عقيدة السلف الصالح
التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة ومجانبة الفرق المفارقة :
لقد التزم الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة وسائر أتباعها منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة اعتقادا وقولا وعملا ، وصرح الإمام بذلك فقال : « أشهد الله ومن حضرني من الملائكة ، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة » .
ثم ذكر الاعتقاد مفصلا وقال : « والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية ، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية ، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية ، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج » .
وقال مخاطبا كل المسلمين :
« من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه من المسلمين : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : أخبركم أني - ولله الحمد - عقيدتي وديني الذين أدين الله به ، مذهب أهل السنة والجماعة ، الذي عليه أئمة المسلمين ، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم ، إلى يوم القيامة » .
وقال في رسالته للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي ، ابن العالم العراقي المشهور ، بنحو الكلام السابق : « وأخبرك أني - والله - متبع لست بمبتدع ، عقيدتي وديني الذي أدين الله به ، مذهب أهل السنة والجماعة ، الذي عليه أئمة المسلمين ، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم ، إلى يوم القيامة » .
والناظر فيما ذكره الشيخ وأتباعه وقرروه وكتبوه من تفصيلات أصول العقيدة ومسائلها ، يجد أن ذلك ليس مجرد دعوى ، فقد التزموا مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة في كل ذلك جملة وتفصيلا .
- ص 106 - ويقول حفيد الإمام : إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ، مبينا أن منهج الشيخ ما كان عليه السلف الصالح :
« قد عرف واشتهر ، واستفاض من تقارير الشيخ ، ومراسلاته ، ومصنفاته ، المسموعة المقروءة عليه ، وما ثبت بخطه ، وعرف واشتهر من أمره ، ودعوته ، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته ، أنه على ما كان عليه السلف الصالح ، وأئمة الدين ، أهل الفقه ، والفتوى ، في باب معرفة الله ، وإثبات صفات كماله ، ونعوت جلاله ، التي نطق بها الكتاب العزيز ، وصحت بها الأخبار النبوية ، وتلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم ، يثبتونها ، ويؤمنون بها ، ويمرونها كما جاءت ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وقد درج على هذا من بعدهم من التابعين ، من أهل العلم ، والإيمان ، من سلف الأمة؛ كسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وسليمان بن يسار ، وكمجاهد بن جبر ، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، وأمثاله؛ كعلي بن الحسين ، وعمر بن عبد العزيز ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومالك بن أنس ، وابن أبي ذئب ، وكحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، والفضيل بن عياض ، وابن المبارك ، وأبي حنيفة النعمان بن ثابت ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والبخاري ، ومسلم ، ونظرائهم من أهل الفقه والأثر؛ لم يخالف هذا الشيخ ما قالوه ، ولم يخرج عما دعوا إليه واعتقدوه » .
وقولهم في الإيمان وأركانه وحقيقته ومسائله قول السلف الصالح أهل السنة والجماعة جملة وتفصيلا إذ يؤمنون بأركان الإيمان الستة كما جاءت في حديث جبريل ، وكذلك يقولون بقول السلف في حقيقة الإيمان ومسائله فيعتقدون أن الإيمان قول وعمل ، - ص 107 - (اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح) وأنه شعب يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وأنه يجوز الاستثناء في الإيمان .
يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب : « وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق » .
عقيدتهم في الله تعالى وأسمائه وصفاته.
إن عقيدة من يسميهم الخصوم (الوهابية) في أسماء الله وصفاته وأفعاله وغيرها ، هي : عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة ، من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأهل الحديث وسائر أئمة الدين المعتبرين.
ففي أسماء الله تعالى وصفاته ، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب : « ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله – سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي لـه ولا كفء لـه ، ولا ند لـه ، ولا يقاس بخلقه ، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل ، فقال تعالى : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين [سورة الصافات ، آية : 180 - 182 ]» .
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، مبينا أن عقيدتهم هي العقيدة التي كان عليها علماء السلف : « وهي أنا نقرأ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها - إلى الله تعالى - فإن مالكا - وهو من أجل علماء السلف - لما سئل عن الاستواء في قولـه تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5] ، قال الاستواء معلوم - ص 108 - والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة » .
وقد بين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مذهب السلف الصالح في كتابه ( جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية ) قائلا : « مذهب السلف الصالح رحمهم الله : إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، وعلى هذا مضى السلف كلهم ، ولو ذهبنا نذكر ما اطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرج بنا عن المقصود في هذا الجواب ، فمن كان قصده الحق وإظهار الصواب اكتفى بما قدمناه » .
ولما سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر بن معمر ، عن آيات الصفات الواردة في الكتاب ، كقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5] ، وكذلك قولـه : ولتصنع على عيني [سورة طه ، آية : 39] ، وقولـه : أسمع وأرى [سورة طه ، آية : 46] وقولـه : بل يداه مبسوطتان [سورة المائدة ، آية : 64] ، وقولـه : لما خلقت بيدي [سورة ص ، آية : 75] ، وقولـه : وجاء ربك والملك صفا صفا [سورة الفجر ، آية : 22] ، وقولـه : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة [سورة الزمر ، آية : 67] ، وغير ذلك في القرآن .
ومن السنة قولـه : قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن وكذلك النفس ، وقولـه : إن ربكم ليضحك وقولـه : حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط وغير ذلك مما لا يحصره هذا القرطاس ، وعلى ما تحملون هذه الآيات وهذه الأحاديث؟
- ص 109 - أجابوا بقولـهم : « الحمد لله رب العالمين ، قولنا فيها ما قال الله ورسوله ، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها من أصحاب رسول الله ، ومن اتبعهم بإحسان ، وهو الإقرار بذلك ، والإيمان من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، كما قال الإمام مالك لما سئل عن قولـه : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5] ، كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك وعلته الرحضاء - يعني العرق - وانتظر القوم ما يجيء منه ، فرفع رأسه إليه ، وقال : الاستواء مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وأحسبك رجل سوء ، وأمر به فأخرج ، ومن أول الاستواء باستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك ، وسلك غير سبيله ، وهذا الجواب من مالك في الاستواء شاف كاف ، في جميع الصفات مثل النزول والمجيء واليد والوجه وغيرها ، فيقال في النزول : والنزول معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وهذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة » .
وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتابه (تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي ) عن معتقد السلف الصالح في هذا الباب ، ردا على من رماهم بالتشبيه :
« وسئل الشيخ : حمد بن ناصر بن معمر - رحمه الله تعالى - : وما قولكم أدام الله النفع بعلومكم ، في آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك ، مثل قولـه : يد الله فوق أيديهم [سورة الفتح ، آية : 10] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ينـزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا وقولـه صلى الله عليه وسلم : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن إلى غير ذلك مما ظاهره يوهم التشبيه؛ فأفيدونا عن اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - تعالى في ذلك؟ وكيف مذهبه؟ ومذهبكم من بعده؟ هل تمرون ما ورد من ذلك على ظاهره ، مع التنزيه؟ أم تؤولون؟ ابسطوا الكلام على ذلك ، وأجيبوا جوابا شافيا ، تغنموا أجرا وافيا » .
- ص 110 - فأجاب بما نصه : « الحمد لله رب العالمين ، قولنا في آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك ، ما قاله الله ورسوله ، وما قاله سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ، وغيرهم من علماء المسلمين ، فنصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه ، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل بل نؤمن بأنه الله سبحانه : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [سورة الشورى ، آية : 11] ، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا نحرف الكلم عن مواضعه ، ولا نلحد في أسماء الله وآياته ، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي لـه ، ولا كفو لـه ، ولا ند لـه ، ولا يقاس بخلقه ، - رضي الله عنه - عما يقول الظالمون علوا كبيرا؛ فهو سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، بل يوصف بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله ، من غير تكييف ولا تمثيل خلافا للمشبهة ، ومن غير تحريف ولا تعطيل خلافا للمعطلة.
فمذهبنا مذهب السلف إثبات بلا تشبيه ، وتنزيه بلا تعطيل ، وهو مذهب أئمة الإسلام ، كمالك ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، والإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وهو اعتقاد المشائخ المقتدى بهم ، كالفضيل بن عياض ، وأبي سليمان الداراني ، وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم ، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين ، وكذلك أبو حنيفة - رضي الله عنه - فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء ، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة ، قال الإمام أحمد - رحمه الله - : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتجاوز القرآن ، والحديث ، وهكذا مذهب سائرهم ، كما سننقل عباراتهم بألفاظ إن شاء الله تعالى.
ومذهب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - هو ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة المذكورون ، فإنه يصف الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتجاوز القرآن والحديث ، ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين ، الذين هم أعلم هذه الأمة بهذا الشأن نفيا وإثباتا ، وهم أشد تعظيما لله ، وتنزيها لـه عما لا يليق بجلاله ، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه .
إن عقيدة من يسميهم الخصوم (الوهابية) في أسماء الله وصفاته وأفعاله وغيرها ، هي : عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة ، من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأهل الحديث وسائر أئمة الدين المعتبرين.
ففي أسماء الله تعالى وصفاته ، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب : « ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله – سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي لـه ولا كفء لـه ، ولا ند لـه ، ولا يقاس بخلقه ، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل ، فقال تعالى : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين [سورة الصافات ، آية : 180 - 182 ]» .
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، مبينا أن عقيدتهم هي العقيدة التي كان عليها علماء السلف : « وهي أنا نقرأ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها - إلى الله تعالى - فإن مالكا - وهو من أجل علماء السلف - لما سئل عن الاستواء في قولـه تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5] ، قال الاستواء معلوم - ص 108 - والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة » .
وقد بين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مذهب السلف الصالح في كتابه ( جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية ) قائلا : « مذهب السلف الصالح رحمهم الله : إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، وعلى هذا مضى السلف كلهم ، ولو ذهبنا نذكر ما اطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرج بنا عن المقصود في هذا الجواب ، فمن كان قصده الحق وإظهار الصواب اكتفى بما قدمناه » .
ولما سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر بن معمر ، عن آيات الصفات الواردة في الكتاب ، كقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5] ، وكذلك قولـه : ولتصنع على عيني [سورة طه ، آية : 39] ، وقولـه : أسمع وأرى [سورة طه ، آية : 46] وقولـه : بل يداه مبسوطتان [سورة المائدة ، آية : 64] ، وقولـه : لما خلقت بيدي [سورة ص ، آية : 75] ، وقولـه : وجاء ربك والملك صفا صفا [سورة الفجر ، آية : 22] ، وقولـه : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة [سورة الزمر ، آية : 67] ، وغير ذلك في القرآن .
ومن السنة قولـه : قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن وكذلك النفس ، وقولـه : إن ربكم ليضحك وقولـه : حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط وغير ذلك مما لا يحصره هذا القرطاس ، وعلى ما تحملون هذه الآيات وهذه الأحاديث؟
- ص 109 - أجابوا بقولـهم : « الحمد لله رب العالمين ، قولنا فيها ما قال الله ورسوله ، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها من أصحاب رسول الله ، ومن اتبعهم بإحسان ، وهو الإقرار بذلك ، والإيمان من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، كما قال الإمام مالك لما سئل عن قولـه : الرحمن على العرش استوى [سورة طه ، آية : 5] ، كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك وعلته الرحضاء - يعني العرق - وانتظر القوم ما يجيء منه ، فرفع رأسه إليه ، وقال : الاستواء مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وأحسبك رجل سوء ، وأمر به فأخرج ، ومن أول الاستواء باستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك ، وسلك غير سبيله ، وهذا الجواب من مالك في الاستواء شاف كاف ، في جميع الصفات مثل النزول والمجيء واليد والوجه وغيرها ، فيقال في النزول : والنزول معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وهذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة » .
وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتابه (تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي ) عن معتقد السلف الصالح في هذا الباب ، ردا على من رماهم بالتشبيه :
« وسئل الشيخ : حمد بن ناصر بن معمر - رحمه الله تعالى - : وما قولكم أدام الله النفع بعلومكم ، في آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك ، مثل قولـه : يد الله فوق أيديهم [سورة الفتح ، آية : 10] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ينـزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا وقولـه صلى الله عليه وسلم : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن إلى غير ذلك مما ظاهره يوهم التشبيه؛ فأفيدونا عن اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - تعالى في ذلك؟ وكيف مذهبه؟ ومذهبكم من بعده؟ هل تمرون ما ورد من ذلك على ظاهره ، مع التنزيه؟ أم تؤولون؟ ابسطوا الكلام على ذلك ، وأجيبوا جوابا شافيا ، تغنموا أجرا وافيا » .
- ص 110 - فأجاب بما نصه : « الحمد لله رب العالمين ، قولنا في آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك ، ما قاله الله ورسوله ، وما قاله سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ، وغيرهم من علماء المسلمين ، فنصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه ، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل بل نؤمن بأنه الله سبحانه : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [سورة الشورى ، آية : 11] ، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا نحرف الكلم عن مواضعه ، ولا نلحد في أسماء الله وآياته ، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي لـه ، ولا كفو لـه ، ولا ند لـه ، ولا يقاس بخلقه ، - رضي الله عنه - عما يقول الظالمون علوا كبيرا؛ فهو سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، بل يوصف بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله ، من غير تكييف ولا تمثيل خلافا للمشبهة ، ومن غير تحريف ولا تعطيل خلافا للمعطلة.
فمذهبنا مذهب السلف إثبات بلا تشبيه ، وتنزيه بلا تعطيل ، وهو مذهب أئمة الإسلام ، كمالك ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، والإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وهو اعتقاد المشائخ المقتدى بهم ، كالفضيل بن عياض ، وأبي سليمان الداراني ، وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم ، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين ، وكذلك أبو حنيفة - رضي الله عنه - فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء ، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة ، قال الإمام أحمد - رحمه الله - : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتجاوز القرآن ، والحديث ، وهكذا مذهب سائرهم ، كما سننقل عباراتهم بألفاظ إن شاء الله تعالى.
ومذهب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - هو ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة المذكورون ، فإنه يصف الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتجاوز القرآن والحديث ، ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين ، الذين هم أعلم هذه الأمة بهذا الشأن نفيا وإثباتا ، وهم أشد تعظيما لله ، وتنزيها لـه عما لا يليق بجلاله ، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه .
- ص 111 - وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة :
وما قرره الإمام عبد الوهاب وسائر أئمة الدعوة هو مذهب كافة السلف والأئمة الأربعة وإليك البيان :
قول الإمام مالك :
فعن جعفر بن عبد الله ، قال : « كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ، الرحمن على العرش استوى ، كيف استوى ؟ فما وجد مالك شيء ما وجد من مسألته ، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود ، وقال : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأظنك صاحب بدعة ، وأمر به فأخرج » .
قول الإمام الشافعي :
وكذلك الإمام الشافعي قال : « نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة ، وننفي التشبيه عنه كما نفاه عن نفسه فقال : ليس كمثله شيء [سورة الشورى ، آية : 11] » .
يقول : وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما يؤمن به ، فقال : لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته ، لا يسع أحدا من خلق الله تعالى قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل به ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول به ، فيما روي عنه العدل.
فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله ، وأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر معذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والفكر.
ونحو ذلك إخبار الله سبحانه إيانا ، أنه سميع بصير ، وأن لـه يدان ، يقول : بل يداه مبسوطتان [سورة المائدة ، آية : 64] ، - ص 112 - وأن لـه يمينا ، بقولـه : والسماوات مطويات بيمينه [سورة الزمر ، آية : 67] ، وأن لـه وجها ، بقوله : كل شيء هالك إلا وجهه [سورة القصص ، آية : 88] وقولـه : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [سورة الرحمن ، آية : 27] ، وأن لـه قدما لقولـه صلى الله عليه وسلم : حتى يضع الرب فيها قدمه يعني جهنم ، وأنه يضحك من عبده المؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله : إنه لقي الله وهو يضحك إليه وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك وأنه ليس بأعور لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الدجال ، فقال : إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر وأن لـه إصبعا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل فإن هذه المعاني التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما لا يدرك حقيقة ذلك بالفكر والروية.
ولا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها ، وإن كان الوارد بذلك خبرا يقوم بالفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة بما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه تعالى ، فقال : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » [سورة الشورى ، آية : 11] .
- ص 113 - قول الإمام أبي حنيفة :
وقال الإمام أبو حنيفة في تقرير عقيدته - عقيدة السلف - في الصفات : « لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف ، وهو قول أهل السنة والجماعة وهو يغضب ويرضى ، ولا يقال : غضبه عقوبته ورضاه ثوابه ، ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن لـه كفوا أحد ، وحي قادر سميع عليم بصير عالم ، يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه » .
وقال : « ولـه يد ووجه ونفس ، كما ذكره الله تعالى في القرآن ، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس ، فهو لـه صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال » وقال : « ولا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ، ولا يقول فيه برأيه شيئا تبارك الله وتعالى رب العالمين » .
لقد رمى خصوم الدعوة إمامها وأتباعها وأهل السنة جميعا بفرية عظيمة وداهية كبرى هي وصفهم بأنهم في أسماء الله وصفاته (مجسمة).
- ص 114 - ولكن النقول والنصوص السابقة تثبت أن الإمام محمد بن عبد الوهاب وسائر علماء الدعوة السلفية بريئون مما رماهم به خصومهم أهل البدع من أنهم مجسمة ومشبهة ، والحق أنهم كانوا على سبيل المؤمنين ، وهو منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته ، كما هو كذلك في كل أصول الدين .
إن المنهج والأسلوب الذي سلكه المخالفون أهل الأهواء والبدع من خصوم السنة المعاصرين في اتهام الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من علماء الدعوة السلفية وأتباعهم ، هو نفسه المنهج والأسلوب الذي سلكه خصوم السلف الصالح أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع والافتراق في كل زمان .
ومنذ أن نشأت بدع الجهمية والمعتزلة وسائر أهل الكلام المعطلة والمؤولة ، ومقالاتهم البدعية التي ينفون بها أسماء الله وصفاته ويؤولونها أو بعضها نشأت معها دعوى أن إثبات الأسماء والصفات لله تعالى أو بعضها نوع من التجسيم والتشبيه. ومن أجل ذلك سموا من يثبت أسماء الله وصفاته كما جاءت في القرآن وصحيح السنة ، مجسما ومشبها ونحو ذلك .
ومن هنا فإن وصف أهل السنة والجماعة ، السلف الصالح بأنهم مجسمة ومشبهة ظهر في أوائل القرن الثاني الهجري على لسان طلائع تلك الفرق الكلامية.
وقد أعلن الإمام محمد بن عبد الوهاب ما يرد هذه الفرية ، بقوله السابق ذكره ومنه : « ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله – سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي لـه ، ولا كفء لـه ولا ند لـه ولا يقاس بخلقه » .
وساق الإمام مذهب السلف الصالح ، أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته؛ على أنه اعتقاده ، فكيف يرمونه ويرمون سائر سلف الأمة بالتجسيم؟! نعم لأن أهل البدع والأهواء يزعمون أن الإثبات الحق تجسيم والمثبت عندهم مجسما ، والله حسبنا ونعم الوكيل .
- ص 115 - وقد أنكر الإمام محمد بن عبد الوهاب نفسه ، هذه الشبهة وبين أن أهل الكلام والبدع يسمون طريقة الرسول والسلف الصالح في إثبات صفات الله تعالى تشبيها وتجسيما ، فيقول : « ومما يهون عليك مخالفة من خالف الحق ، وإن كان من أعلم الناس وأذكاهم ، وأعظمهم جاها ، ولو اتبعه أكثر الناس ، وما وقع في هذه الأمة من افتراقهم في أصول الدين ، وصفات الله تعالى ، وغالب من يدعي المعرفة ، وما عليه المخالفون المتكلمون ، وتسميتهم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حشوا وتشبيها وتجسيما ، مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام - مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد ، وهو أصل - تجد الكتاب من أولـه إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله ، ولا حديث عن رسول الله ، اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه .
وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي ، بل من عقولهم ، معترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك » .
وقال الدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف ، بعد أن ساق أقوال الإمام محمد وبعض علماء الدعوة : « وأخيرا ندرك - من خلال النصوص السابقة - طريق النجاة الذي سلكه أئمة هذه الدعوة السلفية ، تأسيا واقتداء بالرعيل الأول ، من وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا يتجاوزون القرآن والحديث في ذلك.
ونلاحظ أن مزاعم خصوم هذه الدعوة السلفية التي تكذب على إمام الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وتبهته بأنه مجسم ومشبه في الصفات ، نلاحظ أن من مبررات الخصوم في القذف بهذا البهتان هو أن الشيخ - رحمه الله - وكذا أتباعه من بعده كسائر السلف ، يثبتون جميع الصفات التي وردت في الكتاب والسنة ، ويمرونها - كما جاءت - على ظاهرها دون تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ، ويفوضون العلم بالكيفية إلى الله – سبحانه وتعالى - .
فجعل الخصوم هذا الإثبات مبررا في رمي الشيخ بالتشبيه والتجسيم ، لذا يأتي مع هذه الفرية غالبا بيان لبعض الصفات التي يثبتها الشيخ لله - عز وجل - وهو كما تقدم لا يصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم . .. مثل صفة الاستواء والعلو والنزول ونحوها ، ويسوق - ص 116 - الخصوم هذا الإثبات زعما منهم أنه تجسيم وتشبيه ، ولا يكتفون بذلك بل يختلقون زيادة في الإفك والبهتان ، فيزعمون أن الشيخ يثبت لله الجلوس والجنب واللسان ، بل يكذبون عليه أشنع من قبل ، ويبهتونه بأنه يقول إن الله جسم كالحيوان... تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا » .
وقال : « وبهذا يتضح من مزاعم هؤلاء الخصوم - من أهل البدع - أنهم يلصقون فرية التشبيه والتجسيم بالإمام وأنصار دعوته ، وبكافة السلف الصالح أهل السنة والجماعة ، بحجة أنهم يأخذون بظواهر النصوص في آيات الصفات وأحاديثها.
وإذا انتقلنا إلى مقام الدحض والرد لفرية التجسيم والتشبيه ، فإن من أبلغ الردود وأقواها ما أوردناه من النقول المتعددة التي تصرح بإثبات الصفات لله – سبحانه وتعالى - على ما يليق بجلاله وعظمته ، إثباتا بلا تمثيل ولا تكييف.
وقد أظهر علماء السنة الحجج الدامغة والبراهين الساطعة في دحض هذه الفرية الكاذبة الخاطئة » .
فقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرد على الذي زعم أن إثبات الصفات يلزم منه التجسيم : « قولـه : وقد أردت أن تنزه ربك بما يلزم منه التجسيم كذب ظاهر؛ لأنا قد بينا أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله حق وصدق وصواب ، ولازم الحق حق بلا ريب ، ولا نسلم أن ذلك يلزم منه التجسيم ، بل جميع أهل السنة المثبتة للصفات يتنازعون في ذلك ، ويقولون لمن قال لهم ذلك لا يلزم منه التجسيم ، كما لا يلزم من إثبات الذات لله تعالى ، والحياة والإرادة والكلام تجسيم وتكييف عند المنازع ، ومعلوم أن المخلوق لـه ذات ويوصف بالحياة والقدرة والإرادة والكلام ، ومع هذا لا يلزم من إثبات ذلك لله تعالى إثبات للتجسيم والتكييف تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومعلوم أن هذه الصفات في حق المخلوق إما جواهر وإما أعراض ، وأما في حقه تبارك وتعالى فلا يعلمها إلا هو بلا تفسير ولا تكييف » .
وكذلك عقيدتهم في القرآن لا تخرج عما أجمع عليه السلف الصالح .
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب : « وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم » .
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن :
« ونعتقد : أن القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأن الله تكلم به حقيقة ، وسمعه جبرائيل من الباري سبحانه ، ونزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نقول بقول الأشاعرة ، ولا غيرهم ، من أهل البدع » .
عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل
وكذلك عقيدتهم في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل جملة وتفصيلا كما جاءت بها النصوص وهذه الأصول الثلاثة لم يرد عليهم فيها مزاعم تذكر من خصومهم ولذلك لا نحتاج إلى الوقف عندها طويلا ، ونكتفي بما قاله الإمام محمد بن عبد الوهاب « أشهد الله ومن حضرني من الملائكة ، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرق الناجية أهل السنة والجماعة ، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.. » .
عقيدتهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقوقه وخصائصه :
أهل السنة والجماعة - السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان - ومنهم الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه - هم أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم الذين يحبونه حق المحبة ، ويوقرونه حق التوقير ، فهم الذين اتبعوا سنته ، والتزموا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم - ص 118 - هو وأصحابه ، وأخذوا بوصيته بالتزام السنة والجماعة ، والحذر من الفرقة والبدع ومحدثات الأمور ، ولا يزالون على الحق والسنة ، ظاهرين بحمد الله وسعوا إلى نيل أسمى المطالب وهي محبة الله تعالى ورضاه التي لا تدرك إلا بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه كما أمر الله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [سورة آل عمران ، آية(31).] فالإمام محمد بن عبد الوهاب - وهو أحد أئمة السنة - وأتباعه وسائر أهل السنة اليوم - وقبل وبعد - إنما هم على أثر السلف الصالح ، في تحقيق ما أمر الله به من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته وتوقيره واتباع سنته والدعوة إليها وحماية حقوقه صلى الله عليه وسلم ، وحقوق آله وصحابته وزوجاته أمهات المؤمنين والإيمان كشفاعته وحوضه .
وأنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين ، وخاتم النبيين والمرسلين.
وأن من توقيره وتعظيمه ألا يرفع إلى مقام الربوبية والألوهية ونحوها مما هو من خصائص الرب عز وجل .
فالذين اتهموا الإمام وأتباعه ويسمونهم (الوهابية) بأنهم ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم أو يبغضونه ، أو ينكرون شيئا من فضائله أو حقوقه ، ونحو ذلك من المزاعم .
إنما قالوا بهتانا وزورا ، والناظر في حقيقة الأمر يعلم بداهة أنه ما يفتري ذلك إلا جاهل ، أو مبتدع ، أو مقلد على غير بصيرة ، وحاسد ومغرض ، أو صاحب هوى أضله هواه عن سبيل الحق ، كما سيأتي بيانه في الفصل الثالث .
إن هذه المفتريات ونحوها كلها تخالف الحقيقة والواقع ، والبرهان الساطع فقد أفصح الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة عن إيمانهم بسائر الحقوق المشروعة لرسوله صلى الله عليه وسلم دون تفريط في مقامه اللائق به صلى الله عليه وسلم ودون إفراط ولا إطراء امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله .
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب : « والرسل : عليهم البلاغ المبين؛ وقد بلغوا البلاغ المبين؛ وخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه كتابه مصدقا لما بين يديه من الكتاب ، - ص 119 - ومهيمنا عليه ، فهو المهيمن على جميع الكتب ، وقد بين أبين بلاغ وأتمه وأكمله ، وكان أنصح الخلق لعباد الله ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وعبد الله حتى أتاه اليقين ، فأسعد الخلق ، وأعظمهم نعيما وأعلاهم درجة : أعظمهم اتباعا لـه ، وموافقة علما وعملا » .
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :
« والذي نعتقده : أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق ، وأنه حي في قبره ، حياة برزخية ، أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل ، إذ هو أفضل منهم بلا ريب ، وأنه يسمع سلام المسلم عليه ، وتسن زيارته ، إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه ، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس ومن أنفق نفيس أوقاته ، بالاشتغال بالصلاة عليه - عليه الصلاة والسلام - الواردة عنه ، فقد فاز بسعادة الدارين ، وكفى همه وغمه ، كما جاء في الحديث عنه » .
وقال الإمام عبد العزيز بن سعود بن محمد في رسالته إلى أحمد بن علي القاسمي :
« وأما قولك : إن أناسا من أصحابنا ينقمون عليكم في تعظيم النبي المختار صلى الله عليه وسلم .
فنقول : بل الله سبحانه افترض على الناس محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتوقيره ، وأن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وأولادهم ، والناس أجمعين ، لكن لم يأمرنا بالغلو فيه ، وإطرائه ، بل هو صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، فيما ثبت عنه في الصحيح ، أنه قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله .
- ص 120 - وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر وهو من كبار علماء الدعوة :
« ونحن - بحمد الله - من أعظم الناس إيجابا لرعاية الرسول صلى الله عليه وسلم ، تصديقا لـه فيما أخبر ، وطاعة لـه فيما أمر ، واعتناء بمعرفة ما بعث به ، واتباع ذلك دون ما خالفه ، عملا بقوله تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [سورة الأعراف ، آية : 3] وقولـه تعالى : وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون [سورة الأنعام ، آية : 155].
وقال الشيخ سليمان بن سحمان :
« من سليمان بن سحمان ، إلى عبد العزيز العلجي ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فقد بلغني أنك استدركت علي فيما تزعم ، كلمات في أبيات ، وذلك في قولي :
على السيد المعصوم والآل كلهم وأصحابـه مـع تـابعي نهجـهم بعد
فزعمت : أنا ننكر ، ونشدد على من قال : سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن هذا مذهبنا أهل "نجد" وهذا كذب ، وافتراء علينا ، ما أنكر ذلك منا أحد ، ولا كان ذلك مذهبنا » .
إلى أن قال : « وأما نحن : فلا ننكر ذلك ، لقولـه صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر وقولـه : إن ابني هذا سيد وقولـه للأنصار : قوموا إلى سيدكم وقولـه : « من سيدكم يا بني سلمة » فقالوا لـه : الجد بن قيس ، على أنا نبجله فينا ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : « بل سيدكم عمرو بن الجموح » إذا فهمت هذا ، فمن أين لك أنا ننكر ذلك ونشدد فيه ؟ ومن حدثك بهذا ؟ أو نقل عنا ؟ وفي أي كتاب وجدت ذلك ؟ وقد كان لي عدة رسائل ، ومناظيم ، وكل ذلك قد ذكرته فيها » .
- ص 121 - رد مزاعم الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون حق النبي صلى الله عليه وسلم :
من أعظم التلبيس الذي سلكه خصوم الإمام (خصوم السنة) وهم أهل البدع والأهواء والافتراق رميهم الإمام وعموم أهل السنة بأنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم ينتقصونه وذلك لأن أهل السنة لا يرفعون النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقام الربوبية والألوهية ، ولا يطرونه كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، وأهل البدع يطرونه ويزعمون أن من لم يفعل ذلك فإنه لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ينتقصه ، وهذا من التلبيس والبهتان ، ومن إغواء الشيطان حيث دخل عليهم من باب التنطع والإطراء.
ولخطورة هذه الافتراءات ورواجها بين الذين يجهلون الحقيقة وينساقون وراء تضليلات الخصوم والمغرضين والحاسدين ، دون تثبت ولا روية ولا تبصر ، أسوق مزيدا من الأقوال والنقول التي تكشف زيف هؤلاء الخصوم ويتبين الحق لمن يريده :
فإن خصوم الإمام وهم خصوم السنة وأهلها من أهل الأهواء والافتراق والبدع ومن شايعهم سلكوا مسلك الكذب والافتراء في كثير من الأحيان ، وأحيانا أخرى مسلك التلبيس والتمويه ، فمن ذلك :
قول أحدهم : « أنه (يعني الإمام محمد بن عبد الوهاب ) أحرق دلائل الخيرات لأجل قول سيدنا ومولانا » وأنه قال : « الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها هي بدعة وضلالة تهوي بصاحبها إلى النار » وأن « تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم شرك » وزعموا أنه قال : « لو أقدر على حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هدمتها » وأنه « يحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم » .
وهذا كله كذب صريح وقد تبرأ منه الإمام نفسه وقال بعد أن ساق هذه المفتريات وغيرها : « سبحانك هذا بهتان عظيم » وفي مقام آخر قال في هذه المزاعم ونحوها « فكل هذا كذب وبهتان مما افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل... » .
- ص 122 - وقد قال في رده على أحد الذين بهتوه بانتقاص النبي صلى الله عليه وسلم : « سبحانك هذا بهتان عظيم ، وقبله من بهت محمد صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين ، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور... » .
وقال في رد مقولة أنه ينهى عن الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « وأما إحراقها (يعني كتاب دلائل الخيرات) والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كان ، فنسبة هذا إلي من الزور والبهتان » .
ويقول صاحب كتاب (المقالات الوفية) مفتريا على الإمام : « وكذا تنقيصه الرسل والأنبياء وهدم قببهم... ومنعه من قراءة خبر مولد الــنـبي صلى الله عليه وسلم ، وضرب رقاب من يناجي في المنارة للـصلاة عـــلى النـبـي صلى الله عليه وسلم » وهذا من الكذب والتلبيس على الإمام محمد وأتباعه ، أما القباب فهي من البدع التي جاء النهي الصريح عنها في السنة وفي هدمها إزالة للبدع ، وكذلك قراءة خبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم والنداء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما يفعله المبتدعة من المحدثات والبدع .
ويقول صاحب كتاب (تبيين الحق والصواب) عن أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب : « ومما يدل على استنقاصهم واستخفافهم لقدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذه اللفظة المجردة عن الأدب والحياء وهي ( محمد لا يعلم الغيب) . ونقول لـه : إنه ليس من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعي لـه شيئا من خصائص الرب تعالى وهو علم الغيب ، فهو لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله إياه ، قال الله عز وجل لـه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون [سورة الأعراف ، آية : 188] .
وهذه المقولات كلها أكاذيب ومفتريات وإفك ظاهر ، ونبدأ في كشف هذا الإفك العظيم بما ذكره الشيخ محمد منظور النعماني في كتابه (دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) قال : « وقد سمعت وقتئذ أكذوبة عجيبة : أن رجلا يحمل اسم عبد الوهاب - ص 123 - النجدي وكان يتزعم الطائفة الوهابية ، كان قد بلغ من عدوانه للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن ورد المدينة المنورة يتظاهر بالصلاح والتقوى... وسكن بيتا على الكراء من أجل أن يتخذ في داخل الأرض سربا من بيته إلى روضة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن من العبث بالجثة المطهرة - نعوذ بالله من ذلك - إلا أنه لم يستطع تحقيق أمنيته حيث تراءى النبي في المنام للملك الذي كان يحكم الحجاز آنذاك ، وقال لـه في المنام : إن رجلا من نجد خبيثا رقيعا يتخذ النفق في الأرض من أجل الغرض الخبيث ، فبحث الملك عن الرجل عبد الوهاب النجدي ، وقبض عليه فعلا وضرب عنقه .
ولا أزال أذكر أن الناس كانوا يتناقلون هذه الأكذوبة كحقيقة تاريخية معلومة مقررة ، ولذلك فلم أشك فيها قط ، لأني لم أجد أحدا يرفضها أو يشك فيها » .
ويقول الإمام نفسه في تكذيب المزاعم : « وما ذكره المشركون علي أني أنهى عن الصلاة على النبي ، أو أني أقول لو أن لي أمرا هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم أو أني أتكلم في الصالحين ، أو أنهى عن محبتهم ، فكل هذا كذب وبهتان ، افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل » .
ويقول في رسالته إلى الشيخ عبد الرحمن السويدي أحد علماء العراق مفندا ما نسب إليه : « يا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل ، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون ، وكذلك قولهم أنه يقول لو أقدر أهدم قبة النبي صلى الله عليه وسلم لهدمتها (أي من البهتان) ، وأما (دلائل الخيرات) فله سبب ، وذلك أني أشرت إلى من قبل نصيحتي من إخواني ، أن لا يصير في قلبه أجل من كتاب الله ، ويظن أن القراءة فيه أجل من قراءة القرآن ، وأما إحراقه والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كان فهذا من البهتان » .
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مبينا المنهج الذي كانوا عليه إبان دخولهم مكة عام (1218هـ) : « وأما ما يكذب علينا : سترا للحق ، وتلبيسا على الخلق ، - ص 124 - بأنا نفسر القرآن برأينا ، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا ، من دون مراجعة شرح ، ولا معول على شيخ ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا : النبي رمة في قبره ، وعصا أحدنا أنفع لـه منه ، وليس لـه شفاعة ، وأن زيارته غير مندوبة ، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، حتى أنزل عليه فاعلم أنه لا إله إلا الله ، مع كون الآية مدنية... » إلى أن قال : « فجميع هذه الخرافات ، وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا ، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، فمن روى عنا شيئا من ذلك ، أو نسبه إلينا ، فقد كذب علينا وافترى .
ومن شاهد حالنا ، وحضر مجالسنا ، وتحقق ما عندنا ، علم قطعا : أن جميع ذلك وضعه ، وافتراه علينا ، أعداء الدين ، وإخوان الشياطين » .
إلى أن قال : « والذي نعتقده : أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق ، وأنه حي في قبره حياة برزخية ، أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنـزيل ، إذ هو أفضل منهم بلا ريب ، وأنه يسمع سلام المسلم عليه ، وتسن زيارته ، إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه ، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس ، ومن أنفق نفيس أوقاته ، بالاشتغال بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم الواردة عنه ، فقد فاز بسعادة الدارين ، وكفى همه وغمه ، كما جاء في الحديث عنه » .
وقال الشيخ عبد الله بن سليمان البليهد : « فحق النبي صلى الله عليه وسلم محبته المقدمة على محبة النفس والولد والأهل والمال وتصديقه وطاعته » .
وقال الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في رسالته إلى أحمد بن علي القاسمي : « وأما قولك أن ناسا من أصحابنا ينقمون عليكم في تعظيم النبي المختار صلى الله عليه وسلم ، فنقول بل الله سبحانه افترض على الناس محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ، وأن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم والناس أجمعين ، لكن لم يأمرنا بالغلو فيه وإطرائه ، بل هو صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك » .
ويقول الشيخ محمد بن عثمان الشاوي في كتابه (القول الأسد في الرد على الخصم - ص 125 - الألد) ردا على خصوم الدعوة السلفية : « وقد رموهم بعظائم يعلم الله تعالى أنها لم تصدر منهم ، ونسبتهم إلى تنقص الرسول وعدم الصلاة عليه ، وما ذاك إلا أنهم لم يغلوا امتثالا لقولـه : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وإلا فهم بحمد الله أعظم الناس محبة للرسول ومتابعة لـه ، ورعاية لحقه ، وهو أجل في عيونهم من أن يخالفوا سنته ، أو يخالفوا أقواله ، بمجرد العوائد الباطلة ، أو الأقيسة الفاسدة ، بخلاف كثير من هؤلاء الذين جمعوا بين الإفراط والتفريط ، فأفرطوا بالغلو فيه وإطرائه ، حتى رفعوه من منزلة العبودية إلى منزلة الإلهية والربوبية ، وفرطوا في اتباعه ، فنبذوا سنته وراء ظهورهم ، ولم يعبئوا بأقواله ، وخالفوا نصوصه الصريحة الصحيحة بغير مسوغ ، ولم يكتفوا بذلك حتى جعلوا يعيبون على من جد واجتهد في اتباعه ، لما ألفوه من العوائد الباطلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما حقه هو تعزيره وتوقيره واتباع ما جاء به ، واقتفاء أثره ، وتصديقه ، وتقديم محبته على الأهل والمال ، وأما العبادة فهي لـه وحده ، لا يشركه فيها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل » .
ويقول مسعود الندوي في كتابه ( محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه) : « إن الزمان لغريب ، وإن نوادره لعجيبة ، فالرجل الذي يقوم ويقعد وينام تحت ظل ظليل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكأنها هي غطاءه ، وفراشه يتهم بإنكار الحديث » .
ويقول صاحب كتاب (النفخة على النفحة) ردا على هذه الفرية : « وأما المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا تظن أن أحدا من المسلمين على كرة الأرض يهم بتنقيصه ، أو يبغضه ، وفي مذهب الحنابلة أن شاتم الرسول يقتل تاب أو لم يتب » .
ويقول صاحب كتاب (النفخة على النفحة) ردا على هذه الفرية : « وأما المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا تظن أن أحدا من المسلمين على كرة الأرض يهم بتنقيصه ، أو يبغضه ، وفي مذهب الحنابلة أن شاتم الرسول يقتل تاب أو لم يتب » .
ويقول الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في كتاب (نقض كلام المفترين ) عن الإمام وأتباعه في تعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق والهدى : « والشيخ محمد - رحمه الله - ألف (مختصر السيرة) ، وقد طبع عدة مرات ، وانتشر في سائر الأقطار ، فلو لم يكن محبا - ص 126 - للرسول لما ألف سيرة لـه ، ومن لا يحب الرسول لا يكون مسلما بل يكون يهوديا أو نصرانيا... والشيخ وأتباعه يحثون الناس على التمسك بسنة الرسول الصحيحة ، ويشددون النكير على من يخالف سنة الرسول ويدعونه مبتدعا ، أما هذا دليل على كمال حبهم وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولكن المنحرفين يرون حب الرسول صلى الله عليه وسلم في قراءة الأناشيد والأشعار والاستغاثات... فمن عمل بهذا فهو محب للرسول ، وإن ارتكب الموبقات وتلطخ بقاذورات المبتدعات ومن لا فلا » .
ويشهد حافظ وهبة بأن ما نسب إلى علماء الدعوة السلفية وأتباعها هم أبرياء منه. فيقول تحت عنوان :
« ما ينسب إلى النجديين وهم أبرياء منه » :
ثم يقول : « لا شك أن الحرب النجدية المصرية في القرن الماضي وما أعقب ذلك من خلاف بين آل سعود والأتراك قد صحبه كثير من الدعايات السيئة ضد النجديين. وكثير من الأشياء التي نسبت إليهم مكذوبة .
1 - لقد نسب إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب والآخذين بدعوته كراهية النبي صلى الله عليه وسلم ، والحط من شأنه وشأن سائر الأنبياء والأولياء الصالحين .
لقد نسب هذا إلى الإمام ابن تيمية وإلى تلاميذه ، كما لا يزال ينسب إلى كثير من العقلاء والمصلحين في الهند وغيرها حتى ممن ليست لهم أي صلة بنجد وأهلها .
إن منشأ هذه النسبة هو أن النجديين استنادا إلى حديث : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى يرون أن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يعملها أحد من الصحابة أو التابعين ، ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سبق ابن تيمية وابن عبد الوهاب طوائف كثيرة من العلماء المتقدمين بهذا الرأي .
2 - إن النجديين يمنعون استقبال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم عند الدعاء ، كما يمنعون السجود عند قبره وقبر غيره ، ويمنعون التمسح والتمرغ عند القبر ، كما يمنعون كل ما من شأنه الاستغاثة أو الطلب مما شاع عمله عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الصالحين في مصر وبغداد والهند وكثير من الأمصار .
- ص 127 - 3 - هدم القباب والأبنية المقامة على القبور وإبطالهم لسائر الأوقاف التي رصدت على القبور والأضرحة :
4 - إنكارهم على البوصيري قولـه في البردة :
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
وقولـه :
ومن علومك علم اللوح والقلم
.
وقولـه :
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فـــضلا وإلا فقـــل يــا زلــة القــدم
فإن هذا القول مجازفة وغلو ، وفيه مخالفة صريحة لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة؛ وهم - فوق هذا - يعتقدون أن من اعتقد هذا على ظاهره فهو مشرك كافر .
فاتهمهم خصومهم بكراهية النبي ، ونسبوا إليهم أقوالا هم أبرياء منها ، نسبوا إليهم القول بأن العصا خير من النبي ، إلى غير ذلك من التهم الباطلة. ولقد سمعت في نجد أن حكام نجد الشمالية أثناء خصومتهم مع آل سعود كانوا يكتبون إلى الأتراك أن آل سعود اتخذوا راية شعارها : لا إله إلا الله محد رسول (بحذف ميم محمد ) أي لا أحد رسول الله ، وهذا كله تنفير للأتراك من خصومهم ، وهم يعلمون حق العلم أن هذا كذب .
ولقد حضر إلى مكة أثناء الحرب الحجازية النجدية في سنة (1925م) بعض أفاضل السنغاليين وتطوان ، وكانوا أثناء حديثهم يبكون لشدة تأثرهم؛ لقد أخبرونا أنهم سمعوا في الإسكندرية أشياء كثيرة تنسب إلى النجديين ، لم يجدوا لها أثرا في الحجاز ، لقد سمعوا من بعض الناس : أن الوهابيين هدموا الكعبة لأنها حجر ، وسمعوا أنهم في الأذان يقولون « أشهد أن لا إله إلا الله » فقط ولا يقولون « أشهد أن محمدا رسول الله » .
إن النجديين أحرص الناس على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم يكرهون الغلو ، ويقاومون البدع مهما كان نوعها ، ومهما كان الدافع لها ، ويقولون : إن المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم هي الاهتداء بهدي الرسول واتباعه ، أما الابتداع وتعطيل الشريعة وتقديم الأهواء فهو كراهة لا محبة ، وفي القرآن الكريم قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني .
وبعد عرض ما كان عليه أهل السنة من تعظيم مقام النبي صلى الله عليه وسلم ورفع مكانته التي فضله الله بها. يحسن الوقوف عند تهمة مكشوفة ، وكذبة ظاهرة لمز بها الإمام محمد بن عبد الوهاب من قبل بعض أهل الأهواء والبدع والافتراق وهي تلكم التهمة الصلعاء التي أثارها بعض خصوم الإمام محمد بن عبد الوهاب حين زعموا أنه يلوح حول دعوى النبوة ، بل زعم بعضهم أنه يدعيها!! وهذه فرية شنيعة وبهتان عظيم .
فإنه في حين لا نجد في منهج الإمام وآثاره وأعماله ما يشير إلى شيء من ذلك - أي دعوى النبوة - فإن العكس هو الواقع المحتم ، إذ أن الإمام أكد في عقيدته ودروسه وشروحه ورسائله وخطبه ومؤلفاته عقيدة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن خلاف ذلك كفر يجب قتل مدعيها ومن يصدقه .
قال فيما يجب على كل مسلم بعد أن ذكر الحقوق الواجبة على المسلم :
« وأعظمها حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأفرضه شهادتك لـه أنه رسول الله ، وأنه خاتم النبيين وتعلم أنك لو ترفع أحدا من الصحابة في منزلة النبوة صرت كافرا » .
وقال : « وأؤمن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته » .
ومن علامات الافتراء والخذلان لمروجي هذه الفرية أن أول من روجها ، وأكثر الذي تابعوه ، زعموا أنه (الإمام محمد بن عبد الوهاب ) ادعى النبوة بلسان حاله ، وأنه كان يضمر دعوى النبوة في قلبه! .
- ص 129 - وهذه حيلة العاجز المهزوم إذ كيف اطلعوا على ما في القلوب مما لا يعلمه إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى ، مع أن الحقيقة الثابتة أنه قال وأعلن الحق بدليله ، ثم ما القرائن التي دلت بلسان الحال على هذه الفرية؟ لم يذكروا شيئا .
ولما شاع هذا البهتان العظيم ، وروجه الخصوم من أهل الأهواء والبدع والافتراق الذين يكرهون السنة وأهلها ، وتلقفته ألسنة الغوغاء والهمج ، من أتباع الفرق والطرق - تصدى لـه علماء السنة في بلاد الشيخ الإمام وغيرها من سائر بلاد المسلمين ، ممن شهدوا بالحق ، وأنصفوا الخلق .
وقال الشيخ سليمان بن سحمان : « إن الشيخ (يعني محمد بن عبد الوهاب ) قد ذكر في كتاب التوحيد ما رواه البرقاني في صحيحه قولـه في الحديث : وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي . .. » إلى آخر الحديث .
وقال (يعني محمد بن عبد الوهاب ) في المسائل المستنبطة من هذا الباب ، « الثامنة : العجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه أنه من هذه الأمة وأن الرسول حق وأن القرآن حق » .
وفيه أن محمدا خاتم النبيين ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح وقد خرج المختار في آخر عهد الصحابة ، فكيف يضمر مع هذا دعوى النبوة ، وكيف يزعم هذا ويرمي به الشيخ رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ، وبهذا تعلم أن هذا من تزوير من شرق بهذا الدين من أعداء الله ورسوله وتنفيرا للناس عن الإذعان لإخلاص التوحيد لله بالعبادة » .
- ص 130 - كما رد الشيخ ناصر الدين الحجازي على هذه الفرية بأسلوب آخر ، وذلك في رسالته "النفخة على النفحة" ، حيث يزعم صاحب كتاب (النفحة الزكية) أن الإمام قد ادعى النبوة ، فكان جواب الشيخ ناصر الدين الحجازي على هذا الإفك : « وأما قولك وكان يضمر دعوى النبوة إلا أنه لم يتمكن من إظهارها فهذه دعوى كشف واطلاع على ما في القلوب ، فهي بين أمرين إما تصريح بالكذب وإما مشاركة لله تعالى في قولـه : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [سورة غافر ، آية : 19] .
فاختر أي الشقين شئت ، وإن كنت مدعيا فعليك الدليل من كتبه التي طبعت في الهند وفي مصر وسارت في الأقطار » .
SIIDreda REDASID يقول...
عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
وعقيدة الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه كسائر السلف الصالح أهل السنة والجماعة في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيثبتون كل ما صح من شفاعاته صلى الله عليه وسلم كالشفاعة العظمى ، والمقام المحمود ، وشفاعته لأهل الكبائر من أمته ، وغيرها .
يقول الإمام محمد : « وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع ، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى كما قال تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [سورة الأنبياء ، آية : 28] ، وقال تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [سورة البقرة ، آية : 255] وقال تعالى : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [سورة النجم ، آية : 26] ، وهو لا يرضى إلا التوحيد؛ ولا يأذن إلا لأهله ، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين [سورة المدثر ، آية : 48]» .
- ص 131 - وهذا ينفي المزاعم والمفتريات التي زعمها خصومهم بأنهم ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال في الرد على الذين يزعمون أنه وسائر أهل السنة ينكرون شفاعة النبي « ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام ، الذين ينفرون الناس عنه ، يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فنقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع ، صاحب المقام المحمود ، نسأل الكريم رب العرش العظيم : أن يشفعه فينا ، وأن يحشرنا تحت لوائه » .
ويقول ابنه الشيخ عبد الله : « ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، حسب ما ورد ، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء ، والملائكة ، والأولياء ، والأطفال حسب ما ورد أيضا؛ ونسألها من المالك لها ، والإذن فيها لمن يشاء من الموحدين ، الذين هم أسعد الناس بها كما ورد ، بأن يقول أحدنا - متضرعا إلى الله تعالى - : اللهم شفع نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة أو : اللهم شفع فينا عبادك الصالحين ، أو ملائكتك ، أو نحو ذلك ، مما يطلب من الله ، لا منهم فلا يقال : يا رسول الله ، أو يا ولي الله لك الشفاعة أو غيرها ، كأدركني ، أو أغثني ، أو اشفني ، أو انصرني على عدوي ، ونحو ذلك ، مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ ، كان من أقسام الشرك ، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ، ولا أثر من السلف الصالح في ذلك؛ بل ورد الكتاب ، والسنة ، وإجماع السلف : أن ذلك شرك أكبر ، قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
SIIDreda REDASID يقول...
عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكذلك عقيدتهم في آل بيت رسول الله لا تخرج عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح من محبة آل البيت ومودتهم ورعاية حقوقهم .
كل ذلك على المنهج الشرعي؛ بلا تقصير كما فعلت الخوارج الناصبة ومن وافقهم ، ولا غلو كما فعلت الرافضة ومن سلك سبيلهم ، فليس من حق آل البيت الغلو فيهم ، ولا اعتقاد قداستهم ، ولا عصمتهم .
- ص 132 - ورعاية حقوق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروطة بشروطها وهي استقامتهم على منهاج النبوة ، أما من خرج عن الحق والسبيل فلا حق لـه .
يقول الشيخ الإمام في حق أحد الأشراف ومبينا خطأ الذين أنكروا هذا الحق .
« وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقا فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد بل هو من الغلو ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل ادعاء الألوهية فيهم أو إكرام المدعي لذلك » .
ويقول الشيخ : عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : « وأما أهل البيت : فقد ورد سؤال على علماء الدرعية في مثل ذلك ، وعن جواز نكاح الفاطمية غير الفاطمي ، وكان الجواب عليه ما نصه : أهل البيت - رضوان الله عليهم - لا شك في طلب حبهم ومودتهم ، لما ورد فيه من كتاب وسنة ، فيجب حبهم ومودتهم ، إلا أن الإسلام ساوى بين الخلق ، فلا فضل لأحد إلا بالتقوى ، ولهم مع ذلك التوقير والتكريم ، والإجلال ، ولسائر العلماء مثل ذلك ، كالجلوس في صدور المجالس ، والبداءة بهم في التكريم ، والتقديم في الطريق إلى موضع التكريم ، ونحو ذلك ، إذا تقارب أحدهم مع غيره في السن والعلم » .
وقال الإمام عبد العزيز بن سعود بن محمد « من عبد العزيز بن سعود : إلى جناب أحمد بن علي القاسمي ، هداه الله ، لما يحبه ويرضاه .
أما بعد :
فقد وصل إلينا كتابك ، وفهمنا ما تضمنه من خطابك ، وما ذكرت من أنه قد بلغكم : أن جماعة من أصحابنا ، صاروا ينتقمون على من هو متمسك بكتاب الله ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن مذهبه مذهب أهل البيت الشريف .
فليكن لديك معلوما أن المتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه أهل البيت الشريف فهو لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .
ولكن الشأن : في تحقيق الدعوى بالعمل » .
ثم قال : « وأما ما ذكرت : من أن مذهب أهل البيت أقوى المذاهب ، وأولاها - ص 133 - بالاتباع ، فليس لأهل البيت مذهب إلا اتباع الكتاب ، والسنة ، كما صح عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قيل لـه : هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ فقال : لا ، والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، إلا فهم يؤتيه الله عبدا في كتابه ، وما في هذه الصحيفة... الحديث ؛ وهو مخرج في الصحيحين » .
وقال : « فإن أصل دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل بيته ، عليهم السلام ، هو : توحيد الله بجميع أنواع العبادة ، لا يدعى إلا هو ، ولا ينذر إلا لـه ، ولا يذبح إلا لـه ، ولا يخاف خوف السر إلا منه ، ولا يتوكل إلا عليه؛ كما دل على ذلك الكتاب العزيز .
فقال تعالى : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [سورة الجن ، آية : 18] ، وقال تعالى : له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء [سورة الرعد ، آية : 14] ، وقال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [سورة النحل ، آية : 36] ، وقال تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون . [سورة الأنبياء ، آية : 25] .
فهذا التوحيد ، هو : أصل دين أهل البيت - عليهم السلام - من لم يأت به ، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته : براء منه ، قال تعالى : وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله [سورة التوبة ، آية : 3] .
ومن مذهب أهل البيت : إقامة الفرائض ، كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، ومن مذهب أهل البيت الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإزالة المحرمات ، ومن مذهب أهل البيت محبة السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان ، وأفضل السابقين الأولين : الخلفاء الراشدون ، كما ثبت ذلك عن علي من رواية ابنه محمد بن الحنفية ، وغيره من الصحابة ، أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر ، ثم عمر ، والأدلة : الدالة على فضيلة الخلفاء الراشدين ، أكثر من أن تحصر .
فإذا كان مذهب أهل البيت : ما أشرنا إليه ، وأنتم تدعون أنكم متمسكون بما عليه - ص 134 - أهل البيت ، مع كونكم على خلاف ما هم عليه؛ بل أنتم مخالفون لأهل البيت ، وأهل البيت براء مما أنتم عليه ؟ فكيف يدعي اتباع أهل البيت : من يدعو الموتى؟! ويستغيث بهم في قضاء حاجاته ، وتفريج كرباته ؟! والشرك ظاهر في بلدهم ، فيبنون القباب على الأموات ، ويدعونهم مع الله ، والشرك بالله هو أصل دينهم ، مع ما يتبع ذلك من ترك الفرائض ، وفعل المحرمات ، التي نهى الله عنها في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسب أفاضل الصحابة أبو بكر ، وعمر ، وغيرهما من الصحابة » .
وقال أبناء الإمام محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر المعمر :
« وأما السؤال عما ورد في فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فنقول : قد صح في فضائل أهل البيت أحاديث كثيرة؛ وأما كثير من الأحاديث ، التي يرويها من صنف في فضائل أهل البيت ، فأكثرها لا يصححه الحفاظ؛ وفيما صح في ذلك كفاية »
والإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه عقيدتهم في الصحابة لا تخرج عن عقيدة سائر أهل السنة والسلف الصالح جملة وتفصيلا ، والمتأمل لمزاعم أهل البدع خصوم السنة يجد أنهم مع كثرة شبهاتهم على الدعوة وأهلها ، لم يكن لهم دعاوى حول عقيدتهم في الصحابة إلا نادرا. ولذا أوجزت الحديث عن عقيدتهم في الصحابة. يقول الإمام محمد :
« وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة - رضي الله عنه - وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم ، وأترضى عنهم ، وأستغفر لهم ، وأكف عن مساويهم ، وأسكت عما شجر بينهم ، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم [سورة الحشر ، آية : 10] - ص 135 - وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء » .
وسئل أبناء الإمام ، وحمد بن ناصر - رحمهم الله - عن مذهبهم في الصحابة - رضي الله عنهم - ؟
فأجابوا : « مذهبنا في الصحابة ، هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو : أن أفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر ، وأفضلهم بعد أبي بكر : عمر؛ وأفضلهم بعد عمر : عثمان؛ وأفضلهم بعد عثمان : علي - رضي الله عنهم - . ومنزلتهم في الخلافة ، كمنزلتهم في الفضل؛ وقد نازع بعض أهل السنة ، في أفضلية عثمان على علي؛ فجزم قوم بتفضيل علي على عثمان؛ ولكن الذي عليه الأئمة الأربعة ، وأتباعهم ، هو : الأول» .
وكذلك في الشفاعة عموما ، فإنهم يثبتون من الشفاعات ما جاء به الشرع وثبت بالنص .
يقول الإمام محمد : « وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع ، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال » .
وقال : « والشفاعة شفاعتان؛ شفاعة منفية ، وشفاعة مثبتة ، فالشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله ، والدليل قولـه تعالى : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون [سورة البقرة ، آية : 254] ، والمثبتة هي التي تطلب من الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله ، والشافع مكرم بالشفاعة ، والمشفوع لـه من رضي الله قولـه وعمله ، بعد الإذن ، والدليل قولـه تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [سورة البقرة ، آية : 255]» .
- ص 136 - ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن : « ونؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أول شافع ، وأول مشفع ، ولا ينكرها إلا مبتدع ضال ، وأنها لا تقع إلا بعد الإذن والرضا ، كما قال تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [سورة الأنبياء ، آية : 28] ، وقال تعالى : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [سورة النجم ، آية : 26] ، وهو سبحانه ، لا يرضى إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - للنبي صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال : « من قال لا إله إلا الله ، خالصا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص ، بإذن الله ، ولا تكون لمن أشرك بالله ، قال تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين [سورة المدثر ، آية : 48]» .
عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية
ويؤمنون باليوم الآخر وأحواله ومشاهده كما ثبت في النصوص .
قال الإمام : « وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فأومن بفتنة القبر ونعيمه ، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس ، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد ، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه ، وآخذ كتابه بشماله » .
وقال الإمام : « وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا يفنيان » .
- ص 137 - عقيدتهم في الرؤية
وقال : « وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته » .
عقيدتهم في القدر
وفي القدر هم على ما كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة .
قال الإمام « وأومن بأن الله فعال لما يريد ، ولا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يخرج شيء عن مشيئته ، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط لـه في اللوح المسطور » .
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن : « وأن الله تعالى قد علم الأشياء قبل وجودها إجمالا وتفصيلا وعلم ما يتعلق بها ، وقدر في الأزل لكل شيء قدرا ، فلا يزيد ولا ينقص ، ولا يتقدم ولا يتأخر ، وأنه لا يوجد شيء إلا بإرادة الله ومشيئته ، والله بكل شيء عليم ، وما قدر الله يكون ، وما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن » .
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في القدر : « ونعتقد أن الخير والشر كله بمشيئة الله تعالى ، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد فإن العبد لا يقدر على خلق أفعاله ، بل لـه كسب مرتب عليه الثواب فضلا والعقاب عدلا ، ولا يجب على الله لعبده شيء » .
عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم
كثرت مزاعم أهل البدع والأهواء ومفترياتهم على أهل السنة ومنهم الإمام محمد بن عبد الوهاب ، وأتباعه حول موقفهم في الأولياء وكراماتهم ، وسائرها تدور على الزعم - ص 138 - بأنهم يبغضون الأولياء وينتقصونهم ويؤذونهم ، وأنهم ينكرون كراماتهم ، والحق أن الأمر على خلاف ذلك ، فإن أقوالهم وأفعالهم تثبت أنهم يحبون أولياء الله ويؤمنون بكراماتهم .
يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب : « وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله » .
وقال : « ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال » .
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :
« ولا ننكر كرامات الأولياء ، ونعترف لهم بالحق ، وأنهم على هدى من ربهم ، مهما ساروا على الطريقة الشرعية ، والقوانين المرعية ، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات ، لا حال الحياة ، ولا بعد الممات ، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته ، بل ومن كل مسلم؛ فقد جاء في الحديث : دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه الحديث ، وأمر صلى الله عليه وسلم عمر ، وعليا بسؤال الاستغفار من " أويس " ففعلا » .
SIIDreda REDASID يقول...
عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة
يقول الإمام : « وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته ، وحرم الخروج عليه » .
وقال : « وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدا حبشيا » وقال مبينا أن عدم السمع والطاعة لولاة الأمور من خصال الجاهلية : « وقد أمر - ص 139 - رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة ، وغلظ في ذلك ، وأبدى فيه وأعاد » .
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن : « ونرى وجوب السمع والطاعة ، لأئمة المسلمين ، برهم ، وفاجرهم ، ما لم يأمروا بمعصية ، ونرى هجر أهل البدع ، ومباينتهم ، ونرى أن كل محدثة في الدين ، بدعة » .
وكذلك عقيدتهم في الجهاد مع أئمة المسلمين ، فإنهم يلتزمون في ذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، وما عليه السلف الصالح ، من مشروعية الجهاد مع ولاة المسلمين أبرارا كانوا أو فجارا .
قال الإمام : « وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة » .
أما ما يثار على الدعوة من دعوى الخروج على الدولة التركية فقد ناقشته في مبحث مستقل .
موقفهم من عموم المسلمين
يعتقدون أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المسلم لـه ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، أما من لا يقر بالشهادتين ، أو أتى بما ينافيهما فليس بمسلم. فلا يكفرون المسلم ولا يخرجونه من دائرة الإسلام إلا إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام كالشرك ، والاستهزاء بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بالدين ، أو نحو ذلك مما قام الدليل على أنه من نواقض الإسلام وموجبات الردة ، ويترحمون على أموات المسلمين ، ولا يشهدون لأحد منهم بالجنة أو النار إلا من جاء به النص الصحيح .
ويؤدون واجب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم .
- ص 140 - قال الشيخ الإمام : « وإني لا أعتقد كفر من كان عند الله مسلما ، ولا إسلام من كان عند الله كافرا » .
قال الإمام : « ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة أو نار إلا من شهد لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء » .
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : « ونحن نقول فيمن مات - يعني من المسلمين - تلك أمة قد خلت » .
قولهم في مرتكب الكبيرة
وهم في مسألة مرتكب الكبيرة يلتزمون الدليل (القرآن وما صح من السنة) ومنهج السلف الصالح .
ويعتقدون أن التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة فلا يرون تكفير مسلم بقول أو فعل ، ما لم يدل دليل شرعي على ذلك ، ولا يلزم عندهم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعين ، إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع. والتكفير من أخطر الأحكام فيوجبون التثبت والحذر من تكفير المسلم .
إذ يرون أن الكفر الوارد ذكره في الألفاظ الشرعية قسمان : أكبر مخرج من الملة ، وأصغر غير مخرج من الملة ، ويسمى أحيانا بالكفر العملي ، أو كفر دون كفر .
وعليه فإنهم يعتقدون أن مرتكب الكبير التي دون الكفر والشرك لا يخرج من الإيمان ، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان ، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر لـه وإن شاء عذبه ، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عذب منهم بالنار من عذب ، ولا يخلد أحد منهم فيها قط .
وما اتهموا به من التكفير ونحوه فهو من البهتان والجهل من خصومهم بحقيقة منهجهم .
وقد أفردت لهذه الفرية بحثا مستقلا فليراجع .
- ص 141 - يقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف حسن : « ونؤمن بآيات الوعيد ، والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نقول بتخليد أحد من المسلمين من أهل الكبائر في النار ، كما تقول الخوارج والمعتزلة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة في أنه يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، وإخراجهم من النار ، بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيمن يشفع لـه من أهل الكبائر من أمته ، وشفاعة غيره من الملائكة والأنبياء ، ولا نقف في الأحكام المطلقة ، بل نعلم أن الله يدخل النار من يدخلها من أهل الكبائر ، وآخرون لا يدخلونها لأسباب تمنع من دخولها ، كالحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، ونحوها » .
SIIDreda REDASID يقول...
قولهم في الاجتهاد والتقليد
ومنهجهم في مسألة الاجتهاد والتقليد لا تخرج عما كان عليه علماء السلف كالأئمة الأربعة وغيرهم ، فيرون الاجتهاد سائغ بشروطه ، والتقليد لمن لم يقدر على الاجتهاد ، وأن الحق مع الدليل ولا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : « ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة دون غيرهم ، لعدم ضبط مذاهب الغير الرافضة ، والزيدية ، والإمامية ، ونحوهم ، ولا نقرهم ظاهرا على شيء من مذاهبهم الفاسدة ، بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة .
ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ، ولا أحد لدينا يدعيها ، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب ، أو سنة غير منسوخ ، ولا مخصص ، ولا معارض بأقوى منه ، وقال به أحد الأئمة الأربعة ، أخذنا به وتركنا المذهب ، كإرث الجد والإخوة ، فإنا نقدم الجد بالإرث ، وإن خالف مذهب الحنابلة .
ولا نفتش على أحد في مذهبه ، ولا نعترض عليه ، إلا إذا اطلعنا على نص جلي ، مخالفا لمذهب أحد الأئمة ، وكانت المسألة مما يحصل بها شعار ظاهر ، كإمام الصلاة ، فنأمر - ص 143 - الحنفي ، والمالكية مثلا بالمحافظة على نحو الطمأنينة في الاعتدال ، والجلوس بين السجدتين ، لوضوح دليل ذلك ، بخلاف جهر الإمام الشافعي بالبسملة ، فلا نأمره بالإسرار ، وشتان ما بين المسألتين ، فإذا قوي الدليل أرشدناهم بالنص ، وإن خالف المذهب ، وذلك يكون نادرا جدا ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض ، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد ، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة ، إلى اختيارات لهم في بعض المسائل ، مخالفين للمذهب ، الملتزمين تقليد صاحبه » .
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب في ذلك : « وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد ، فنحن مقلدون الكتاب والسنة ، وصالح سلف الأمة ، وما عليه الاعتماد ، من أقوال الأئمة الأربعة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى » .
ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن : « وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ، في الفروع ، والأحكام ، ولا ندعي الاجتهاد ، وإذا بانت لنا سنة صحيحة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملنا بها ، ولا نقدم عليها قول أحد ، كائنا من كان ، بل نتلقاها بالقبول والتسليم؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورنا أجل وأعظم من أن نقدم عليها قول أحد ، فهذا الذي نعتقده وندين الله به ، فمن نسب عنا خلاف ذلك ، أو تقول علينا ما لم نقل ، فعليه لعنة الله ، والملائكة والناس أجمعين» .
- ص 145 - - ص 146 - - ص 147 - - ص 148 - الفصل الثالث
أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها
المبحث الأول
تمهيـــد
حقيقة الصراع بين الدعوة وبين خصومها :
إن خصوم هذه الدعوة الإصلاحية المباركة إنما كانوا دائما (في كل زمان ، وكل مكان) وفي كل أمة هم خصوم الأنبياء والدعاة والمصلحين ، وهم خصوم السنة وأهلها ، وخصوم السلف الصالح ، من أهل الأهواء ، والبدع والافتراق والجهل والحسد ، كما قال تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا [سورة الأنعام ، آية : 112] ، وكذلك الحال مع ورثة الأنبياء وهم العلماء الدعاة المصلحون .
إن الصراع بين الدعوة وبين خصومها لم يكن في حقيقته صراعا سياسيا ولا ماديا ، ولا صراعا على المصالح الدنيوية أيا كان نوعها (وإن كانت هذه الأمور من أسبابه) .
إنما كان صراعا عقديا بالدرجة الأولى ، ومظاهر الصراع السياسي وغيره جاءت تباعا؛ لأن الدعوة أعلنت نشر التوحيد والسنة ، ومحاربة الشركيات والبدع السائدة وأعلنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود ، وتحقيق العدل ورفع الظلم ، والعمل بشرع الله في أمور الحياة وسعت إلى نشر العلم ، ومحاربة الجهل والدجل والسحر والفساد .
فقد انطلقت الدعوة من قاعدة أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [سورة النحل ، آية : 36] ، وهذا يتصادم مع عقائد أهل البدع والأهواء والافتراق ، والمنتفعين من شيوع البدع والجهل والتخلف .
هذه هي الحقيقة ولا شك .
وكل رسائل الدعوة وكتبها وأعمالها وتعاملاتها تدور على هذا الأصل : العودة للإسلام والسنة ، كما هي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح ، نقية صافية من شوائب الشركيات والبدع والأهواء والجهالات والطرق والفرق .
وهذا منبع الخلاف ومنشأ الصراع .
نعم ، لقد واجهت هذه الدعوة المباركة إمامها وعلماؤها وقادتها ودولتها ، وأتباعها وأنصارها ومؤيدوها حيثما كانوا - ولا تزال تواجه - أصنافا من الخصوم ، وأنواعا من التحديات والمفتريات والدعايات المضادة والخصومات .
فهي - كأي دعوة وحركة إصلاحية جادة - قد اصطدمت بقوى وتحديات وعقبات كبرى ومكائد عظيمة ، وخصوم أقوياء ، وأعداء أشداء من ديانات وفرق ومذاهب ، ودول - ص 149 - وجماعات ، وعلماء ورؤساء وأمراء ، بل وغوغاء وجهلة .
ومع ذلك كله كانت هذه الدعوة - حين قامت على الحق والعدل - تنتصر وتنتشر ، فقد قاوم إمامها وعلماؤها وأتباعها وأمراؤها كل هذه التحديات ، بقوة الإيمان واليقين والعلم والحلم ، والصبر والثبات .
وإن الواقع ليشهد أن هذه الدعوة - رغم التحديات الكبيرة - كانت تظهر وتعلو وتؤتي ثمارها الطيبة حتى في فترات ضعف السلطة ، بل وفي البلاد التي لا توجد فيها لها سلطان ولا قوة حين لا تملك إلا قوة الحجة ، وما ذلك إلا لأنها تمثل الإسلام الحق الذي كتب الله لـه البقاء والظهور إلى قيام الساعة ، ولأنها تملك عوامل البقاء والثبات ومقومات القوة والنصر ، ولأنها تستمد القوة من نصرها لدين الله دين الحق والعدل ، ومن وعد الله تعالى لكل من نصر هذا الدين كما قال تعالى : ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز [سورة الحج ، آية : 40] .
ولأنها كانت تخاطب العقول السليمة والفطرة المستقيمة ، والقلوب الواعية المتجردة من الهوى .
ويرون أن كل محدثة في الدين بدعة ، وكل بدعة ضلالة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه يجب رد البدعة والإنكار على أهلها ، وهجر من يصر عليها .
- ص 144 - قال الإمام : « وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله ، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة » .
وقال في رسالته إلى علماء الإسلام : « وجب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع وإن اشتهرت بين أكثر العوام وليعلم أن العوام محتاجون إلى كلام أهل العلم في تحقيق هذه المسائل » .
وقد كان من أهم بواعث قيام الدعوة محاربة البدع بكل أنواعها وأشكالها وتخليص قلوب المسلمين وعباداتهم وأعمالهم من أوضار البدع التي حرفتهم عن حقيقة الدين وفرقتهم إلى فرق وطرق ومذاهب ومناهج متعادية وأوقعت بينهم العداوة والبغضاء ، وكثير منهم في الشركيات والكبائر حتى سارت مظاهر البدعة والشركيات في كثير من بلاد المسلمين .
وبعد : فهذه عقيدة الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ، وهذا منهجهم في الدين ، الذي هو بحذافيره منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ومن سلك سبيلهم ولم يبتدع ولم يبدل .
وبهذا تسقط مزاعم المفترين حين يعيرونهم بالوهابية ، وحين يزعمون أنهم مذهب خامس ، أو خوارج ، أو نحو ذلك من البهتان .
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل
ملخص أصول المنطق واصطلاحاته
بنوا المنطق على الكلام في الحد ونوعه والقياس البرهاني ونوعه قالوا لأن العلم إما تصور وإما تصديق وكل منهما بديهي وإما نظري فإنه من المعلوم أنه ليس الجميع بديهيا ولا يجوز أن يكون الجميع نظريا لافتقار النظري إلى البديهي فيلزم الدور القبلي أو التسلسل في العلل التي هي هنا أسباب العلم وهي الأدلة وهما ممتنعان
والنظري منهما لا بد له من طريق ينال به فالطريق الذي ينال به التصور هو الحد والطريق الذي ينال به التصديق هو القياس
فالحد اسم جامع لكل ما يعرف التصور وهو القول الشارح فيدخل فيه الحقيقي والرسمي واللفظي أو هو الحقيقي خاصة فيقرن به الرسمي واللفظي ليس من هذا الباب أو والحد اسم للحقيقي والرسمي دون اللفظي فان كل نوع من هذه الثلاثة اصطلاح طائفة منهم كما قد بسطته وذكرت أسماءهم في غير هذا الموضع والقياس إن كانت مادته يقينية فهو البرهان خاصة وإن كانت مسلمة فهو الجدلى وإن كانت مشهورة فهو الخطابي وإن كانت مخيلة فهو الشعري وإن كانت مموهة فهو السوفسطائي ولهذا قد يتداخل البرهاني والخطابي والجدلي وبعض الناس يجعل الخطابي هو الظنى وبعضهم يجعله الاقناعى ولهم اصطلاحات أخر بعضها موافق لاصطلاح المعلم الأول أرسطو وبعضها مخالف له فان كثيرا من المصنفين فيه خرجوا في كثير منه عن طريقة معلمهم الأول ولكن ليس المقصود هنا بسط هذا
ثم الحد إنما يتألف من الصفات الذاتية إن كان حقيقيا وإلا فلا بد من العرضية وكل منهما إما أن يكون مشتركا بين المحدود وغيره وإما أن يكون مميزا له عن غيره فالمشترك الذاتي الجنس والمميز الذاتي الفصل والمؤلف منهما النوع والمشترك العرضي هو العرض العام والمميز العرضى هو الخاصة وقد يعبر ب الخاصة عما يعرض ل النوع وإن لم يكن عاما لأفراده لكن تلك الخاصة لا يحصل بها التمييز كما قد يعبر ب النوع عن الأنواع الإضافية التي هي بالنسبة إلى ما فوقها نوع وبالنسبة إلى ما تحتها جنس ولكن هذا وأمثاله من جزئيات المنطق التي ليس هنا المقصود الكلام فيها فان للكلام على ما ذكروه في الجنس والنوع مقاما آخر غير ما علق في هذه العجالة
فهذه الكليات الخمس وبازاء الكلى الجزئى وهو ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه والكلام في المركب مسبوق بالكلام على المفرد ودلالة اللفظ عليه
والقياس مؤلف من مقدمتين والمقدمة قضية إما موجبة وإما سالبة وكل منهما إما كلية وإما جزئية فلا بد من الكلام في القضايا وأنواعها وجهاتها
وقد يستدل عليها ب نقيضها وب عكسها وب عكس نقيضها فإنها إذا صحت بطل نقيضها وصح عكسها وعكس نقيضها فتكلم في تناقض القضايا وعكسها المستوى وعكس نقيضها
والقضية إما حملية وإما شرطية متصلة وإما شرطية منفصلة فانقسم القياس باعتبار صورته إلى قياس تداخل وهو الحملي وقياس تلازم وهو الشرطي المتصل وقياس تعاند وهو التقسيم والترديد وهو الشرطى المنفصل هذا باعتبار صورته وباعتبار مادته إلى الأصناف الخمسة المتقدمة
فلا بد من الكلام في مواد القياس وهي القضايا التي يستدل بها على غيرها وهذا كله في قياس الشمول وأما قياس التمثيل والاستقراء فله حكم آخر فانهم قالوا الاستدلال ب الكلى على الجزئي هو قياس الشمول وب الجزئي على الكلى هو الاستقراء إما التام إن علم شموله للأفراد وإلا ف الناقص والاستدلال بأحد الجزئيين على الآخر هو قياس التمثيل
مع أنا قد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام على أن كل قياس شمول فانه يعود إلى التمثيل كما أن كل قياس تمثيل فانه يعود إلى شمول وأن جعلهم قياس الشمول يفيد اليقين دون قياس التمثيل خطأ
وذكرنا تنازع الناس في اسم القياس هل يتناولهما جميعا كما عليه جمهور الناس أو هو حقيقة في التمثيل مجاز في قياس الشمول كما اختاره أبو حامد الغزالي وأبو محمد المقدسي أو بالعكس كما اختاره ابن حزم وغيره من أهل المنطق والكلام على هذا مبسوط في مواضع
والمقصود هنا ذكر شئ آخر فنقول الكلام في أربع مقامات مقامين سالبين ومقامين موجبين
فالأولان 1 أحدهما في قولهم إن التصور المطلوب لا ينال إلا بالحد 2 والثاني إن التصديق المطلوب لا ينال إلا بالقياس
والآخران 3 في أن الحد يفيد العلم بالتصورات و4 أن القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات المقام الأول
المقام السلبي في الحدود والتصورات
في قولهم إن التصورات غير البديهية لا تنال إلا بالحد والكلام على هذا من وجوه
أحدها أن يقال لا ريب أن النافي عليه الدليل إذا لم يكن نفيه بديهيا كما أن على المثبت الدليل فالقضية سواء كانت سلبية أو إيجابية إذا لم تكن بديهية فلا بد لها من دليل وأما السلب بلا علم فهو قول بلا علم فقول القائل إنه لا تحصل هذه التصورات إلا بالحد قضية سالبة وليست بديهية فمن أين لهم ذلك وإذا كان هذا قولا بلا علم كان في أول ما أسسوه القول بلا علم فكيف يكون القول بلا علم أساسا لميزان العلم ولما يزعمون انه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في فكره
الثاني أن يقال الحد يراد به نفس المحدود وليس هذا مرادهم ههنا ويريدون به القول الدال على ما هيه المحدود وهو مرادهم هنا وهو تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال
فيقال إذا كان الحد قول الحاد فالحاد إما أن يكون قد عرف المحدود بحد وإما أن يكون عرفه بغير حد فان كان الأول فالكلام في الحد الثاني كالكلام في الأول وهو مستلزم للدور القبلى أو التسلسل في الأسباب والعلل وهما ممتنعان باتفاق العقلاء وإن كان عرفه بغير حد بطل سلبهم وهو قولهم إنه لا يعرف إلا بالحد
الثالث إن الأمم جميعهم من أهل العلم والمقالات وأهل العمل والصناعات يعرفون الأمور التي يحتاجون إلى معرفتها ويحققون ما يعانونه من العلوم والأعمال من غير تكلم بحد منطقي ولا نجد أحدا من أئمة العلوم يتكلم بهذه الحدود لا أئمة الفقه ولا النحو ولا الطب ولا الحساب ولا أهل الصناعات مع أنهم يتصورون مفردات علمهم فعلم استغناء التصور عن هذه الحدود
الرابع أنه إلى الساعة لا يعلم للناس حد مستقيم على أصلهم بل أظهر الأشياء الإنسان وحده ب الحيوان الناطق عليه الاعتراضات المشهورة وكذلك حد الشمس وأمثال ذلك حتى إن النحاة لما دخل متأخروهم في الحدود ذكروا ل الاسم بضعة وعشرين حدا وكلها معترض عليها على أصلهم بل إنهم ذكروا ل الاسم سبعين حدا لم يصح منها شئ كما ذكر ذلك ابن الأنباري المتأخر والأصوليون ذكروا ل القياس بضعة وعشرين حدا وكلها معترض على أصلهم وعامة الحدود المذكورة في كتب الفلاسفة والأطباء والنحاة والاصوليين والمتكلمة معترضة على أصلهم وإن قيل بسلامة بعضها كان قليلا بل منتفيا فلو كان تصور الأشياء موقوفا على الحدود لم يكن إلى الساعة قد تصور الناس شيئا من هذه الأمور والتصديق موقوف على التصور فإذا لم يحصل تصور لم يحصل تصديق فلا يكون عند بني آدم علم في عامة علومهم وهذا من أعظم السفسطة
الخامس إن تصور الماهية إنما يحصل عندهم بالحد الذي هو الحقيقي المؤلف من الذاتيات المشتركة والمميزة وهو المركب من الجنس والفصل وهذا الحد إما متعذر أو متعسر كما قد أقروا بذلك و حينئذ فلا يكون قد تصور حقيقة من الحقائق دائما أو غالبا وقد تصورت الحقائق فعلم استغناء التصورات عن الحد
السادس إن الحدود الحقيقية عندهم إنما تكون الحقائق المركبة وهي الأنواع التي لها جنس وفصل وأما ما لا تركيب فيه وهو ما لا يدخل مع غيره تحت جنس كما م ثله بعضهم ب العقول فليس له حد وقد عرفوه وهو من التصورات المطلوبة عندهم فعلم استغناء التصورات عن الحد بل إذا أمكن معرفة هذه بلا حد فمعرفة تلك الأنواع أولى لأنها أقرب إلى الحس وان أشخاصها مشهودة
وهم يقولون إن التصديق لا يقف على التصور التام الذي يحصل بالحد الحقيقي بل يكفي فيه أدنى تصور ولو ب الخاصة وتصور العقول من هذا الباب وهذا اعتراف منهم بأن جنس التصور لا يقف على الحد الحقيقي لكن يقولون الموقوف عليه هو تصور الحقيقة أو التصور التام وسنبين إن شاء الله أنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أتم منه وأنا نحن لا نتصور شيئا بجميع لوازمه حتى لا يشذ عنا منها شئ وأنه كلما كان التصور لصفات المتصور أكثر كان التصور أتم
وأما جعل بعض الصفات داخلة في حقيقة الموصوف وبعضها خارجة فلا يعود إلى أمر حقيقي وإنما يعود ذلك إلى جعل الداخل ما دل عليه اللفظ ب التضمن والخارج اللازم ما دل عليه اللفظ ب اللزوم فتعود الصفات الداخلة في الماهية إلى ما دخل في مراد المتكلم بلفظه والخارجة اللازمة للماهية إلى ما يلزم مراده بلفظه وهذا أمر يتبع مراد المتكلم فلا يعود إلى حقيقة ثابتة في نفس الأمر للموصوف وقد بسطنا ألفاظهم في غير هذا الموضع وبينا ذلك بيانا مبسوطا يبين أن ما سموه الماهية أمر يعود إلى ما يقدر في الأذهان لا إلى ما يتحقق في الأعيان والمقدر في الأذهان بحسب ما يقدره كل أحد في ذهنه فيمتنع أن
السابع إن مستمع الحد يسمع الحد الذي هو مركب من ألفاظ كل منها لفظ دال على معنى فان لم يكن عارفا قبل ذلك بمفردات تلك الألفاظ ودلالتها على معانيها المفردة لم يمكنه فهم الكلام والعلم بأن اللفظ دال على المعنى أو موضوع له مسبوق بتصور المعنى فمن لم يتصور مسمى الخبر والماء والسماء والأرض والأب والأم لم يعرف دلالة اللفظ عليه وإذا كان متصورا لمسمى اللفظ ومعناه قبل استماعه وإن لم يعرف دلالة اللفظ عليه امتنع أن يقال إنه إنما تصوره باستماع اللفظ لأن في ذلك دورا قبليا إذ يستلزم أن يقال لم يتصور المعنى حتى سمع اللفظ وفهمه ولم يمكن أن يفهم المراد باللفظ حتى يكون قد تصور ذلك المعنى قبل ذلك وهذا كما أنه مذكور في دلالة الأسماء على مسمياتها المفردة فهو بعينه وارد في دلالة الحدود على المحدودات إذ كلاهما إنما يدل على معنى مفرد لكن الحد يفيد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال
وقد يكون فيه عند المنطقين تفصيل صفاته المشتركة والمختصة وإن كان للمتكلمين في الحد طريق آخر إذ لا يحدون إلا ب الخاصة المميزة الفاصلة دون المشتركة بل يمنعون من التركيب الذي يوجبه المنطقيون وهو لعمري اقرب إلى المقصود كما سنبينه إن شاء الله تعالى ونبين أن فائدة الحدود التمييز لا التصوير
وإذا كان المطلوب التمييز فإنما ذاك بالمميز فقط دون المشترك ولأنه كلما كان أوجز واجمع وأخص كان احسن كالأسماء فليس الحد في الحقيقة إلا اسما من الأسماء أو اسمين أو ثلاثة كقولك حيوان ناطق وكذلك قيل في تعليم آدم الأسماء كلها تعليم حدودها وهي من جنس الحدود المحدود المذكورة في قوله تعالى وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله التوبة
الثامن إن الحد إذا كان هو قول الحاد فمعلوم أن تصور المعاني لا يفتقر إلى الألفاظ فان المتكلم قد يتصور معنى ما يقوله بدون لفظ والمستمع قد يمكنه تصور تلك المعاني من غير مخاطب بالكلية فكيف يمكن أن يقال لا تتصور المفردات إلا بالحد الذي هو قول الحاد
التاسع إن الموجودات المتصورة إما أن يتصورها الإنسان بحواسه الظاهرة كالطعم واللون والريح والأجسام التي تحمل هذه الصفات وإما أن يتصورها بمشاعره الباطنة كما تتصور الأمور الحسية الباطنة الوجدية مثل الجوع والشبع والحب والبغض والفرح والحزن واللذة والألم والإرادة والكراهية والعلم والجهل وأمثال ذلك وكل من الأمرين قد يتصوره معينا وقد يتصوره مطلقا أو عاما وهذه التصورات جميعها غنية عن الحد ولا يمكنه تصور شئ بدون مشاعره الظاهرة والباطنة وما غاب عنه يعرفه بالقياس والاعتبار بما شاهده
العاشر إنهم يقولون إن للمعترض أن يطعن على حد الحاد ب النقض والمعارضة
والنقض إما في الطرد وإما في العكس أما الطرد فهو انه حيث وجد الحد وجد المحدود فيكون الحد مانعا فإذا بين وجود الحد ولا محدود لم يكن مطردا ولا مانعا بل دخل فيه غيره كما لو قال في حد الإنسان إنه الحيوان وأما العكس وهو أن يكون حيث انتفى الحد انتفى المحدود لكون الحد جامعا وإذا لم يكن جامعا انتفى الحد مع بقاء بعض المحدود كما لو قال في حد الإنسان إنه العربي فلا يكون الحد منعكسا ولو استعمل لفظ الطرد في موضع العكس لكان سائغا والمقصود انه لا بد من اتفاق الحد والمحدود في العموم والخصوص فلا بد أن يكون مطابقا للمحدود لا يدخل فيه ما ليس من المحدود ولا يخرج منه ما هو من المحدود فمتى كان أحدهما اعم كان باطلا بالاتفاق وسمى ذلك نقضا
فان النقض يرد على الحد والدليل والقضية الكلية والعلة لكن الدليل والقضية الكلية لا يجب فيهما الانعكاس إلا بسبب منفصل مثل المتلازمين إذا استدل بأحدهما على الآخر فهنا يكون الدليل مطردا منعكسا وأما الحد فلا بد فيه من الانعكاس
والعلة إن كانت تامة وجب طردها وإن لم تكن تامة جاز تخلف الحكم عنها لفوات شرط او وجود مانع ويسمى ذلك تخصيصا ونقضا اما وجود الحكم بلا علة فيسمى عدم عكس وعدم تاثير ونفس الحكم المتعلق بها ينتفى لا بانتفائها ولا يجب انتفاء نظيره إذا كان له علة اخرى فمجرد عدم الانعكاس لا يدل على فساد العلة إلا إذا وجد الحكم بدون العلة من غير ان تخلفها علة اخرى وهو في الحقيقة وجود نظير الشخص وهو نوعه فهنا تكون العلة عديمة التأثير فتكون باطلة وبهذا يظهر ان عدم التأثير مبطل لها وعدم الانعكاس ليس مبطلا لها فانها إذا انتفت انتفى الحكم المعلق بها وإذا وجد الحكم بعلة اخرى فان كانت العلة مساوية هي كالأخرى فهى هي وإن كانت مجانبة لها فلا بد إن يختلف الحكم كما ان حل الدم كان اسم جنس فالحل الحاصل بالردة نوع غير النوع الحاصل بالزنا والحل الحاصل بالقتل فان الحل الحاصل بالقتل يجوز فيه الفداء والمعافاة والحل الحاصل بالردة يجوز فيه الغفران بالتوبة والحل الحاصل بالزنا فيه حد الرجم بالحجارة وبحضور شهود وكثير نظائر هذا فالى في احد الحلين إن كان مماثلا للاخر فالعلتان واحدة وإن اختلف الحكم اختلف العلة وانتقاض الوضوء بالبول والغائط نوع واحد ليس هو من باب تغاير الحكم بعلتين كالقتل بالحدود قال المعترض هذه الاوصاف لا تأثير لها في حل الدم فان الردة وزنا المحصن وحراب الكافر الاصلي يبيح الدم مع انتفاء هذه الاوصاف فيقال له فان الحل وجد لسبب آخر لا لعدم تأثر هذه الاوصاف كما يستحق الابن
الارث بالنسب والنكاح والولاء ويثبت الملك بالمعاوضة والارث والايهاب والاغتنام وتلك المباحات لو كان للمستدل فيجب القود فياسا على القتل لم يرد عليه هذا السؤال لأن الواجب بالردة والزنا ليس قودا
وأما عدم التأثير مبطل لما هو العلة لان تأثير الدلالة الذي يجمع فيه لا يدل على العلة فان الدليل لا يجب انعكاسه كما لو قال من يركب القياس في مسألة زكوة الصبي ملبوس فلا يجب له الزكوة كلباس الكبير قيل له لا تأثير لكونه لباسا لا في الفرع ولا في الاصل بل هذا الحكم ثابت عند اهل الشرع في جميع مال الصغير وهذه كلمات جوامع في هذه الكليات التي يكثر فيها اضطراب الناس
وأما المعارضة للحد بحد آخر فظاهر
فاذا كان المستمع للحد يبطله ب النقص تارة وب المعارضة أخرى ومعلوم ان كليهما لا يمكن إلا بعد تصور المحدود علم انه يمكن تصور المحدود بدون الحد وهو المطلوب
الحادي عشر ان يقال هم معترفون بأن من التصورات ما يكون بديهيا لا يحتاج الى حد وإلا لزم الدور أو التسلسل
وحينئذ فيقال كون العلم بديهيا او نظريا هو من الامور النسبية الاضافية مثل كون القضية يقينية او ظنية إذ قد يتيقن زيد ما يظنه عمرو وقد يبده زيدا من المعاني ما لا يعرفه غيره إلا بالنظر وقد يكون حسيا لزيد من العلوم ما هو خبرى عند عمرو وإن كان كثير من الناس يحسب ان كون العلم المعين ضروريا او كسبيا او بديهيا أو نظريا هو من الامور اللازمة له بحيث يشترك في ذلك جميع الناس وهذا غلط عظيم وهو مخالف للواقع
فان من رأى الامور الموجودة في مكانه وزمانه كانت عنده من الحسيات
فيقال المحققون من النظار يعلمون ان الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع ارسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا
وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشئ من
المشاهدات وهي عند من علمها بالتواتر من المتواترات وقد يكون بعض الناس إنما علمها بخبر ظنى فتكون عنده من باب الظنيات فان لم يسمعها فهى عنده من المجهولات وكذلك العقليات فان الناس يتفاوتون في الادراك تفاوتا لا يكاد ينضبط طرفاه ولبعضهم من العلم البديهي عنده والضروري ما ينفيه غيره او يشك فيه وهذا بين في التصورات والتصديقات
وإذا كان ذلك من الامور النسبية الاضافية أمكن ان يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج الى حد وهذا هو الواقع وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد قيل كثير منهم يجعل هذا حكما عاما في جنس النظريات لجنس الناس وهذا خطا واضح ومن تفطن لما ذكرناه يقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن ان تصير بديهة له بمثل الاسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز ان يقال لا يعلمها إلا بالحدود المقام الثاني
المقام الايجابي في الحدود والتصورات
وهو أنه هل يمكن تصور الاشياء بالحدود
فيقال المحققون من النظار يعلمون ان الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع ارسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا
وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشئ من
المشاهدات وهي عند من علمها بالتواتر من المتواترات وقد يكون بعض الناس إنما علمها بخبر ظنى فتكون عنده من باب الظنيات فان لم يسمعها فهى عنده من المجهولات وكذلك العقليات فان الناس يتفاوتون في الادراك تفاوتا لا يكاد ينضبط طرفاه ولبعضهم من العلم البديهي عنده والضروري ما ينفيه غيره او يشك فيه وهذا بين في التصورات والتصديقات
وإذا كان ذلك من الامور النسبية الاضافية أمكن ان يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج الى حد وهذا هو الواقع وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد قيل كثير منهم يجعل هذا حكما عاما في جنس النظريات لجنس الناس وهذا خطا واضح ومن تفطن لما ذكرناه يقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن ان تصير بديهة له بمثل الاسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز ان يقال لا يعلمها إلا بالحدود المقام الثاني
المقام الايجابي في الحدود والتصورات
وهو أنه هل يمكن تصور الاشياء بالحدود
فيقال المحققون من النظار يعلمون ان الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع ارسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا
وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشئ من
المشاهدات وهي عند من علمها بالتواتر من المتواترات وقد يكون بعض الناس إنما علمها بخبر ظنى فتكون عنده من باب الظنيات فان لم يسمعها فهى عنده من المجهولات وكذلك العقليات فان الناس يتفاوتون في الادراك تفاوتا لا يكاد ينضبط طرفاه ولبعضهم من العلم البديهي عنده والضروري ما ينفيه غيره او يشك فيه وهذا بين في التصورات والتصديقات
وإذا كان ذلك من الامور النسبية الاضافية أمكن ان يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج الى حد وهذا هو الواقع وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد قيل كثير منهم يجعل هذا حكما عاما في جنس النظريات لجنس الناس وهذا خطا واضح ومن تفطن لما ذكرناه يقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن ان تصير بديهة له بمثل الاسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز ان يقال لا يعلمها إلا بالحدود المقام الثاني
المقام الايجابي في الحدود والتصورات
وهو أنه هل يمكن تصور الاشياء بالحدود
فيقال المحققون من النظار يعلمون ان الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع ارسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا
وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشئ من
المشاهدات وهي عند من علمها بالتواتر من المتواترات وقد يكون بعض الناس إنما علمها بخبر ظنى فتكون عنده من باب الظنيات فان لم يسمعها فهى عنده من المجهولات وكذلك العقليات فان الناس يتفاوتون في الادراك تفاوتا لا يكاد ينضبط طرفاه ولبعضهم من العلم البديهي عنده والضروري ما ينفيه غيره او يشك فيه وهذا بين في التصورات والتصديقات
وإذا كان ذلك من الامور النسبية الاضافية أمكن ان يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج الى حد وهذا هو الواقع وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد قيل كثير منهم يجعل هذا حكما عاما في جنس النظريات لجنس الناس وهذا خطا واضح ومن تفطن لما ذكرناه يقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن ان تصير بديهة له بمثل الاسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز ان يقال لا يعلمها إلا بالحدود المقام الثاني
المقام الايجابي في الحدود والتصورات
وهو أنه هل يمكن تصور الاشياء بالحدود
فيقال المحققون من النظار يعلمون ان الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع ارسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا
وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشئ من
علومه وصنف في ذلك محك النظر ومعيار العلم ودواما اشتدت به ثقته وأعجب من ذلك أنه وضع كتابا سماه القسطاس المستقيم ونسبه الى أنه تعليم الانبياء وإنما تعلمه من ابن سينا وهو تعلمه من كتب ارسطو وهؤلاء الذين تكلموا في الحدود بعد أبى حامد هم الذين تكلموا في الحدود بطريقة اهل المنطق اليوناني
وأما سائر طوائف النظار من جميع الطوائف المعتزلة والاشعرية والكرامية والشيعة وغيرهم ممن صنف في هذا الشأن من اتباع الائمة الاربعة وغيرهم فعندهم إنما تفيد الحدود التمييز بين المحدود وغيره بل أكثرهم لا يسوغون الحد إلا بما يميز المحدود عن غيره ولا يجوز ان يذكر في الحد ما يعم المحدود وغيره سواء سمي جنسا او عرضا عاما وإنما يحدون بما يلازم المحدود طردا وعكسا ولا فرق عندهم بين ما يسمى فصلا وخاصة ونحو ذلك مما يتميز به المحدود من غيره
وهذا مشهور في كتب اهل النظر في مواضع يطول وصفها من كتب المتكلمين من اهل الاثبات وغيرهم كأبي الحسن الأشعري والقاضي ابي بكر اسحاق وابي بكر بن فورك والقاضي ابي يعلى وابن عقيل وابي المعالي الجويني وابي الميمون النسفي الحنفي وغيرهم وقبلهم ابو علي وابو هاشم وعبد الجبار وامثالهم من شيوخ المعتزلة وكذلك ابن النوبخت والموسى والطوسي وغيرهم من شيوخ الشيعة وكذلك محمد بن الهيصم وغيره من شيوخ الكرامية فانهم إذا تكلموا في الحد قالوا ان حد الشىء وحقيقته خاصته التي تميزه
قال ابو القاسم الانصاري في شرح الارشاد قال امام الحرمين القصد من التحديد في اصطلاح المتكلمين التعرض لخاصة الشيء وحقيقة التي يقع بها الفصل بينه وبين غيره
قال الاستاد حد الشيء معناه الذي لاجله كان بالوصف المقصود بالذكر قال ابو المعالي ولو قال قائل حد الشيء معناه واقتصر عليه كان سديد او قال حد الشيء حقيقته او خاصته كان حسنا
قال فأن قيل اذا قلتم حد العلم أو حقيقة ما يعلم به فلم تذكروا خاصة العلم لأن العلم يشتمل على مختلفات ومتماثلات لا يجمع جميعها في خاصة واحدة فان المجتمعين في الاخص متماثلان فنقول انما غرضنا ان نبين ان المذكور حدا هو خاصة وصف المحدود في مقصود الحد إذ ليس الغرض بالسؤال عن العلم التعرض لتفصيله وإنما الغرض معرفة العلمية بأخص وصف العلم الذي يشترك فيه ما يختلف منه وما يتماثل بما ذكرناه حيث قلنا أنه المعرفة او ما يعلم به أو التبيين
وهذا على طريقة الاستاذ ومن رام ذكر حد من قبيل المعلومات فانما غرضه الوقوف على صفة يشترك فيها القبيل المسئول عنه على وجه يتضح للسائل
قال أبو المعالي فان قيل الحد يرجع الى قول المخبر أو الى صفة في المحدود قلنا ما صار اليه كافة الائمة ان الحد صفة المحدود سكت عنه الواصفون أم نطقوا وهو بمعنى الحقيقة وقد ذكر القاضي في التقريب أن الحد قول الحاد المنبئ عن الصفة التي تشترك فيها آحاد المحدود ووافق الأصحاب في أن حقيقة الشئ ومعناه راجعان الى صفة دون قول القائل وإنما بين ذلك في الحد لمشابهته الوصف ومشابهة الحقيقة الصفة ونحن نفصل بين الوصف والصفة ثم قال القاضي من الاشياء ما يحد ومنها ما لا يحد وما من محقق إلا وله حقيقة ومن صار إلى ان الحد يرجع الى حقيقة المحدود
يقول ما من ذي حقيقة إلا وله حد نفيا كان أو إثباتا والغرض من التحديد التعرض لحقيقة الشئ التي بها يتميز عن غيره والشئ إنما يتميز عن غيره بنفسه وحقيقته لا بقول القائل
ثم قال ابو المعالي قال المحققون الاطراد والانعكاس من شرائط الحد وإذا كان الغرض من الحد تمييز المحدود بصفة عما ليس منه فليس يتحقق ذلك إلا مع الاطراد والانعكاس ف الطرد هو تحقق المحدود مع تحقق الحد والعكس هو انتفاء المحدود مع انتفاء الحد
وإذا قيل حد العلم هو العرض لم يطرد ذلك إذ ليس كل عرض علما فهذا نقض الحد ولو قلنا في حد العلم كل معرفة حادثة فهذا لا ينعكس إذ ثبت علم ليس بحادث والسائل عن حد العلم لم يقصد حد ضرب منه تخصيصا وإنما أراد الاحاطة بمعنى سائر العلوم
وإذا قلنا العلم هو المعرفة ف كل معرفة علم وكل علم معرفة وكل ما ليس بعلم فليس بمعرفة وكل ما ليس بمعرفة فليس بعلم وهذه عبارات اربع عبارتان في النفي وعبارتان في الاثبات ولا تستقيم الحدود دون ذلك
قال أبو المعالي فان قال قائل هل يجوز تركيب الحد من وصفين ام لا قلنا اختلف المتكلمون
فذهب كثير منهم الى ان المركب ليس بحد وشيخنا ابو الحسن يميل الى ذلك ويقدح في التركيب وليس المراد بمنع التركيب تكليف المسئول ان يأتى في حد ما يسأل عنه بعبارة واحدة إذ المقصود إتحاد المعنى بدون اللفظ والعبارات لا تقصد لأنفسها وليست هي حدودا بل هي منبئة عن الحدود وقال شيخنا ابو الحسن في حد العلم مع منعه التركيب هو ما اوجب كون محله عالما وهذا يشتمل على كلمات ولم يعد هذا تركيبا فان المقصود بالحد التعرض لصفة واحدة هو إيجاب العلم حكمه وكذلك إذا قيل في حد الجوهر ما قبل العرض فليس
بمركب وإن ذكر العرض وقبوله اياه ولكن المقصود بالحد التعرص للقبول فقط
ثم التركيب فيه تقسيم فمنه باطل بالاتفاق ومنه مختلف فيه فالمتفق عليه هو أن يذكر الحاد معنيين يقع الاستقلال بأحدهما وذكر الاخر لغو فى مقصود الحد وشرطه وأما المختلف فيه فكما يقول المعتزلة في حد المرئي ما يكون لونا أو متلونا فهم يصححون هذا الحد ولا يرون هذا التركيب قادحا قالوا لأن المقصود من الحد حصر المحدود مع التعرض للحقيقة فإذا قامت الدلالة على أن المتحيز يرى وعلى أن الألوان مرئية ولا يجتمع الألوان والجوهر في حقيقة واحدة إذ الأوصاف الجامعة لها محدودة منها الوجود والحدوث وباطل تحديد المرئي بالموجود أو المحدث إذ يلزم منه رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإذا لم يمكن الجمع بين الجواهر والألوان في صفة جامعة لها في حكم الرؤية غير منتقضة فلا وجه إلا ذكر الجواهر بخاصتها وذكر الألوان بحقيقتها
ومعظم المتكلمين على الامتناع من مثل ذلك في الحدود وقالوا المتحيز وكون اللون هيئة حكمان متنافيان فينبغي أن لا يثبت لهما مع تباينهما حكم لا تباين فيه وهو كون المرئي مرئيا
قال الأستاذ أبو المعالي وأحسن طريقة في هذا ما ذكره القاضي فأنه قال ما يذكر من معرفة الحدود ينقسم فربما يتأتى ضبط آحاد المحدود بصفة واحدة يشترك فيها جملة الآحاد نحو تحديدنا العلم ب المعرفة والشيئية ب الوجود وربما لا يتأتي ضبط جميع آحاد المحدود في صفة واحدة يشترك جميعها فيها فلو ذكر في حدها صفة جامعة لبطل فإذا كان الأمر كذلك وتأتي ضبط ما يسأل عنه بذكر صفتين يشتمل إحداهما على قبيل من المسئول والأخرى على القبيل الآخر لصح تحديده قال القاضي ولو حقق ذلك لزال فيه الخلاف فان الذي يحد بصفتين لو قيل له أتدعي
اجتماع القبلين في صفة واحدة لما ادعاه ولو قيل لمطالبة اتنكر تحقيق الانحصار عند ذكر الصفتين لما وجد سبيلا الى انكار ذلك والحد ليس بموجب وانما هو بيان وكشف وهذا المعنى يتحقق في الصفتين تحققه في الصفة الواحدة فإن الكلام الى مناقشة في العبارة
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب وان قال لنا قائل ما حد العلم عندكم قلنا حده معرفة المعلوم على ما هو به والدليل على ذلك ان هذا الحد يحصره على معناه ولا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه شيء هو فيه والحد إذا أحاط بالمحدود على هذا السبيل وجب ان يكون حدا ثابتا صحيحا فكلما حد به العلم وغيره وكانت حاله في حصر المحدود وتميزه من غيره واحاطته به حال ما حددنا به العلم وجب الاعتراف بصحته وقد ثبت ان كل علم تعلق بمعلوم فأنه معرفة له على ما هو به وكل معرفة بمعلوم فانها علم به فوجب توفيق الحد الذي حددنا به العلم وجعلناه تفسيرا لمعنى منه بانه علم
قلت فقد بين القاضي ان كل ما احاط بالمحدود بحيث لا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه ما هو منه كان حدا صحيحا
اعتراف الغزالي باستعصاء الحد
وقد ذكر الغزالي في كتابه الكبير في المنطق الذي سماه معيار العلم مذهب المتكلمين هذا بعد ان ذكر استعصاء الحد على طريقة المنطقيين فقال
الفصل السابع
في استعصاء الحد على القوى البشرية الا عند غاية التشمير والجهد ومن عرف ما ذكرناه من مثارات الاشتباه في الحد عرف عن أن القوة البشرية لا تقوى على التحفظ عن كل ذلك الا على الندوز وهي كثيرة واعصاها على الذهن اربعة امور
أحدها أن شرطنا أن نأخذ الجنس الاقرب ومن أين للطالب أن لا يغفل عنه فيأخذ جنسا يظن انه اقرب وربما يوجد ما هو أقرب منه فيحد الخمر بأنه مائع مسكر ويذهل عن الشراب الذي هو تحته وهو أقرب منه ويحد الانسان بأنه جسم ناطق مائت ويغفل عن الحيوان وامثاله
الثاني انا إذا شرطنا ان تكون الفصول ذاتية كلها واللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم يشتبه بالذاتي غاية الاشتباه ودرك ذلك من أغمض الامور فمن أين له أن لا يغفل فيأخذ لازما فيورده بدل الفصل ويظن انه ذاتي
الثالث أنا شرطنا أن يأتي بجميع الفصول الذاتيه حتى لا يحل بواحد ومن أين يأمن من شذوذ بعضها عنه لا سيما إذا وجد فصلا حصل به التمييز والمساواه في الاسم في الحمل كالجسم ذى النفس الحساس ومساواته لفظ الحيوان مع إغفال المتحرك بالارادة وهذا من أغمض ما يدرك
الرابع إن الفصل مقوم ل النوع مقسم ل الجنس فاذا لم يراع شرط التقسيم اخذ في القسمة فصولا ليست أولية ل الجنس وهو غير مرضى في الحدود فان الجسم كما أنه ينقسم الى النامى وغير النامى انقساما ب فصل ذاتي فكذلك ينقسم الى الحساس وغير الحساس والى الناطق وغير الناطق فمهما قيل الجسم ينقسم الى الناطق وغير الناطق فقد قسم بما ليس هو الفصل القاسم أوليا بل ينبغي ان يقسم اولا الى النامي وغير النامي ثم النامى ينقسم الى الحيوان وغير الحيوان ثم الحيوان الى الناطق وغير الناطق وكذلك الحيوان ينقسم الى ذي رجلين والى ذي ارجل ولكن هذا التقسيم ليس ل فصول اولية بل ينبغي ان يقسم الحيوان الى ماش وغير ماش ثم الماشى ينقسم الى ذي
رجلين وذى أرجل إذ الحيوان لم يستعد ل الرجلين والارجل باعتبار كونه حيوانا بل باعتبار كونه ماشيا واستعد لكونه ماشيا باعتبار كونه حيوانا
فرعاية الترتيب في هذه الأمور شرط للوفاء بصناعة الحد وهي في غاية العسر
ولذلك لما عسر اكتفى المتكلمون بالتمييز وقالوا إن الحد هو القول الجامع المانع ولم يشترطوا فيه إلا التمييز
ويلزم عليه الاكتفاء ب الخواص فيقال في حد الفرس إنه الصهال وفي حد الانسان إنه الضحاك وفي الكلب إنه النباح وذلك في غاية البعد عن غرض التعريف لذات المحدود
ولأجل عسر التحديد قد رأينا أن نورد جملة من الحدود المعلومة المحررة في الفن الثاني من كتاب الحدود
ثم قال
الفن الثاني في الحدود المفصلة
اعلم أن الأشياء التي يمكن تحديدها لا نهاية لها لأن العلوم التصديقية غير متناهية وهي تابعة ل التصورات وأقل ما يشتمل عليه التصديق تصوران وعلى الجملة فكل ما له اسم يمكن تحرير حده ورسمه أو شرح اسمه وإذا لم يكن في الاستقصاء مطمع فالأولى الاستقصار على القوانين المعروفة لطريقه وقد حصل ذلك بالفن الأول
ولكنا أوردنا حدودا مفصلة لفائدتين
إحداهما أن تحصل الدربة بكيفية تحرير الحد وتأليفه فان الامتحان والممارسة للشيء يفيد قوة عليه لا محالة
الثانية ان يقع الاطلاع على معاني اسماء اطلقها الفلاسفة وقد اوردناها في كتاب تهافت الفلاسفة إذ لم يمكن مناظرتهم إلا بلغتهم وعلى حكم اصطلاحهم وإذا لم نفهم ما أوردناه من اصطلاحهم لا يمكن مناظرتهم
فقد أوردنا ألفاظ أطلقوها في الالهيات والطبيعات وشيئا قليلا من الرياضيات
فلتؤخذ هذه الحدود على أنها شرح الاسم فان قام البرهان على ان ما شرحوه هو كما شرحوه اعتقد حدا وإلا اعتقد شرحا للاسم
كما يقال حد الجنى حيوان هوائي ناطق مشف الجرم من شانه ان يتشكل باشكال مختلفة فيكون هذا شرحا للاسم في تفاهم الناس فاما وجود هذا الشئ على هذا الوجه فيعرف بالبرهان فان دل على وجوده كان حدا بحسب الذات وإن لم يدل عليه بل دل على ان الجنى المراد به في الشرع موجود آخر كان هذا شرحا للاسم في تفاهم الناس
وكما تقول في حد الخلاء إنه بعد يمكن ان يفرض فيه ابعاد ثلاثة قائم لا في مادة من شأنه ان يملأه جسم ويخلو عنه وربما دل الدليل على ان ذلك محال فيؤخذ على انه شرح للاسم في إطلاق النظار
وإنما قدمنا هذه المقدمة ليعلم أن ما نورده من الحدود شرح لما أراده الفلاسفة بالاطلاق لا حكم بأن ما ذكروه كما ذكروه فان ذلك مما يتوقف على ما يوجبه البرهان
الرد على كلام الغزالي
قلت ما ذكره من صعوبة الحد على الشروط التي ذكرها حق لو كان المقصود بالحد تصوير الحدود كما يدعونه وكان ذلك ممكنا لكن ما ذكروه في الحد باطل فإنه يمتنع ان يحصل بمجرد الحد تصور المحدود وما ذكروه من الفرق بين الصفات الذاتية المقومة الداخلة في الماهية والصفات الخارجة اللازمة أمر باطل لا حقيقة له وما أوجبوه من ذكر الصفتين في الحدود هو مما يحظره المتكلمون فيمتنعون منه في الحد والتحقيق انه لا واجب ولا محظور كما قد بيناه في موضع آخر
وكل ما يذكرونه من الحدود فانما يفيد التمييز وإذا كان لا يحصل بالحد إلا التمييز فالتمييز قد يحصل ب الفصل والخاصة فعلم ان طريقة المتكلمين اسد في تحصيل المقصود الصحيح بالحدود
وأما قوله إن ذلك في غاية البعد عن التعريف لذات المحدود فيقال وكذلك سائر الحدود هي غير محصلة لتصوير ذات المحدود كما سنبينه إن شاء الله تعالى
وما ذكره من الوجوه حجة عليهم
فان ما ذكره من لزوم اخذ الجنس القريب امر اصطلاحي وذلك انه إذا أخذ البعيد كان الفصل يدل على القريب بالتضمن أو الالتزام كدلالة القريب على البعيد ف الناطق عندهم يدل على الحيوان والمسكر على الشراب كما يدل الحيوان على الجسم وكما يدل الشراب على المائع سواء جعلوا هذه دلالة تضمن او التزام فان كانوا يكتفون بمثل هذه الدلالة كان الفصل كافيا وإن كانوا لا يكتفون إلا بما يدل على الذاتيات بالمطابقة لم يكن ذكر الجنس القريب وحده كافيا
فاذا قال مائع مسكر كان لفظ المسكر يدل عل انه الشراب فان المسكر ههنا اخص عندهم من الشراب ومن المائع وهو فصل كالناطق ل الانسان ومعلوم حينئذ ان كل مسكر شراب كما ان كل ناطق حيوان كما أنه إذا قيل في الانسان جسم ناطق ف الناطق عندهم اخص من الجسم ومن الحيوان وهو يدل على الحيوان بالتضمن او الالتزام ودل لفظ المائع على الجنس البعيد بالمطابقة
وإذا قال شراب مسكر دل قوله شراب على انه مائع بالتضمن او الالتزام عندهم ودل على الجنس القريب بالمطابقة فصار الفرق بينهما انه تارة
يدل على الجنس البعيد بالمطابقة والقريب بالتضمن وتارة بالعكس
فاذا قالوا الأحسن أن يدل على القريب بالمطابقة لانه اخص بالمحدود وكلما كان اخص كان أكثر تمييزا قيل ليس في ذلك اختصاص احد الحدين بتصوير الماهية دون الآخر بل بأنه اتم تمييزا
وهذا تكلم على المعنى الذي ذكره في حد الخمر بحسب ما قاله ف الخمر اسم ل المسكر عند الشارع سواء كان مائعا او جامدا طعاما او شربا كما قال النبي ص - كل مسكر خمر فلو كان الخمر جامدة وأكلها كانت خمرا باتفاق المسلمين
وأما الوجه الثاني فقوله اللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم يشتبه بالذاتي غاية الاشتباه كلام صحيح بل ليس بينهما في الحقيقة فرق إلا بمجرد الوضع والاصطلاح كما قد بين في غير هذا الموضع وبين انهم في هذا الوضع المنطقي والاصطلاح المنطقي فرقوا بين المتماثلين وسووا بين المختلفين
وهذا وضع مخالف لصريح العقل وهو اصل صناعة الحدود الحقيقية عندهم فتكون صناعة باطلة إذ الفرق بين الحقائق لا يكون بمجرد امر وضعي بل بما هي عليه الحقائق في نفسها وليس بين ما سموه ذاتيا وما سموه لازما للماهية في الوجود والذهن فرق حقيقي في الخارج وإنما هي فروق اعتبارية تتبع الوضع واختيار الواضع وما يفرضه في ذهنه وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع وذكرنا ألفاظ أئمتهم في هذا الموضع وتفسيرها
وإن حاصل ما عندهم أن ما يسمونه ماهية هي ما يتصوره الذهن فان أجزاء الماهية هي تلك الامور المتصورة فاذا تصور جسما ناميا حساسا
متحركا بالارادة ناطقا او ضاحكا كان كل جزء من هذه الاجزاء المعنى المتصور وكان داخلا في هذا التصور وإن تصور حيوانا ناطقا كان أيضا كل منهما جزءا مما تصوره داخلا فيه وكان ما يلزم هذه الصورة الذهنية مثل كونه حيا وحساسا وناميا هو لازما لهذا المتصور في الذهن فالماهية بمنزلة المدلول عليه بالمطابقة وجزؤها المقوم لها الداخل فيها الذي هو وصف ذاتي لها بمنزلة المدلول عليه التضمن واللازم لها الخارج عنها بمنزلة المدلول عليه بالالتزام ومعلوم ان هذا امر يتبع ما يتصوره الانسان سواء كان مطابقا او غير مطابق ليس هو تابع للحقائق في نفسها
وأصل غلط هؤلاء أنه اشتبه عليهم ما في الاذهان بما في الاعيان فالانسان إذا حد شيئا كالانسان مثلا بمن هو جسم حساس نام متحرك بالارادة ناطق كان هذا القول له لفظ ومعنى فكل لفظ من ألفاظه له معنى من هذه المعاني جزء هذا الكلام
وأما قوله في الثالث إنه يشترط جميع الفصول فهذا كاشتراط الجنس وليس في ذلك ما يفيد تصوير الماهية واما التمييز فيحصل بدون ذلك وهذا امر وضعى والمتكلمون قد اتفقوا على انه لا يجوز الجمع بين وصفين متساويين في العموم والخصوص ضد ما يوجبه هؤلاء فلا يجمع بين فصلين وهذا كما إذا حد الحيوان نأنه جسم نام حساس متحرك بالارادة ف الحساس والمتحرك بالارادة فصلان والمنطقيون يوجبون ذكرهما والمنكلمون يمنعون من ذكرهما جميعا ويأمرون بالاقتصار على أحدهما
أما الوجه الرابع فانه من جنس احد الجنس البعيد بدل القريب فان تقسيم
الجنس ب الفصول الآخرية دون الأولية مثل تقويم النوع ب الأجناس الأولية دون الآخرية
صناعة الحد وضع اصطلاحي غير فطري
وقوله رعاية الترتيب في هذه الأمور شرط للوفاء بصناعة الحد وهو في غاية العسر فيقال
هذه صناعة وضعية اصطلاحية ليست من الأمور الحقيقة العلمية وهي مع ذلك مخالفة لصريح العقل ولما عليه الوجود في مواضع فتكون باطلة ليست من الأوضاع المجردة كوضع أسماء الأعلام فان تلك فيها منفعة وهي لا تخالف عقلا ولا وجودا وأما وضعهم فمخالف لصريح العقل والوجود ولو كان وضعا مجردا لم يكن ميزانا للعلوم والحقائق فان الأمور الحقيقية العلمية لا تختلف باختلاف الأوضاع والاصطلاحات كالمعرفة بصفات الأشياء وحقائقها فالعلم بأن الشيء حي أو عالم أو قادر أو مريد أو متحرك أو ساكن أو حساس أو غير حساس ليس هو من الصناعات الوضعية بل هو من الأمور الحقيقية الفطرية التي فطر الله تعالى عباده عليها كما فطرهم على أنواع الارادات الصحيحة والحركات المستقيمة
لاسيما وهؤلاء يقولون إن المنطق ميزان العلوم العقلية ومراعاته تعصم الذهن عن أن يغلط في فكر 5 كما أن العروض ميزان الشعر والنحو والتصريف ميزان الألفاظ العربية المركبة والمفردة وآلات المواقيت موازين لها
ولكن ليس الأمر كذلك فان العلوم العقلية تعلم بما فطر الله عليه بني آدم من أسباب الادراك لا تقف على ميزان وضعي لشخص معين ولا يقلد في
العقليات أحد بخلاف العربية فانها عادة لقوم لا تعرف الا بالسماع وقوانينها لا تعرف إلا بالاستقراء بخلاف ما به يعرف مقادير المكيلات والمذونات والمزروعات والمعدودات فانها تفتقر إلى ذلك غالبا لكن تعيين ما به يكال ويوزن بقدر مخصوص أمر عادي كعادة الناس في اللغات
وقد تنازع علماء المسلمين في مسمى الدرهم والدينار هل هو مقدر بالشرع أو المرجع فيه الى العرف على قولين أصحهما الثاني وعلى ذلك يبنى النصب الشرعي هل هو مائتا درهم يوزن معين او مائتا درهم مما يتعامل بها الناس باعتبار تقررها
وأما ما ذكروه من صناعة الحد فلا ريب أنهم وضعوها وهم معترفون بأن الواضع لها ارسطو وهم يعظمونه بذلك ويقولون لم يسبقه احد الى جميع اجزاء المنطق وتنازعوا هل سبق بعض اجزائه على قولين
واجزاء المنطق ثمانية
1 - المفرادات وهى المقولات المعقولة المفردة و
2 - التركيب الاول وهو تركيب القضايا و
3 - التركيب الثاني وهو تركيب القياس من القضايا ثم
4 - البرهانى و 5 الجدلى 6 الخطابى 7 الشعرى 8 السفسطة
ويسمون الجزء الاول إيساغوجى وقد يقولون أن فرفوريوس هو الذي أدخل ذلك المنطق بعد أرسطو
وقد يجعلون القياس والبرهان واحدا ويجعلون أجزاءه سبعة ويقولون
والثالث الذي يشتمل على القياس المطلق يسمونه انولوطيقيا الاول
والبرهاني يسمونه انولوطيقا الثاني
والجدلى يسمونه طوبيقا
والخطابي يسمونه ديطويقا
والشعري يسمونه اوقيوطيقا
والسفسطة يسمونه سوفسطيقا
وهذه عبارات يونانيه فاذا تكلمت بها العرب فانها تعربها وتقربها الى لغاتها كسائر ما تكلمت به العرب من الالفاظ المعجمة فلهذا توجد ألفاظها مختلفة
وقد كانت الامم قبلهم تعرف حقائق الاشياء بدون هذا الوضع وعامة الامم بعدهم تعرف حقائق الاشياء بدون وضعهم فان ارسطو كان وزيرا للاسكندر بن فيلبس المقدوني وليس هذا ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظنه كثير منهم بل هذا كان قبل المسيح بنحو ثلثمائه سنة
وجماهير العقلاء من جميع الامم يعرفون الحقائق من غير تعلم منهم بوضع ارسطو وهم إذا تدبروا انفسهم وجدوا انفسهم تعلم حقائق الاشياء بدون هذه الصناعة الوضعية
ثم إن هذه الصناعة زعموا انها تفيد تعريف حقائق الاشياء ولا تعرف إلا بها وكلا هذين غلط
ولما راموا ذلك لم يكن بد من أن يفرقوا بين بعض الصفات وبعض إذ جعلوا التصور بما جعلوه ذاتيا فلا بد أن يفرقوا بين ما هو ذاتي عندهم وما ليس كذلك ولا بد ان يرتبوا ذكرها على ترتيب مخصوص إذ لا تذكر على كل ترتيب فكانت الصفات الذاتية مادة الحد الوضعي والترتيب الذي ذكروه هو صورته
ولما كان ذلك مستلزما للتفريق بين المتماثلين او المتقاربين كان ممتنعا أو عسرا إذ يفرقون بين صفة وصفة يجعل احدهما ذاتية دون اخرى مع تساويهما او تقاربهما ويفرقون بين ترتيب وترتيب بجعل احدهما معرفا للحقيقة دون الآخر مع تساويهما او تقاربهما وطلب الفرق بين المتماثلات طلب ما لا حقيقة له فهو ممتنع وإن كان بين المتقاربين كان عسرا فالمطلوب إما متعذرا وإما متعسرا فان كان متعذرا بطل بالكلية وإن كان متعسرا فهو بعد حصوله ليس فيه فائدة زائدة على ما كان يعرف قبل حصوله فصاروا بين ان يمتنع عليهم ما شرطوه او ينالوه ولا يحصل به ما قصدوه وعلى التقديرين ليس ما وضعوه من الحد طريقا لتصور الحقائق في نفس من لا يتصورها بدون الحد وإن كان الحد قد يفيد من تنبيه المخاطب وتمييز المحدود ما قد تفيده الاسماء كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وما ذكروه من الفرق بين الحد وشرح الاسم فتلخيصه ان المحدود المميز عن غيره إذا تصورت حقيقته فقد يكون هو الموجود الخارجي وقد يكون هو المراد الذهني وقد يراد بالحد تمييز ما عناه المتكلم بالاسم وتفهيمه سواء كان ذلك المعنى الذي اراده بالاسم ثابتا في الخارج او لم يكن وقد يراد به تمييز ما هو موجود في الخارج وهذا شأن كل من فسر كلام متكلم او شرحه فقد يفسر مراد المتكلم ومقصودة سواء كان مطابقا للخارج او لم يكن وقد يتبين مع ذلك انه مطابق
للامر الخارج وأنه حق في نفسه
وإذا كان الكلام غير حق لم يكن مطابقا للخارج فيريد المستمع أن يطابق بينه وبين الواقع فلا يطابقه ولا يوافقه حتى قد يظن الظان ان الشارح او المستمع لم يفهم مقصود المتكلم لعسرته ولا يكون كذلك بل لان ما ذكره من الكلام ليس بمطابق للواقع فلا يمكن مطابقته إياه وقد يكون ظن من ظنه مطابقا للخارج إحسانا للظن بالمتكلم ويكون قد ظن أنه لم يفهمه لدقته عليه فلا يكون كذلك
وقولهم في الحد الحقيقي إنه متعسر وإنه لا يتوقف عليه إلا آحاد الناس هو من هذا الباب فان الحد الحقيقي إذا اريد به ما زعموه فإنه لا حقيقة له في الخارج إذ يريدون به أن الموصوف في نفسه مؤلف من بعض صفاته اللازمة له التي بعضها اعم منه وبعضها مطابق له دون بعض صفاته اللازمة المساوية لتلك العامة في العموم وللمطابقة في المطابقة دون بعض وأن حقيقته هي مركبة من تلك الصفات دون غيرها وان تلك الحقيقة يصورها الحد دون غيره فهذا ليس بحق
فدعواهم تأليفه من بعض الصفات اللازمة دون بعض باطلة بل دعواهم انه مركب من الصفات باطلة ودعواهم له حقيقة ثابتة في الخارج يصورها الحد دون غيره باطلة وإنما الواقع ان المحدود الموصوف الذي ميز بالاسم أو الحد عن غيره قد يكون ثابتا في الخارج وقد يكون ثابتا في نفس المتكلم بالاسم او الحد وهو يظن ثبوته في الخارج وليس كذلك
وبهذا يقال الحد يكون تارة بحسب الاسم وتارة بحسب المسمى ويقال الحد يكون تارة بحسب اسم الشئ وتارة بحسب حقيقته وإن كان الحد بحسب الاسم قد يكون مطابقا للخارج لكن المقصود أن الحد تارة يميز بين المراد باللفظ وغير المراد وتارة يميز بين الموجود في الخارج من الاعيان وبين غيره وهذا التمييز إنما يحصل بواسطة ذلك فالتمييز الذي في النفس يجب أن يكون مطابقا للتمييز في الخارج والتمييز الذي يحصل للمستمع هو بواسطة التمييز الذي في نفس المتكلم والله أعلم
خلط مقالات أهل المنطق بالعلوم النبوية وإفساد ذلك للعقول والأديان
وقد نفطن ابو عبدالله الرازي بن الخطيب لما عليه ائمة الكلام وقرر في محصله وغيره ان التصورات لا تكون مكتسبة وهذا هو حقيقة قول القائلين إن الحد لا يفيد تصوير المحدود
لكنه لم يهتد هو وأمثاله الى ما سبق اليه ائمة الكلام في هذا المقام
وهذا مقام شريف ينبغي ان يعرف فانه بسبب إهماله دخل الفساد في العقول والاديان على كثير من الناس إذ خلطوا ما ذكره اهل المنطق في الحدود بالعلوم النبوية التي جاءت به الرسل التي عند المسلمين واليهود والنصارى بل وسائر العلوم كالطب والنحو وغير ذلك
وصاروا يعظمون أمر الحدود ويدعون أنهم هم المحققون لذلك وأن ما يذكره غيرهم من الحدود إنما هي لفظية لا تفيد تعريف الماهية والحقيقة بخلاف حدودهم ويسلكون الطرق الصعبة الطويلة والعبارات المتكلفة الهائلة وليس لذلك فائدة إلا تضييع الزمان وإتعاب الاذهان وكثرة الهذيان ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان وشغل النفوس بما لا ينفعها بل قد يضلها عما لا بد لها منه وإثبات الجهل الذي هو أصل النفاق في القلوب وإن ادعوا انه أصل المعرفة والتحقيق
وهذا من توابع الكلام الذي كان السلف ينهون عنه وإن كان الذي نهوا عنه خيرا من هذا واحسن إذ هو كلام في أدلة وأحكام ولم يكن قدماء المتكلمين يرضون ان يخوضوا في الحدود على طريقة المنطقيين كما دخل في ذلك متأخروهم الذين يظنون ذلك من التحقيق وإنما هو زيغ عن سواء الطريق
ولهذا لما كانت هذه الحدود ونحوها لا تفيد الانسان علما لم يكن عنده وإنما تفيده كثرة كلام سموهم أهل الكلام
وهذا لعمرى في الحدود التي ليس فيها باطل فأما حدود المنطقين التي يدعون انهم يصورون بها الحقائق فانها باطلة يجمعون بها بين المختلفين ويفرقون بين المتماثلين
الأدلة على بطلان دعواهم ان الحدود تفيد تصوير الحقائق
ونحن نبين ان الحدود لا تفيد تصوير الحقائق وان حدود اهل المنطق التي يسمونها حقيقية تفسد العقل والدليل على ذلك وجوه
الوجه الاول
الحد سواء جعل مركبا أو مفردا لا يفيد معرفة المحدود
احدها إن الحد مجرد قول الحاد ودعواه فانه إذا قال حد الانسان مثلا إنه الحيوان الناطق أو الضاحك فهذه قضية خبرية ومجرد دعوى خلية عن حجة فاما ان يكون المستمع لها عالما يصدقها بدون هذا القول وإما ان لا يكون فان كان عالما بذلك ثبت أنه لم يستفد هذه المعرفة بهذا الحد وإن لم يكن عالما يصدقه بمجرد قول المخبر الذي لا دليل معه لا يفيده العلم كيف وهو يعلم انه ليس بمعصوم في قوله فقد تبين انه على التقديرين ليس الحد هو الذي يفيده معرفة المحدود
فان قيل الحد ليس هو الجملة الخبرية وإنما هو مجرد قولك حيوان ناطق وهذا مفرد لا جملة وهذا السؤال وارد على احد اصطلاحيهم فانهم تارة يجعلون الحد هو الجملة كما يقول الغزالي وغيره وتارة يجعلون الحد هو المفرد المفيد كالاسم وهو الذي يسمونه التركيب التقييدي كما يذكر ذلك الرازي ونحوه قيل التكلم بالمفرد لا يفيد ولا يكون جوابا للسائل سواء كان موصوفا تركيبا
مركبا تركيبا تقييديا او لم يكن كذلك
ولهذا لما مر بعض العرب بمؤذن يقول اشهد ان محمدا رسول الله بالنصب قال فعل ماذا
فاذا قيل ما هذا قيل طعام فهذا خبر مبتدإ محذوف باتفاق الناس تقديره هذا طعام كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله الزمر وقوله قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس الى قوله قل الله الانعام وكقوله سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم الكهف أي هم ثلاثة وهم خمسة وهم سبعة
ومنه قوله تعالى وقل الحق من ربكم الكهف أي هذا الحق من ربكم ليس كما يظنه بعض الجهال أي قل القول الحق فان هذا لو اريد لنصب لفظ الحق والمراد إثبات ان القرآن حق ولهذا قال الحق من ربكم ليس المراد ههنا بقول حق مطلق بل هذا المعنى مذكور في قوله وإذا قلتم فاعدلوا الانعام وقوله الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق الاعراف
ثم إذا قدر ان الحد هو المفرد فالمفرادات اسماء وغاية السائل ان يتصور مسماها لكن من أين له إذا تصور مسماها أن هذا المسمى هو المسئول عنه وأن هذا المسمى هو حقيقة المحدود
فان قيل يفيده مجرد تصور المسمى من غير ان يحكم أنه هو ذلك أو غير ذلك بل تصور إنسان قيل فحينئذ يكون هذا كمجرد دلالة اللفظ المفرد على معناه وهو دلالة الاسم على مسماه كما لو قيل الانسان وهذا يحقق ما قلناه من أن
دلالة الحد كدلالة الاسم وهذا هو قول أهل الصواب الذين يقولون الحد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال وحينئذ فيقال ان لا نزاع بين العقلاء ان مجرد الاسم لا يوجب تصوير المسمى لمن لم يتصوره بدون ذلك وإنما الاسم يفيد الدلالة عليه والاشارة إليه
ولهذا قالوا إن المقصود باللغات ليس هو دلالة اللفظ المفرد على معناه وذلك لان اللفظ المفرد لا يعرف دلالته على المعنى إن لم يعرف أنه موضوع له ولا يعرف انه موضوع له حتى يتصور اللفظ والمعنى فلو كان المقصود بالوضع استفاده معانى الالفاظ المفردة لزم الدور
وإذا لم يكن المقصود من الاسماء تصوير معانيها المفردة ودلالة الحد كدلالة الاسم لم يكن المقصود من الحد تصوير معناه المفرد وإذا كان دلالة الاسم على مسماه مسبوقا بتصور مسماه وجب أن تكون دلالة الحد على المحدود مسبوقا بتصور المحدود وإذا كان كل من المحدود والمسمى متصورا بدون الاسم والحد وكان تصور المسمى والمحدود مشتركا في دلالة الحد والاسم على معناه امتنع أن تتصور المحدودات بمجرد الحدود كما يمتنع تصور المسميات بمجرد الاسماء وهذا هو المطلوب
ولهذا كان من المتفق عليه بين جميع اهل الارض أن الكلام المفيد لا يكون إلاجملة تامة كاسمين أو فعل واسم
هذا مما اعترف به المنطقيون وقسموا الالفاظ الى اسم وكلمة وحرف يسمى اداة وقالوا المراد ب الكلمة ما يريده النحاة بلفظ الفعل لكنهم مع هذا يناقضون ويجعلون ما هو اسم عند النحاة حرفا في اصطلاحهم فالضمائر ضمائر الرفع والنصب والجر والمتصلة والمنفصلة مثل قولك رأيته ومر بي فان هذه اسماء ويسميها النحاة الاسماء المضمرة والمنطقيون يقولون إنها في لغة اليونان من باب الحروف ويسمونها الخوالف كأنها
خلف عن الاسماء الظاهرة
فأما الاسم المفرد فلا يكون كلاما مفيدا عند أحد من أهل الارض بل ولا اهل السماء وإن كان وحده كان معه غيره مضمرا أو كان المقصود به تنبيها أو إشارة كما يقصد بالأصوات التي لم توضع لمعنى لا أنه يقصد به المعاني التي تقصد بالكلام استطراد
ولهذا عد الناس من البدع ما يفعله بعض النساك من ذكر اسم الله وحده بدون تأليف كلام فان النبي ص - قال أفضل الذكر لا إله إلا الله وافضل الدعاء الحمد لله رواه ابو حاتم في صحيحه وقال أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رواه مالك وغيره
وقد نواتر عن النبي ص - انه كان يعلم امته ذكر الله تعالى بالجمل التامة مثل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله افضل الكلام بعد القرآن أربع وهي من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر رواه مسلم وفي صحيح مسلم عنه ص - أنه قال لأن اقول سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر أحب الى مما طلعت عليه الشمس وقال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأمثال ذلك
فظن طائفة من الناس ان ذكر الاسم المفرد مشروع بل ظنه بعضهم افضل في حق الخاصة من قول لا إله إلا الله ونحوها وظن بعضهم ان ذكر الاسم المضمر وهو هو هو افضل من ذكر الاسم المظهر
وأخرجهم الشيطان إلى أن يقولوا لفظا لا يفيد إيمانا ولا هدى بل دخلوا بذلك في مذهب اهل الزندقة والالحاد أهل وحده الوجود الذين يجعلون وجود المخلوقات وجود الخالق ويقول احدهم ليس إلا الله والله فقط ونحو ذلك
وربما احتج بعضهم عليه بقوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وظنوا انه مأمور بان يقول الاسم مفردا وإنما هو جواب الاستفهام حيث قال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قال الله تعالى قل من انزل الكتب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا قل الله الانعام أي الله انزل الكتاب الذي جاء به موسى
عود إلى اصل الموضوع
وإذا عرف ان مجرد الإسم ومجرد الحد لا يفيد ما يفيده الكلام بحال علم ان الحد خبر مبتدإ محذوف لتكون جملة تامة
ثم قد بينا فساد قولهم سواء جعل الحد مفردا كالاسماء او مركبا كالجمل وأنه على التقديرين لا يفيد تصوير المسمى وهو المطلوب
ودعوى المدعى أن الحد مجرد المفرد المفيد كدعواهم ان التصور الذي هو احد نوعى العلم هو التصور المجرد عن كل نفي وإثبات ومعلوم أن مثل هذا لا يكون علما عند أحد من العلماء بل إذا خطر ببال الانسان شيء ما ولم يخطر له ثبوته ولا انتفاءه بوجه من الوجوه لم يكن قد علم شيئا مثل من خطر له بحر زئبق أو جبل ياقوت خاطرا مجردا عن كون هذا التصور ثابتا في الخارج أو منتفيا ممكنا أو ممتنعا فان هذا من جنس الوسواس لا من جنس العلم
وقد بسطنا الكلام على هذا في مواضع متعددة مثل الكلام على المحصل وبينا أن المشروط في التصديق من جنس العلم المشروط في القول فمن صدق بما لم يتصوره كان قد تكلم بغير علم ومن صدق بما تصوره كان كالمتكلم بعلم فقولهم في الحدود ألقولية من جنس قولهم في التصورات الذهنية
الوجه الثاني
خبر الواحد بلا دليل لا يفيد العلم
الثاني انهم يقولون الحد لا يمنع ولا يقوم عليه دليل وإنما يمكن إبطاله ب النقض والمعارضة بخلاف القياس فانه يمكن فيه الممانعة والمعارضة
فيقال إذا لم يكن الحاد قد أقام دليلا على صحة الحد امتنع أن يعرف المستمع المحدود به إذا جوز عليه الخطأ فإنه إذا لم يعرف صحة الحد إلا بقوله وقوله محتمل للصدق والكذب امتنع أن يعرفه بقوله للصدق والكذب امتنع أن يعرفه بقوله
ومن العجب أن هؤلاء يزعمون أن هذه طرق عقلية يقينية ويجعلون العلم بالمفرد أصلا للعلم بالمركب ويجعلون العمدة في ذلك على الحد الذي هو قول الحاد بلا
دليل وهو خبر واحد عن أمر عقلي لا حسي يحتمل الصواب والخطأ والصدق والكذب ثم يعيبون على من يعتمد في الأمور السمعية على نقل الواحد الذي معه من القرائن ما يفيد المستمع العالم بها العلم اليقيني زاعمين أن خبر الواحد لا يفيد العلم ولا ريب أن مجرد خبر الواحد الذي لا دليل على صدقة لا يفيد العلم لكن هذا بعينه قولهم في الحد وإنه خبر واحد لا دليل على صدقه بل ولا يمكن عندهم إقامة دليل على صدقه فلم يكن الحد مفيدا لتصور المحدود
ولكن إن كان المستمع قد تصور المحدود قبل هذا أو تصوره معه أو بعده بدون الحد وعلم أن ذلك حده علم صدقه في حده وحينئذ فلا يكون الحد أفاد التصوير وهذا بين
وتلخيصه أن المحدود بالحد لا يمكن بدون العلم بصدق قول الحاد وصدق قوله لا يعلم بمجرد الخبر فلا يعلم المحدود بالحد
ومن قال أنا أريد بالحد المفرد لم يكن قوله مفيدا لشيء أصلا فإن التكلم ب الاسم المفرد لا المستمع شيئا بل إن كان تصور المحدود بدون هذا اللفظ كان قد تصوره بدون هذا اللفظ المفرد وإن لم يكن تصوره لا قبله ولا بعده
الوجه الثالث
لو حصل تصور المحدود بالحد لحصل ذلك قبل العلم بصحة الحد
الثالث أن يقال لو كان مفيدا لتصور المحدود لم يحصل ذلك إلا بعد العلم بصحة الحد فانه دليل التصور وطريقه وكاشفه فمن الممتنع أن نعلم صحة المعرف المحدود قبل العلم بصحة المعرف والعلم بصحة الحد لا يحصل إلا بعد العلم بالمحدود إذ الحد خبر عن مخبر هو المحدود فمن الممتنع أن يعلم صحة الخبر وصدقه قبل
تصور المخبر عنه من غير تقليد المخبر وقبول قوله فيما يشترك في العلم به المخبر والمخبر ليس هو من باب الاخبار عن الأمور الغائبة
الوجه الرابع
معرفة المحدود يتوقف على العلم بالمسمى واسمه فقط
الرابع أنهم يحدون المحدود بالصفات التي يسمونها الذاتية ويسمونها اجزاء الحد وأجزاء الماهية والمقومة لها والداخلة فيها ونحو ذلك من العبارات
فان لم يعلم المستمع ان المحدود موصوف بتلك الصفات امتنع ان يتصوره وإن علم أنه موصوف بها كان قد تصوره بدون الحد فثبت انه على تقدير النقيضين لا يكون قد تصوره بالحد وهذا بين
فانه إذا قيل الانسان هو الحيوان الناطق فان لم يكن قد عرف الانسان قبل هذا كان متصورا لمسمى الحيوان الناطق ولا يعلم انه الانسان احتاج الى العلم بهذه النسبة وإن لم يكن متصورا لمسمى الحيوان الناطق احتاج الى شيئين الى تصور ذلك وإلى العلم بالنسبة المذكورة وإن عرف ذلك كان قد تصور الانسان بدون الحد
الحد قد ينبه تنبيها
نعم الحد قد ينبه على تصور المحدود كما ينبه الاسم فان الذهن قد يكون غافلا عن الشئ فاذا سمع اسمه أو حده اقبل بذهنه الى الشئ الذي اشير اليه بالاسم او الحد فيتصوره فيكون فائدة الحد من جنس فائدة الاسم وهذا هو الصواب وهو التمييز بين الشئ المحدود وغيره
تصور المخبر عنه من غير تقليد المخبر وقبول قوله فيما يشترك في العلم به المخبر والمخبر ليس هو من باب الاخبار عن الأمور الغائبة
الوجه الرابع
معرفة المحدود يتوقف على العلم بالمسمى واسمه فقط
الرابع أنهم يحدون المحدود بالصفات التي يسمونها الذاتية ويسمونها اجزاء الحد وأجزاء الماهية والمقومة لها والداخلة فيها ونحو ذلك من العبارات
فان لم يعلم المستمع ان المحدود موصوف بتلك الصفات امتنع ان يتصوره وإن علم أنه موصوف بها كان قد تصوره بدون الحد فثبت انه على تقدير النقيضين لا يكون قد تصوره بالحد وهذا بين
فانه إذا قيل الانسان هو الحيوان الناطق فان لم يكن قد عرف الانسان قبل هذا كان متصورا لمسمى الحيوان الناطق ولا يعلم انه الانسان احتاج الى العلم بهذه النسبة وإن لم يكن متصورا لمسمى الحيوان الناطق احتاج الى شيئين الى تصور ذلك وإلى العلم بالنسبة المذكورة وإن عرف ذلك كان قد تصور الانسان بدون الحد
الحد قد ينبه تنبيها
نعم الحد قد ينبه على تصور المحدود كما ينبه الاسم فان الذهن قد يكون غافلا عن الشئ فاذا سمع اسمه أو حده اقبل بذهنه الى الشئ الذي اشير اليه بالاسم او الحد فيتصوره فيكون فائدة الحد من جنس فائدة الاسم وهذا هو الصواب وهو التمييز بين الشئ المحدود وغيره
ويكون الحدود للانواع بالصفات كالحدود للاعيان بالجهات كما إذا قيل حد الارض من الجانب القبلي كذا ومن الجانب الشرقي كذا وميزت الارض باسمها وحدها وحد الارض يحتاج اليه إذ خيف من الزيادة في المسمى او النقص منه فيفيد إدخال المحدود جميعه وإخراج ما ليس منه كما يفيد الاسم وكذلك حد النوع
وهذا يحصل بالحدود اللفظية تارة وبالوصفية أخرى وحقيقة الحد في الموضعين بيان مسمى الاسم فقط وتمييز المحدود عن غيره لا تصوير المحدود وإذا كان فائدة الحد بيان مسمى الاسم والتسمية امر لغوي وضعي رجع في ذلك الى قصد ذلك المسمى ولغته ولهذا يقول الفقهاء من الاسماء ما يعرف حده ب اللغة ومنه ما يعرف حده ب الشرع ومنه ما يعرف حده ب العرف
ومن هذا تفسير الكلام وشرحه إذا أريد به تبيين مراد المتكلم فهذا يبنى على معرفة حدود كلامه وإذا أريد به تبيين صحته وتقريره فانه يحتاج الى معرفة دليل صحة الكلام فالاول فيه بيان تصوير كلامه والثاني بيان تصديق كلامه
وتصوير كلامه كتصوير مسميات الاسماء ب الترجمة تارة لمن يكون قد تصور المسمى ولم يعرف ان ذلك اسمه وتارة لمن لم يكن قد تصور المسمى فيشار له إلى المسمى بحسب الامكان إما إلى عينة وإما الى نظيره ولهذا يقال الحد تارة يكون ل الاسم وتارة يكون ل المسمى
وأئمة المصنفين في صناعة الحدود على طريقة المنطقيين يعترفون عند التحقيق بهذا كما ذكر أبو حامد الغزالي في كتاب معيار العلم الذي صنفه في المنطق بعد ان قال
البحث النظري الجاري في الطلب إما أن يتجه الى تصور او إلى تصديق فالموصل الى التصور يسمى قولا شارحا فمنه حد ومنه رسم والموصل الى التصديق يسمى حجة فمنه قياس ومنه استقراء وغيره
قال الغزالي
مضمون هذا الكتاب تعريف مبادئ القول الشارح لما أريد تصوره حدا كان أو رسما وتعريف مبادئ الحجة الموصلة الى التصديق قياسا كان او غيره مع التنبيه على شروط صحتها ومثار الغلط فيها
قال
فان قلت كيف يجهل الانسان العلم التصوري حتى يفتقر الى الحد قلنا بان يسمع الانسان اسما لا يعرف معناه كمن قال ما الخلاء وما الملاء وما الشيطان وما العقار فيقال العقار الخمر فان لم يعرفه باسمه المعروف يفهمه بحده فيقال الخمر هو شراب مسكر معتصر من العنب فيحصل له علم تصوري بذات الخمر
قلت فقد بين أن فائدة الحدود من جنس فائدة الاسماء وان ذلك كمن سمع اسما لا يعرف معناه فيذكر له اسم فان لم يتصوره وإلا ذكر له الحد
وهذا مما يعترف به حذاقهم حتى بين معلمهم الثاني ابو نصر الفارابي وهو أعظم الفلاسفة كلاما في المنطق وتفاريعه من برهانه
ومعلوم ان الاسم لا يفيد بنفسه تصوير المسمى وإنما يفيد التمييز بينه وبين غيره وأما تصور المسمى فتارة يتصوره الانسان بذاته بحسه الباطن أو الظاهر وتارة يتصوره بتصور نظيره وهو ابعد فمن عرف عين
الخمر إذا لم يعرف مسمى لفظ العقار قيل له هو الخمر او غيرها من الاسماء فعرفها ومن لم يعرف عين الخمر بحال عرف بنظيرها فقيل له هو شراب فاذا تصور القدر المشترك بين النظيرين ذكر له ما يميزها فقيل مسكر
ولكن الكلام في تصوره لمعنى المسكر كالكلام في تصوره لمعنى الخمر فان لم يعرف عين المسكر وإلا لم يمكن تعريفه إلا بنظيره فيقال هو زوال العقل وهذا جنس يشترك فيه النوم والجنون والاغماء والسكر فلا بد ان يميز السكر فيقال زوال العقل بما يلتذ به ثم اللذة لا بد ان يكون قد تصور جنسها ب الاكل والشرب وغيرهما
وهذا يبين أن فائدة الحدود قد تكون اضعف من فائدة الاسماء لأنها تفيد معرفة الشئ بنظيره والاسم يكتفى به من عرفه بنفسه
وحقيقة الامر ان الحد هو ان تصف المحدود بما تفصل به بينه وبين غيره والصفات تفيد معرفة الموصوف خبرا وليس المخبر كالمعاين ولا من عرف المشهود عليه بعينه كمن عرفه بصفته وحليته فمن عرف المسمى بعينه كان الاسم مغنيا له عن الحد كما تقدم ومن لم يعرفه بعينه لم يفده الحد ما يفيد الاسم لمن عرفه بعينه إذ الاسم هناك يدل على العين التي عرفها بنفسها والحد لمن لم يعرف العين إنما يفيده معرفة النوع لا معرفة العين كما يتصور اللذه بشرب الخمر من لم يشربها قياسا على اللذة ب الخبز واللحم ومعلوم فرق ما بين اللذتين
وليس مقصودنا أن فائدة الحدود اضعف مطلقا وإنما المقصود انها من جنس
فائدة الاسماء وأنها مذكرة لا مصورة او معرفة بالتسمية مميزة للمسمى من غيره او معرفة بالقياس
اعتراف ابن سينا بأن من الامور ما هو متصور بذاته
وهكذا يقول حذاقهم في تحديد امور كثيرة قد حدها غيرهم يقولون لا يمكن تحديدها تحديد تعريف لماهياتها بل تحديد تنبيه وتمييز كما قال ابن سينا في الشفاء قال
فنقول إن الموجود والشئ والضروري معانيها ترتسم في النفس إرتساما أوليا ليس ذلك الارتسام مما يحتاج أن يجلب بأشياء هو أعرف منها
فانه كما أنه في باب التصديق مباديء أولية يقع التصديق بها لذاتها ويكون التصديق لغيرها بسببها وإذا لم يخطر بالبال أو يفهم اللفظ الدال عليها لم يمكن التوصل إلى معرفة ما يعرف بها وإذا لم يكن التعريف الذي يحاول إخطارها بالبال أو يفهم ما يدل عليها من الألفاظ محاولا لافادة علم ما ليس في الغريزة بل منبها على تفهيم ما يريده القائل أو يذهب إليه وربما كان ذلك بأشياء هي في أنفسها أخفى من المراد تعريفه لكنها لعلة ما وعبارة ما صارت أعرف
كذلك في التصورات أشياء هي مباديء للتصور هي متصورات لذاتها وإذا أريد أن يدل عليها لم يكن ذلك في الحقيقة تعريفا لمجهول بل تنبيها وإخطارا بالبال باسم العلامة وربما كانت في نفسها أخفى منه
لكنها لعلة ما وحال ما تكون أظهر دلالة فاذا استعملت تلك العلامة نبهت النفس على إخطار ذلك المعنى بالبال من حيث أنه هو المراد لا غيره من غير أن تكون العلامة بالحقيقة معلمة إياه
ولو كان كل تصور يحتاج إلى أن يسبقه تصور قبله لذهب الأمر إلى غير النهاية أو لدار وأولى الأشياء بأن تكون متصورة لأنفسها الأشياء العامة للأمور كلها كالموجود والشيء والواحد وغيره ولهذا ليس يمكن أن يبين شيء منها ببيان لا دور فيه ألبتة أو ببيان وشيء أعرف منها
وكذلك من حاول أن يقول فيها شيئا وقع في اضطراب كمن يقول إن من حقيقة الموجود أن يكون فاعلا أو منفعلا وهذا وإن كان ولا بد فمن اقسام الموجود والموجود أعرف من الفاعل والمنفعل وجمهور الناس يتصورون حقيقة الموجود ولا يعرفون ألبتة أنه يجب أن يكون فاعلا أو منفعلا وأنا إلى هذه الغاية لم يتضح لي ذلك إلا بقياس لاغير فكيف يكون حال من يروم أن يعرف الشيء الظاهر بصفة له تحتاج إلى بيان حتى يثبت وجودها له
وكذلك قول من قال إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر فان يصح أخفى من ل الشيء والخبر أخفى من الشيء فكيف يكون هذا تعريفا ل الشيء وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه شيء أو أنه أمر أو أنه ما أو أنه الذي وجميع ذلك كالمرادفات لاسم الشيء فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لا يعرف إلا به نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما وأما بالحقيقة فانك إذا قلت
إن الشيء هو ما يصح ان يخبر عنه تكون كأنك قلت إن الشيء هو الشيء الذي يصح عنه الخبر لأن معنى ما والذي والشيء معنى واحد فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء على أننا لا ننكر أن يقع بهذا وما أشبهه مع فساد مأخذه تنبيه بوجه ما على الشئ ونقول إن معنى الموجود ومعنى الشئ متصوران في الانفس وهما معنيان والموجود والمثبت والمحصل اسماء مترادفة على معنى واحد ولا شك ان معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب
وكذلك قال في حد الواحد والكثير قال
فصل في تحقيق الواحد والكثير وإبانة ان العدد عرض والذي يصعب علينا تحقيقه ما هية الواحد وذلك انا إذا قلنا إن الواحد الذي لا ينقسم فقد قلنا إن الواحد الذي لا يتكثر ضرورة فأخذنا في بيان الواحد الكثرة وأما الكثرة فمن الضرورة أن تحد ب الواحد لان الواحد مبدأ الكثرة ومنه وجودها وماهيتها
ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة فمن ذلك ما نقول إن الكثرة هو المجتمع من وحدات فقد اخذنا الوحدة في حد الكثرة ثم عملنا شيئا آخر وهو أنا أخذنا المجمتع في حدها والمجتمع يشبه ان يكون هو الكثرة نفسها وإذا قلنا من الوحدات أو الوحدان أو الآحاد فقد أوردنا بدل
عدد الأجزاء : 1
لفظ الجمع هذا اللفظ ولا يفهم معناه ولا يعرف إلا ب الكثرة وإذا قلنا إن الكثرة هي التي تعد بالواحد فنكون قد أخذنا في حد الكثرة الوحدة ونكون أيضا أخذنا في حدها العدد والتقدير وذلك إنما يفهم ب الكثرة أيضا
فما أغنى علينا أن نقول في هذا الباب شيئا يعتد به لكنه يشبه أن تكون الكثرة أيضا أعرف عند تخيلنا ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من الأمور التي يتصورها بديا فذكر الكثرة نتخيلها أولا والوحدة نعقلها من غير مبدأ لتصورها ثم إن كان ولابد فخيالي ثم تعريفنا الكثرة ب الوحدة تعريفا عقليا وهنالك نأخذ الوحدة متصورة بذاتها ومن أوائل التصور يكون تعريفنا الوحدة ب الكثرة تنبيها يستعمل فيه المذهب الخيالي النومي إلى معقول عندنا لا يتصور حاضرا في الذهن
فاذا قالوا إن الوحدة هي الشيء الذي ليست فيه كثرة دلوا على أن المراد بهذه اللفظة الشيء المعقول عندنا بديا الذي يقابل هذا الآخر وليس هو فينبه عليه بسلب هذا عنه
والعجب ممن يحدد العدد ويقول إن العدد كثرة مؤلفة من وحدة أو آحاد والكثرة نفس العدد ليس كالجنس ل العدد وحقيقة الكثرة أنها مؤلفة من وحدات فقولهم إن الكثرة مؤلفة من وحدات كقولهم إن الكثرة كثرة فان الكثرة ليس إلا اسما ل المؤلف من الوحدات
فان قال قائل إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس والدواب فنقول إنه هذه كما أن الأشياء ليست كثرات بل أشياء موضوعة ل الكثرة وكما أن تلك الأشياء وحدان لا وحدات فكذلك هي كثيرة لا كثرة والذين يحسبون أنهم اذا قالوا إن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب فقد تخلصوا من هذا فما تخلصوا فان الكمية تحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف ب الجزء أ أو القسمة أو المساوة أما الجزء والقسمة فانما يمكن تصورهما ب الكثرة وأما المساوة فان الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة ب الكمية التي يجب أن توخذ في حدها الكمية فيقال إن المساوة هي اتحاد في الكمية والترتيب الذي أخذ في حد العدد أيضا هو ما لا يفهم إلا بعد فهم العدد
فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل الشبيه بالأمثلة والأسماء المترادفة فان هذه المعاني متصورة كلها أو بعضها لذواتها وإنما يدل عليها بهذه الأشياء لينبه عليها وتميز فقط
قلت فهذا الكلام الذي ذكره ابن سينا هنا قد تلقوه عنه بالقبول كما يذكر مثل ذلك أبو حامد والرازي والسهروردي وغيرهم
فيقال هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل لكن منها ما هو بين لكل أحد كالأمور العامة ومنها ما هو بين لبعض الناس كما يعرف أهل الصناعات والمقالات أمورا لا يعرفها غيرهم فحدودها بالنسبة إلى هؤلاء كحدود تلك الأمور التي يعم علمها بالنسبة إلى العموم
وأما الأمور التي تخفى فمجرد الحدود لا تفيد تعريف حقيقتها بعينها وإنما تفيد تمييزها ونوعا من التعريف الشبهي
وهذا يتبين بتقرير قاعدة في ذلك فنقول
التحقيق السديد في مسألة التحديد
المقول في جواب ما هو المطلوب تعريفه بالحد هوجواب لقول سائل قال ما كذا كما يقول ما الخمر أو ما الانسان أو ما الثلج
فهذا الاسم المستفهم عنه المذكور في السؤال إما أن يكون السائل غير عالم بمسماه وإما أن يكون عالما بمسماه
مطلوب السائل المتصور للمعنى الجاهل بدلالة اللفظ عليه
فالأول كالسائل عن اسم تحديد في غير لغته أو عن اسم غريب في لغته أو عن اسم معروف في لغته لكن مقصوده تحديد مسماه مثل العربي إذا سأل عن معاني الأسماء الأعجمية إذا سأل عن معاني الأسماء العربية وبعض الأعاجم إذا سأل بعضا عن معاني الأسماء التي تكون في لغة المسئول دون السائل وهذا هو الترجمة
الترجمة وأحكامها
فالمترجم لا بد أن يعرف اللغتين التي يترجمها والتي يترجم بها وإذا عرف أن المعنى الذي يقصد بهذا الاسم في هذه اللغة هو المعنى الذي يقصد به في اللغة الأخرى ترجمه كما يترجم اسم الخبز والماء والأكل والشرب والسماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر ونحو ذلك من أسماء الأعيان والأجناس وما تضمنته من الأشخاص سواء كانت مسمياتها أعيانا أو معاني
والترجمة تكون ل المفردات ول الكلام المؤلف التام
وإن كان كثير من الترجمة لا يأتي بحقيقة المعنى التي في تلك اللغة بل بما يقاربه لأن تلك المعاني قد لا تكون لها في اللغة الأخرى ألفاظ تطابقها على الحقيقة لا سيما لغة العرب فان ترجمتها في الغالب تقريب
ومن هذا الباب ذكر غريب القرآن والحديث وغيرهما بل وتفسير القرآن وغيره من سائر أنواع الكلام وهو في أول درجاته من هذا الباب فان المقصود ذكر مراد المتكلم بتلك الأسماء أو بذلك الكلام
وهذا الحد هم متفقون على أنه من الحدود اللفظية مع أن هذا هو الذي يحتاج إليه في إقراء العلوم المصنفة بل في قراءة جميع الكتب بل في جميع أنواع المخاطبات بتلك فان من قرأ كتب النحو والطب أو غيرهما لا بد أن يعرف مراد أصحابها بتلك الأسماء ويعرف مرادهم بالكلام المؤلف وكذلك من قرأكتب الفقه والكلام والفلسفة وغير ذلك
معرفة الحدود الشرعية من الدين
وهذه الحدود معرفتها من الدين في كل لفظ هو كتاب الله وسنة رسوله ص - ثم قد تكون معرفتها فرض عين وقد تكون فرض كفاية ولهذا ذم الله تعالى من لم يعرف هذه الحدود بقوله تعالى الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله
والذي أنزله على رسوله فيه ما قد يكون الاسم غريبا بالنسبة إلى المستمع كلفظ ضيزى وقسورة وعسعس وأمثال ذلك
وقد يكون مشهورا لكن لا يعلم حده بل يعلم معناه على سبيل الاجمال
كاسم الصلوة والزكوة والصيام والحج فان هذه وإن كان جمهور المخاطبين يعلمون معناها على سبيل الاجمال فلا يعلمون مسماها على سبيل التحديد الجامع المانع إلا من جهة الرسول ص - وهي التي يقال لها الأسماء الشرعية
كما إذا قيل صلوة الجنازة وسجدة السهو وسجود الشكر والطواف هل تدخل في مسمى الصلوة في قوله ص - مفتاح الصلوة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم فقيل هل كل ذلك صلوة تجب فيها الطهارة وهل لا تجب الطهارة لمثل ذلك فهل تجب لما تحريمه التكبير وتحليله التسليم وهي كصلوة الجنازة وسجد السهو دون الطواف سجود التلاوة
وكذلك اسم الخمر والربوا والميسر ونحو ذلك يعلم أشياء من مسمياتها ومنها ما لا يعلم إلا ببيان آخر فانه قد يكون الشيء داخلا في اسم الربوا والميسر والانسان لا يعلم ذلك إلا بدليل يدل على ذلك شرعي أو غيره
ومن هذا قول النبي ص - لما سئل عن حد الغيبة فقال ذكرك أخاك بما يكره فقال له أرأيت إن كان في أخي ما أقول فقال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته
وكذلك قوله لما قال لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر
فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذلك فقال لا الكبر بطر الحق وغمط الناس
وكذلك لما قيل له ما الإسلام وما الإيمان وما الإحسان ولما سئل عن أشياء أهي من الخمر وغير ذلك
بالجملة فالحاجة إلى معرفة هذه الحدود ماسة لكل أمة وفي كل لغة فان معرفتها من ضرورة التخاطب الذي هو النطق الذي لا بد منه لبني آدم
أقسام الحدود اللفظية
وهذا الذي يقال له حد بحسب الاسم والمقول في جواب ما هو من هذا النوع وقد يكون اسما مرادفا وقد يكون مكافيا غير مرادف بحيث يدل على الذات مع صفة أخرى كما إذا قال ما الصراط المستقيم فقال هو الاسلام واتباع القرآن أو طاعة الله ورسوله والعلم النافع والعمل الصالح وما الصارم فقيل هو المهند وما أشبه ذلك
وقد يكون الجواب ب المثال كما إذا سئل عن لفظ الخبز ورأى
رغيفا فقال هذا فان معرفة الشخص يعرف منه النوع
وإذا سئل عن المقتصد والسابق والظالم فقال المقتصد الذي يصلي الفريضة في وقتها ولا يزيد والظالم الذي يؤخرها عن الوقت والسابق الذي يصليها في أول الوقت ويزيد عليها النوافل الراتبة ونحو ذلك من التفسير الذي هو تمثيل يفيد تعريف المسمى ب المثال لا خطاره بالبال لا لأن السائل لم يكن يعرف المصلي في أول الوقت وفي أثنائه والمؤخر عن الوقت لكن لم يكن يعرف أن هذه الثلاثة أمثلة الظالم والمقتصد والسابق فاذا عرف ذلك قاس به ما يماثله من المقتصر على الواجب والزائد عليه والناقص عنه
ثم إن معرفة حدود هذه الأسماء في الغالب تحصل بغير سؤال لمن يباشر المتخاطبين بتلك اللغة أو يقرأ كتبهم فان معرفة معاني اللغات تقع كذلك
وهذه الحدود قد يظن بعض الناس أنها حدود لغوية يكفي في معرفتها العلم باللغة والكتب المصنفة في اللغة وكتب الترجمة وليس كذلك على الاطلاق
بل الأسماء المذكورة في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف ألف منها ما يعرف حده ب اللغة كالشمس والقمر والكوكب ونحو ذلك ب ومنها مالا يعرف إلا ب الشرع كأسماء الواجبات الشرعية والمحرمات الشرعية كالصلوة والحج والربوا والميسر ج ومنها ما يعرف ب العرف العادي وهو عرف الخطاب باللفظ كاسم النكاح والبيع والقبض وغير ذلك
هذا في معرفة حدود ها التي هي مسمياتها على العموم
وأما معرفة دخول الأعيان الموجودة في هذه الأسماء والألفاظ فهذا قد يكون ظاهرا وقد يكون خفيا يحتاج إلى اجتهاد وهذا هو التأويل في لفظ الشارع الذي يتفاضل الفقهاء وغيرهم فيه فانهم قد اشتركوا في حفظ الألفاظ الشرعية بما فيها من الأسماء أو حفظ كلام الفقهاء أو النحاة أو الأطباء وغيرهم ثم يتفاضلون بأن يسبق أحدهم إلى أن يعرف أن هذا المعنى الموجود هو المراد أو مراد هذا الاسم كما يسبق الفقيه الفاضل إلى حادثة فينزل عليها كلام الشارع أو كلام الفقهاء وكذلك الطبيب يسبق إلى مرض لشخص معين فينزل عليه كلام الأطباء إذ الكتب والكلام المنقول عن الأنبياء والعلماء إنما هو مطلق بذكر الأشياء لصفاتها وعلاماتها فلا بد يعرف أن هذا المعين هو ذاك
وإذا كان خفيا فقد يسميه بعض الناس تحقيق المناط فان الشارع قد ناط الحكم بوصف كما ناط قبول الشهادة بكونه ذا عدل وكما ناط العشرة المأمور بها بكونها بالمعروف وكما ناط النفقة الواجبة بالمعروف وكما ناط الاستقبال في الصلوة بالتوجه شطر المسجد الحرام يبقي النظر في هذا المعين هل هو شطر المسجد الحرام وهل هذا الشخص ذو عدل وهل هذه النفقة نفقة بالمعروف وأمثال ذلك لابد فيه من نظر خاص لا يعلم ذلك بمجرد الاسم
وقد يكون الاجتهاد في دخول بعض الأنواع في مسمى ذلك الاسم كدخول الأشربة المسكرة من غير العنب والنخل في مسمى الخمر ودخول الشطرنج والنرد ونحوهما في مسمى الميسر ودخول السبق بغير محلل في سباق الخيل ورمى النشاب في ذلك ودخول الرمل ونحوه في الصعيد
الذي في قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا ودخول من خرج منه منى فاسد في قوله وإن كنتم جنبا فاطهروا ودخول الساعد في قوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ودخول البياض الذي بين العذار والأذن في قوله فاغسلوا وجوهكم ودخول الماء المتغير بالطهارات أو ما أوقعت به نحاسة ولم تغيره في قوله فلم تجدوا ماء ودخول المائع الذي لم يغيره ما مات فيه من الطيبات أو الخبائث ودخول سارق الأموال الرطبة في قوله السارق والسارقة ودخول النباش في ذلك ودخول الحلفة بما يلزم لله في مسمى الأيمان ودخول بنات البنات والجدات في قوله حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم
ومثل هذا الاجتهاد متفق عليه بين المسلمين ممن يثبت القياس ومن ينفيه فان بعض الجهال يظن أن من نفى القياس يكفيه في معرفة مراد الشارع مجرد العلم ب اللغة وهذا غلط عظيم جدا
ولهذا قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله والتفسير الذي يعلمه العلماء فيتضمن الأنواع التي لا تعلم بمجرد اللغة كالأسماء الشرعية ويتضمن أعيان المسميات وأنواعها التي يفتقر دخولها في المسمى إلى اجتهاد العلماء
فصل
ثم إن هذا الاسم المسئول عنه الذي لا يعلم السائل معناه إذا أجيب عنه بما يقال
اخبار سيارات
سعودي اوتو
thank you
شركة نقل عفش بالرياض
thank you
برمجة مواقع
اذا كنت تعاني من مكافحة الحشرات ورش المبيدات وبحثت كثيرا ولم تجد الحل الامثل الان لدينا الحل الامثل وهو شركة مكافحة حشرات بالخبر وشركة رش مبيدات بالخبر يعملون بعملاء متخصصون لذالك يقضون علي الحشرات تماما اما اذا كنت تعاني من كشف تسربات المياه وتسليك المجاري الان لا داعي للمعاناه لدينا شركة كشف تسربات المياه بالخبر وشركة تسليك مجارى بالاحساء بدون اي تكسير او تخريب في البيت لانهم بعملاء متخصصون في عملهم ولدينا شركة تنظيف بالجبيل وشركة تنظيف منازل بالخبر لكل من يوري نظافة عامة
وللاستفسار او الطلب اتصل ب 0508400941
شركة طيوب لتسليك المجاري تعد الشركة الاولي بالمنطقة الشرقية لتسليك المجاري وشبكات الصرف وبالوعات الصرف للمطابخ والحمامات باستخدام افضل الاجهزة الحديثة وامهر العمالة المتخصصة والمدربة علي تسليك مجاري المياه وسبكات الصرف وفق القواعد الاساسية لتسليك المجاري فتعد شركة طيوب لتسليك المجاري خير صديق لراغبي تسليك مجاري المياه فلديها افضل شركة تسليك مجاري بافضل جود وارخص الاسعار بجميع مدن ومحافظات المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية فلدينا الخدمات الاتية
شركة طيوب لتسليك المجاري
شركة طيوب لتسليك المجاري بالقطيف
شركة طيوب لتسليك المجاري بالدمام
شركة طيوب لتسليك المجاري بالخبر
شركة طيوب لتسليك المجاري بالجبيل
شركة طيوب لتسليك المجاري بالاحساء
طيوب للمجاري
طيوب لتسليك المجاري بالقطيف
طيوب لتسليك المجاري بالمنطقة الشرقية
"> A sofa cleaning company in Hail
A carpet cleaning company in Hail
Tank cleaning company in Hail
Hail Cleaning Company
إرسال تعليق