خلاصة الوضع الحالي و رسائل متناقضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ما بين متفائل يعتقد أن النصر بات قاب قوسين أو أدنى وما بين متشائم يعتقد أن الهزيمة حلت ولم يعد هناك الا الاستسلام لشروط وإملاءات العدو !
المستمع لحديث وتصورات ورؤية واشتراطات وإملاءات العدو يعتقد أن المعركة قد حسمت بانتصار كاسح وأن المقاومة قد رفعت الراية البيضاء ووقعت وثيقة الاستسلام،
والواقع يقول أن هذا لم يحصل .. فلا أحد وقع على أي وثيقة استسلام ولم ترفع المقاومة الراية البيضاء والحرب لم تحسم بعد والمعارك لا تزال مستمرة وجبهاتها تتوسع وتتدحرج خارج غزة اقليميا ودوليا !
أما المتفائلون فهم يربطون تفائلهم بفكرة أن انتصارهم لا يكون بالضرورة بالقضاء على الخصم، وانما في إفشاله في تحقيق أهدافه المعلنة والتي تمثل التعهد بالحد الأدنى الذي يمكن العدو من إعلان انتصاره السياسي !
وكما قلنا سابقا، فإن الأفق حاليا منغلق تماما تجاه أي حل سياسي قريب محتمل لأن الهوة بين الطرفين لا تزال شاسعة ولم ينجح أي أحد في تجسيرها باتفاقية تكون مقبولة لكلا الطرفين !
وبالنظر إلى الواقع وبلغة الحقائق المجردة عن العواطف والأماني، فإن كلا الطرفين (الفلسطيني والاسرائيلي) يعتقد أنه دفع ثمنا باهظا غير مسبوق في تاريخ الصراع، وأن هذا الثمن الذي تم دفعه مسبقا (حاليا) في ساحات الحرب لا بد وأن يتبعه انتصار سياسي واضح يقدمه كل طرف إلى جمهوره كمبرر للثمن وللبقاء السياسي في السلطة وفي صلب المشهد السياسي !
وهذا ينطلق على الطرفين: حماس/المقاومة بشكل عام في قطاع غزة والضفة الغربية وجبهة الاسناد خارج فلسطين، وكذلك الحكومة الاسرائيلية الحالية بكل تطرفها وبطشها واجرامها بحق المدنيين في هذا الصراع !
الاشكال هنا هو أن كلا الطرفين لا يقبل ولا يستطيع أن يوافق على أي اتفاقية تفوح منها رائحة الهزيمة والانكسار بسبب التداعيات المستقبلية المؤكدة لهكذا إشارة في مستقبل ومصير هذا الطرف أو ذاك الذي يقبل بهكذا اتفاق !
ولهذا وضمن هذا الاتغلاق السياسي، فإننا نرى مزيدا ومزيدا من التصعيد العسكري في كافة الجبهات (بما فيها اللبنانية واليمنية والعراقية ومن ورائهم إيران) ، ومزيدا من التصعيد والقسوة والوحشية من طرف العدو أملا في تحقيق نصر اللحظة الأخيرة وانكسار ظهر المقاومة وانفضاض الحاضنة الشعبية عنها !
وكذلك تزداد المناورات والتكتيكات السياسية/العسكرية من خلال مبادرات مشبوهة كموضوع الميناء المؤقت الذي أعلنت عنه أمريكا والذي يفترض أن يتم إنشاؤه خلال شهرين .. ميناء في ظاهره الرحمة والرغبة في ايصال المساعدات الانسانية للمدنيين في غزة، وفي باطنه الخداع والخبث السياسي الصهيو_أمريكي لرسم واقع جديد في قطاع غزة !
والمراقب والمطلع على طريقة تفكير وتخطيط العدو ورؤيته المستقبلية لليوم التالي (بعد انتهاء الحرب) وخططه لوضع وعلاقة قطاع غزة بالكيان الصهيوني يدرك مواطن عديدة للخبث السياسي الكامن وراء هذا المشروع ، خاصة وأن المؤقت سيصبح في اعتبارهم دائم، وأن الاستخدام الانساني سيتوسع ويمتد الى التجاري وربما العسكري في مرحلة لاحقة، وأن ما يبدأ كرصيف بحري عائم أو ميناء مؤقت سيتحول الى قاعدة بحرية عسكرية أمريكية إسرائيلية تتولى مسؤولية الحفاظ على استقرار الاوضاه بما يخدم المصلحة الصهيو_أمريكية !
وأما موضوع الخلاف المزعوم بين الأمريكي (إدارة بايدن) والاسرائيلي (حكومة نتن-ياهو) فهو على الأسلوب وعلى الشكل وعلى الطريقة وليس على الفكرة الأساسية والهدف النهائي .. فلا يجب أن ننسى ولا أن ننخدع بما يسربه الاعلام حول هذا الخلاف .. ولا يجب أن ننسى أن تخلي بايدن عن نتن-ياهو (وهذا أمر محتمل بالطبع) لا يعني بالضرورة أن تتخلى أمريكا أو أي رئيس أمريكي (ترامب مثلا) عن كيان إسرائيل .. فهذا شيء وذاك شيء آخر ! أللهم إلا مضطرة و "بالكندرة" حسب التعبير الشعبي !
أعود إلى موضوع الميناء الأمريكي (الانساني !) وما يكمن وراءه من دلالات وإشارات، فمن الواضح أنهم (أي الأمريكان والاسرائيليين) قد لعبوا هذه الورقة بمهارة وذكاء .. وهم بهذا ضربوا وترا حساسا في تماسك ووحدة الصف الفلسطيني من خلال التنبيش عن نقاط الضعف والخلاف والتنافس والصراع بين اللاعبين والمؤثرين المختلفين في غزة.. ومنهم :-
- محمد دحلان كواجهة متقدمة للمصالح والرؤى الاماراتية لمستقبل القطاع وخاصة من منظور اقتصادي يتماشى مع مشروع الكوريدور الاقتصادي الهندي وعلاقات الامارات (الخاصة) مع الهند واسرائيل !
- سلطة رام الله وما يشاع عن دور محتمل لها في الادارة المدنية لقطاع غزة على شاكلة الادارة منزوعة السيادة في الضفة الغربية لهذه السلطة، وتأتي إسرائيل لتمد الجزرة أمام وجه هذه السلطة من خلال الكلام عن تعيين مدير المخابرات الفلسطيني حاكما مدنيا لقطاع غزة !
- الخصوم السياسيين لحماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة وكثير من هذه الخصومات تندرج تحت بند المساس بالمصالح الشخصية لهؤلاء الخصوم ، أو لاختلاف وجهات النظر بين من يقبل بوجود اسرائيل وبين من يريد أن يتصدى لها ويحاربها
- القوى العشائرية الفلسطينية في غزة ومحاولة اسرائيل التقرب منها من خلال عرب النقب الذين يتولون مناصب رسمية في دولة الاحتلال، ومن خلال محاولات شراء الذمم سياسيا لرموز هذه العشائر لمواجهة حماس والمقاومة ، على طريقة كرزاي في أفغانستان أو لحود في جيش لبنان الجنوبي
- فئة رجال الأعمال والمؤسسات التجارية الغزاوية .. المتجردة من أي أجندات وطنية ولا يهمها إلا الأعمال والبزنس .. ويأتي هذا من خلال أمريكا بشكل رئيسي من خلال مد الجزرة أمامهم لإنشائ الرصيف البحري للميناء وبعمق 350 متر داخل البحر، وكذلك من خلال اعتمادهم ليكونوا وكلاء استلام وتوزيع المساعدات الانسانية على سكان غزة
وفي مواجهة هذا كله، نجد أن حماس الحركة والسلطة في قطاع غزة في موقف حرج وحساس ودقيق تجاه موضوع الميناء، مما يجعلها تتحرج من مهاجمته وإفشاله عسكريا عند الضرورة (وهذا شيء ممكن ومتاح) ولكنها ومن زاوية أخرى لا تريد أن تتهم بأنها لا تشعر بمعاناة المدنيين من أهل غزة وأنها لا تتعاطف معهم وأنها لا تسمح بالحلول الانسانية لهذه المعاناة !
ومن ناحية أخرى وفي الجبهات الأخرى وخاصة جبهة جنوب لبنان، فإن دائرة الضوء تتجه اليها وتتركز عليها أكثر فأكثر، وذلك لعدة عوامل وأسباب أذكر منها
- إدراك حزب الله التام أن الدور سيأتي عليه لا محالة في حال هزيمة حماس وإخراجها من المشهد السياسي ومن ساحة الصراع، فهذا (لا سمح الله) سيجعل حزب الله يفقد حليفا رئيسيا هاما، مما سيسمح لاسرائيل ويشجعها على التوجه الى الجبهة اللبنانية والتركيز عليها لتقليم أظافر الحزب وابعاده الى ما وراء الليطاني وتدجينه وتحويله الى حزب سياسي بعد القضاء على قوته العسكرية !
- إدارة المعركة العسكرية والسياسية من قبل حزب الله بذكاء وفطنة سياسية لا تخفى على عين المراقب الخبير في هذه المواضيع، فهو من ناحية لا يتسرع غي بدء حرب شاملة وإن كان البعض يتمناها وذلك لاعتبارات الوضع السياسي الداخلي في لبنان واعتبارات أخرى على المستوى الاقليمي قد أتوسع فيها فيما بعد، وهو أيضا لا يفرط في واجب الاسناد والمشاغلة والتصعيد التدريجي ضمن قوانين اللعبة وشروظ وتفاهمات الاشتباك بينه وبين العدو ... وهذه أشياء أستطيع أن أتوسع فيها مستقبلا إن شاء الله !
- الادراك الكامل والوعي التام بمغزى قصة الثيران الثلاثة، وأن الانتهاء من الثور الأبيض في غزة سيتلوه التوجه لبقية الثيران على اختلاف ألوانها وتعدد مناطقها وأماكن تواجدها ... ولهذا فمن غير المسموح إطلاقا سقوط الثور الأبيض !!
- التداعي السياسي والعسكري بين حزب الله وبين إيران، فكما لا يسمح حزب الله بسقوط حماس، فإن إيران لن تسمح بعد سقوط حماس، لأن هذا سيكون انهيار لحلف إيران في المنطقة بمن فيهم اليمن والعراق أيضا لصالح بسقوط حزب الله أمريكا وإسرائيل !
- تدرج وتدحرج حالة التداعي هذه لتشمل روسيا والصين، بحيث يؤدي سقوط إيران وحلفائها في المنطقة الى تمكين النفوذ الصهيو_أمريكي في منطقة الشرق الأوسط وفي مضيق باب المندب والبحر الأخمر والبحر الأبيض المتوسط .. وهذا ما لا تقبله لا روسيا ولا الصين !
وفي نقطة منفصلة وأخيرة، فإن تداخل الجبهات على مستوى العالم يشمل أيضا أوكرانيا وحالة التصعيد الأخيرة بين روسيا والناتو، كما يشمل الصراع في شرق-جنوب آسيا وكذلك في أفريقيا ضد النفوذ الفرنسي تحديدا !
مع ملاحظة أن هذا الصراع العالمي يأخذ شكلا جديدا من أشكال الحرب العالمية وهي الحرب العالمية الثالثة من حيث انتشار الجبهات على مستوى العالم وإن كانت تأخذ مزيحا من الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والاعلامية.
وهذا الصراع في جوهره هو ضمن قانون التغيير والتطور الذي لا بد أن يطال الأوضاع السائدة عالميا كنتيجة مباشرة للحرب العالمية الثانية .. وهي لا بد أن تأخذ في عين الاعتبار التغيرات الجذرية العميقة التي حصلت في موازين القوى العالمي في العقود الأخيرة منذ انتهاء الحرب العالمية وحتى الآن !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق