السبت، 1 ديسمبر 2012

إشكالية علم الغيب والارادة الالهية والتخيير والتسيير

نعم أيها السادة ...

هذه إشكالية وقع بها أسلافنا واختلفوا عليها ووتنافروا وتناحروا وتفرقوا بسببها وهي والله أبسط وأسهل وأهون بكثير من أن يعملوا ما عملوه بسببها ..  فظهرت فرق عديدة  ومدارس متنوعة ما بين التخيير المطلق وما بين التسيير (الجبر) المطلق

وقد تطرق القرآن الكريم لهذه الاشكالية بشكل واضح في عدة آيات (لمن يفهمها ويعيها وعيا جيدا وناضجا) 
  • "سيقول الذين أشركوا  لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء" ... صدق الله العظيم 
  • "وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ" ... صدق الله العظيم
  •  إرادة الله ومشيئته وحكمته .. وهي كلمة حق ولكن يساء فهمها واستخدامها خارج سياقها كما سنوضح لاحقا
  • علم الله بالغيب والمستقبل وما كان (في الماضي) وما هو كائن (الحاضر) وما سيكون (المستقبل) 
  • الخلط بين القوانين الكونية والأزلية والإلهية التي تتحكم بالأشياء وبالطبيعة وبالكون ضمن ما تضعه معرفتنا البشرية تخت مسمى الحقائق العلمية والمنطقية والسببية ، والتصرفات والأفعال والاختيارات والقرارات التي تتعلق بنا كبشر مكلفين ومحاسبين ضمن قوانين الشرع في الدنيا والعدل الالهي في الآخرة ! 
  • عدم استيعاب حقيقة مفهوم الزمن (الماضي والحاضر والمستقبل) كمفهوم أرضي بشري ينطبق علينا كجنس بشري في هذه الحياة الدنيا على هذه الأرض .. وأنه من الخطأ الفادح أن نحاول تطبيق هذا المفهوم للبعد الزمني على الذات الالهية ! ففي علم الله لا يوجد شيء إسمه بعد زمني ولا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل 
  •  وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ  ... صدق الله العظيم : النجدين أي الطريقين (طريق الخير وطريق الشر)  والله سبحانه وتعالى لم يجبرنا على خير ولا على شر .. ولكنها قراراتنا واختياراتنا ولهذا فنحن محاسبون عليها
  • فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .. صدق الله العظيم .. وهذا يعني من حيث المبدأ أن الانسان (أي إنسان) يستطيع أن يعمل عمل الخير ويثاب عليه ، أو يعمل عمل الشر فيعاقب عليه
  • وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ..  صدق الله العظيم ..   والشاهد هنا أن بني آدم تشمل جميع البشر من آدم إلى يوم القيامة .. من ولدوا ومن لم يولدوا بعد   .. فكيف يتكلم الله سبحانه وتعالى بلغة الماضي (أخرج وأشهد) عن بشر لم يولدوا بعد ؟؟؟ 
  • إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ... صدق الله العظيم  ... يقول علماء اللغة أن حرف العطف "الفاء" يفيد السببية والترتيب والتعقيب ... وعلى هذا "فيكون" تفيد أن كينونة الشيء تأتي بعد الفاء أي بعد الإرادة  .. فإذا لم يكن الشيء قد صار بعد، فما هو الشيء الذي يخاطبه الله تعالى بفعل  الأمر "كن" ؟  وقد كان للشيخ علي الشعراوي محاضرة شيقة حول هذا الموضوع .. ولكني أؤكد أن فهم هذا الموضوع سيستقيم إذا سلمنا بأن مفهوم الزمن مفهوم بشري أرضي لا ينطبق على الذات الإلهية !!
فهؤلاء ربطوا (زورا وبهتانا) أفعالهم وقراراتهم وكفرهم وشركهم بمشيئة الله ..  وقد كذبوا والله !! ومثلهم من يقتل أو يسرق أو يزني أو يظلم الناس ثم تسأله "لماذا تفعل ذلك ؟؟: فيقول - باللهجة المصرية - "ربنا عايز كده"   ... وقد كذب هؤلاء أيضا ولم يفهموا الأمر على حقيقته! ومن يقول هذا الكلام فقد "تقول" على الله ما لا ينبغي له ... وكأنه يقول أن الله "أراد" لهؤلاء الناس أن يكفروا أو يشركوا أو يسرقوا أو يقتلوا ... ومن ثم يحاسبهم الله على شيء قد كتبه الله عليهم ولم يكن لهم مفر منه لأنه لا مفرمن إرادة الله !!!  فما هذه العبثية وما هذا الظلم ... تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا !! 

ومثلهم من يحمل العقلية التبريرية التسويغية لكل ما يجري في هذه الحياة بإرادة الله ومشيئته ... فاحتلال الأوطان بمشيئة الله ، وتسلط الكافرين على المؤمنين لحكمة يريدها الله، وتولي الفاشلين والمقصرين والمهملين ومن لا يستحقون مقاليد الأمور بإرادة الله ..  وعلى هذا فلا يحق لمؤمن أن يعترض على إرادة الله ومشيئته وحكمته !!

وهذه الاشكالية تقوم أساسا على الخلط المتعمد أو غير المتعمد بين جانبين مختلفين: - 
أما سبب الخلط فهو عدم القدرة على التمييز بين علم الله المسبق بحدوث الأشياء (قبل حدوثها) وإرادته (من عدمها) بحدوث هذه الأشياء !!  

ولهذا الخلط جانبان لا بد لي من التطرق إليهما لتوضيح الموضوع :- 
ولنأخذ بعض الأمثلة من كتاب الله تعالى على هذه الجوانب الاشكالية :- 
أرجو أن أكون قد وفقني الله لإلقاء بعض الضوء على هذه الاشكالية الجدلية 
والله من وراء القصد !

  
 
  

ليست هناك تعليقات: