دراسة تسلط الضوء على الإشكالات الروائية في مسألة صيام يوم عاشوراء!
قبل الدخول في البحث علينا أن نعرف الفرق بين يومي "كيبور" أو الغفران وبين عيد الفصح أو "پيسَح" اليهوديين وفي أيهما يصوم اليهود:
ما هو يوم الغفران أو كيبور
اليهود يصومون يوم 10 (تشري) وهو اليوم العاشر من الشهر العبري الأول (تشري) في السنة العبرية وبحسب التراث الحاخامي، فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه موسى من سيناء، للمرة الثانية، ومعه ألواح الشريعة، وهو يوم غفران خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي. وعيد يوم الغفران هو العيد الذي يطلب فيه الشعب ككل الغفران من الإله، وهذا اليوم الوحيد في السنة الذي يصومه اليهود.
ما هو يوم عيد الفصح أو پيسَح اليهودي:
(عيد الفصح أو پيسَح) هو أحد الأعياد الرئيسية عند اليهود، ويحتفل به لمدة 7 أيام بدأ من 15 أبريل حسب التقويم اليهودي وهو يوم إكتمال القمر الأول عند الإعتدال الربيعي، لإحياء ذكرى خروج بني إسرائيل ونجاتهم من فرعون وبطشه كما جاء في سفر الخروج، وهذا اليوم ليس بيوم صيام بل هو يوم بهجة وفرح واكل وشرب عندهم.
كيف تتناقض هذه الحقائق مع روايات صوم عاشوراء الإسلامي:
الروايات الإسلامية وتحديدأ السنية تفيد بأن الرسول عليه السلام شاهد اليهود في المدينة وهم "يصومون" يوماً إحتفاءاً بنجاة النبي موسى وقومه من فرعون وبطشه.
الروايات:
عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم ،فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" . وفي رواية: " فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه" . وفي رواية أخرى: " فنحن نصومه تعظيماً له" . أخرجه البخاري (4/244 ) ومسلم (1130)
ومع أن هناك رواية آخرى تناقض الرواية أعلاه تفيد بان الرسول عليه السلام إنما لاحظ صيام اليهود في السنة العاشرة للهجرة !
نص الرواية: " حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " . أخرجه مسلم (1134) ، وأبو داود (2/327) (ح2445)، وأحمد (1/236)، وابن أبي شيبة (2/314)، (ح9381)، والطحاوي (2/78)، والطبراني (11/16)، (ح10891)، والبيهقي (4/287).
ومعلوم ان الرسول توفي عام 11 للهجرة، إذن هذه الرواية المنسوبة لإبن عباس لا بد وأن تكون قد حدثت في العام العاشر للهجرة و ليس في عام وصول الرسول للمدينة كما تذكر الرواية الأولى؟؟!!.
تناقض الروايات مع طبيعة اعياد كيبور والفصح اليهوديين
وأياً يكن من أمر، فإن كلتا المرويتين تفترضان أن اليهود كانت تصوم ذلك اليوم إحتفالاً بنجاة نبي الله موسى وقومه من بطش فرعون، وهو اليوم الذي يعرف بعيد الفصح أو پيسَح عند اليهود وهو ليس يوم صيام كما وضحنا أعلاه.طبعاً يبقى إحتمال أن يكون الرسول رأى اليهود تصوم يوم "كيبور" او الغفران وهو يوم الصيام الوحيد عندهم شكراً لله على مغفرته لهم بسبب عبادتهم للعجل وبرجوع موسى ومعه ألواح الشريعة، وهنا لا بد من إفتراض أن اليهود خدعوا الرسول عليه السلام ولم يخبروه بحقيقة يوم "كيبور" بل أوهموه ان هذا هو يوم فصحهم، وان الرسول صدقهم وأمر المسلمين بصيامه خطئاً إبتهاجاً بنجاة موسى من فرعون، كما تفترض الرواية التي إن صدقناها فإننا سنكون بذلك قد طعنا في نبوة خاتم المرسلين وإتصاله بخبر السماء.
تناقض آخر: روايات تفيد بفرض صيام عاشوراء ثم نسخه بعد فرض صيام رمضان
هناك روايات أخرى تفيد بأن صيام يوم عاشوراء كان من عادات قريش قبل الإسلام وأن الرسول (ص) صامه قبل وبعد هجرته إلى المدينة وأنه عليه السلام قد ترك صيام يوم عاشوراء بعد نزول تشريع صوم رمضان.
الروايات: عن ام المؤمنين عائشة أنها قالت " كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه...."أخرجه البخاري (4/244) (ح2001) ، (2002) ، ومسلم (1125) ، وأبو داود (2/326) (ح2442)، والترمذي (2/118) (ح753) ، ومالك في "الموطأ" (1/299) ، وأحمد (6/29، 50، 162) ، وابن خزيمة (2080).
وفي رواية لمسلم: " كان يوماً يصومه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تركه" . أخرجه البخاري (8/178) (ح5403) ومسلم (1127).
كذلك هناك حديث ابن مسعود عن علقمة بن قيس النخعي، أن الأشعث بن قيس دخل على عبدالله بن مسعود، وهو يطعم يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبدالرحمن ، إن اليوم يوم عاشوراء، فقال: ""قد كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك"أخرجه البخاري (8/178) (احمد5403) ومسلم (1127.)
فكيف تستقيم هذه الروايات اعلاه والروايات الأخرى التي تفيد ان الرسول عليه السلام كان يحرص على صيام عاشوراء إلى وفاته بل إنه نوى إلحاقه بيوم تاسوعاء في عامه المقبل إلا انه توفي عليه السلام قبل ذلك!!!!
هل نحن امام تحدي إما أن نلغي بعض هذه الروايات أو نلغي عقولنا!
ملاحظة حسابية:الغريب أنه حتى إذا إفترضنا ان الرسول قد لاحظ ان اليهود تصوم يوم كيبور في 10 تشري وأن ذلك صادف 10 محرم، فأمر بصيامه وأن الزيادات المتعلقة بنجاة موسى وقومه في ذلك اليوم زيادات غير صحيحة مضافة إلى أصل الحديث،
فإن ذلك يستحيل أيضاً لأن 10 تشري العبري لم يصادف أبداً يوم 10 محرم هجري منذ السنة الأولى لهجرته إلى سنة وفاته عليه الصلاة والسلام في 11 للهجرة.
وإليك الجدول التالي الذي يُبين هذه الاستحالة:هاجر الرسول إلى المدينة في ربيع الأول سنة 1 هجرية.
10 محرم 2هجرية يوافق 13 يوليو 623م - Tamuz, 4384 عبري
10 محرم 3هجرية يوافق الجمعة 21 يونيو 625 م 6-Tamuz, 4385 عبري
10 محرم 4هجرية يوافق الثلاثاء 10 يونيو 626 م 6 -Tamuz 4386 عبري
10 محرم 5هجرية يوافق الأحد 31 مايو 627 م 7- Sivan, 4387 عبري
10 محرم 6هجرية يوافق الجمعة 20 مايو 628 م 8 - Sivan, 4388 عبري
10 محرم 7هجرية يوافق الثلاثاء 9 مايو 629 م 8 - Iyyar, 4389 عبري
10 محرم 8هجرية يوافق الأحد 29 إبريل 630 م 8 - Iyyar, 4390 عبري
10 محرم 9هجرية يوافق الخميس 18 إبريل 631 م 8 - Iyyar, 4391 عبري
10 محرم 10 هجرية يوافق 8 إبريل 631 م 28- Nissan 4392 عبري
فسبحان الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق