الأحد، 1 مارس 2020

فيروس الكورونا .. أكثر من مجرد مرض وبائي

فيروس الكورونا ...  وآثاره الكارثية المحتملة

ينظر البعض إلى فيروس الكورونا على أنه مجرد فيروس .. وأنه بسيط ... وليس خطير ..
ويكتفي البعض بمتابعة الموضوع على أنه "مجرد خير" أصاب الغير ولن يصيبنا .. وأننا بشكل أو بآخربمعزل عنه ولن نتاثر به
بل وأن الكثيرين يستخفون بالموضوع ويرون أنه ليس بخطورة السارس أو انفلونزا الخنازير أو الطيور أو الايبولا أو الايدز !
ولربما ينظرون للموضوع باستخفاف بسبب نسبة الوفيات المنخفضة نسبيا قياسا بعدد الاصابات !!

ولكن الموضوع أكبر بكثير من هذه التصورات السطحية المستخفة بالموضوع .. وذلك من عدة جوانب 

وأبدأ بالجانب الطبي ... 

فإن نواحي الخطورة تكمن في سرعة وسهولة انتشار الفيروس .. وتعدد وسائل الاصابة به .. وفترة حضانته الطويلة نسبيا .. بحيث أن المصاب قد ينشر المرض لمن حوله ومن يختلط بهم ويحتك بهم قبل أن تظهر أعراض المرض عليه !!
ولا شك أن حقائق انتشار المرض واتساع رقعته عالميا في وقت قياسي تثبت هذا الشيء وتؤكده 

وأنتقل إلى الجانب المجتمعي والانساني

وهنا يوجد الكثير الكثير للحيث عنه .. سواء بما يتعلق بالأثر الفردي الشخصي العائلي  المتعلق بالاصابة أو نقل العدوى أو خسارة العمل ومصدر الدخل ..  وزيادة المصاريف الطبية خاصة في القطاع الخاص ..
وبما يتعلق بالمجتمع ... فإن لهذا الموضوع آثاره ونتائجه حتى على مستوى العرف والعادات المجتمعية بما يتعلق بالتنقل والاختلاط والمجاملات والمناسبات الاجتماعية من أفراح ومآتم ومناسبات وممارسات دينية جماعية ومباريات رياضية وتعطيل محتمل للدراسة في المدارس والجامعات ... وغيرها الكثير !!

وأنتقل إلى الجانب الاقتصادي ... 

فإن الأضرار الاقتصادية الحاصلة الآن والمتوقعة مستقبلا تنذر بشر مستطير إذا استمرانتشار المرض عالميا بهذه الوتيرة ،، خاصة وأن أضراره قد طالت وستطال العديد من النشاطات والقطاعات الاقتصادية وعجلة الانتاج الغذائي (الزراعي والحيواني) والصناعات بمختلف أنواعها ... وينعكس ذلك على حركة النقل والمواصلات وشحن البضائع والطيران والتأمين وحلقات التزويد الاقليمية والعالمية  

وفي الجاتب الاقتصادي غير المباشر .. فإن تعطل حركة الانتاج (والاستهلاك) يضع ضغوطا إضافية عل المؤسسات والأفراد .. وقد يؤدي إلى فقدان الوظائف والدخل المعيشي وخسائر الشركات والمؤسسات وربما إغلاقها ... ولهذا فإن الدول المتضررة بشكل كبير كما هو الحال مع الصين وجدت نفسها مضطرة لضخ كميات كبيرة من المال إلى هذه المؤسسات لمنع انهيارها وإغلاقها أو الاستغناء عن الموظفين فيها !

وفي عالمنا العربي .. سيكون الأثر واضحا وبالغ الخطورة إذا استمر الوباء أكثر من المتوقع ...فبلادنا العربية مستهلكة بشكل رئيسي أكثر منها منتجة .. وإذا تعطلت الواردات والصادرات بشكل كبير بسبب تعثر حلقات التزويد .. وربما بسبب نقص السيولة المالية لتمويل شراء المستوردات المختلفة .. فسنرى آثارا كارثية على مستوى العالم العربي وخاصة الدول الفقيرة متدنية الدخل 

نداء ملح لمن بيدهم الأمر للتدخل الأن قبل قوات الأوان
فلا بد لمن بيدهم الأمر أن يتصدوا للموقف وآثاره المحتملة على بلدانهم وشعوبهم وأن يتخذوا الاجراءات المطلوبة من باب الاحتياط ..  قبل أن تأتي الفأس في الرأس كما يقول المثل .. ولن يكون مقبولا منهم تجاهل المشكلة أو إنكارها أو التهوين من شأنها أو التهاون في التعامل مع آثارها المحتملة سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد .. ولن يفيدهم ولم يفيدنا دفن الأس في الرمال ولا التطنيش المعهود من هذه الجهات ... فالوضع قد ينقلب بين لحظة وأخرى إلى مأساة كارثية 

تفعيل خطط الطوارئ  الوطنية والاقليمية

لقد تعلمنا دروسنا من التجارب وخاصة التجارب الفاشلة والمريرة في التعامل مع الكوارث من خلال خطط طوارئ فعالة ومرنة وكفؤة تتعامل مع التطورات والمستجدات بشكل سريع وحاسم .. وباللجوء إلى القرارات الصعبة في كثير من الأحيان 

وهناك ومن باب العصف الذهني حول موضوع خطط الطوارئ .. الكثير من الأسئلة التي يجب أن تطرح
  • هل تلجأ الحكومات مثلا إلى إغلاق الحدود  ووقف السفر بينها وبين دول تمثل خطرا محتملا في نقل الفيروس؟
  • وماذا عن الدول الأخرى والتي قد لا نشك فيها ولكن الخطر وارد ومحتمل منها ؟  طبعا بسبب التنقل المستمر للبشر بين هذه الدول لسبب أو لآخر؟
  • هل تقدر الحكومات على غلق مدن بكاملها ومناطق جغرافية وأقاليم واسعة إذا اقتضى الأمر ؟ 
  • وهل لديها الاستعداد والجهوزية لضمان استمرار الحياة ولو في حدها الأدنى في هذه المناطق ؟؟ 
  • هل لدى هذه الدول والحكومات الحد الأدنى من المخزون الاستراتيجي لأساسيات بقاء الحياة واستمرارها طيلة الفترة المتوقعة لاستمرار الأزمة ؟  مواد غذائية ؟  أدوية ؟  وقود ؟ سيولة نقدية بالعملة المحلية والعملات الصعبة ؟  الذهب والمعادن الثمينة ؟  قطع الغيار الحرجة للبنية التحتية  من ماء وكهرباء واتصالات ومواصلات عامة ؟ ..
  • هل تستطيع الحكومات اتخاذ قرار بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات ؟؟  ولمدة كم ؟؟  وما هي الأثار المتعلقة  بهذه الاجراءات والناجمة عنها ؟
  • هل تستطيع الدولة والمجتمع من اتخاذ قرارات صعبة بما يتعلق بالتجمعات سواء كان ذلك للمناسبات الاجتماعية من أفراح ومآتم .. أو تجمعات دينية من صلاة جماعة وجمعة إلى عمرة وحج  .. أو حفلات فنية ومباريات رياضية 
  • هل هناك المستوى المطلوب لدى الأفراد والأسر لخطط الظارئ الخاصة بهم ؟؟  هل لديهم سيولة نقدية كافية ؟  أغذية ؟  أدوية ؟  وقود .. إلخ 
هذا الكلام لا يأتي من فراغ 

قد يأخذ القارئ انطباعا خادعا أن هذه الصورة سوداوية قاتمة حالكة الظلام بلا داعي .. ولهؤلاء أقول أن "فلسفة خطط الطواري" تقوم على الاستعداد للأسوأ مع التمني والأمل أنه لن يحصل وأن الواقع سيكون أفضل !!  وقد تعلمنا هذا الشيء في تحضير خطط الطوارئ الناجحة والفعالة والمرنة التي تستطيع أن تتكيف وتتعامل مع المستجدات والتطورات بدون أن نتفاجأ بها ولا نعرف كيف نتصرف ..
وسواء كانت خطط الطوارئ للتعامل مع كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات أو كوارث من صنع البشر كالحروب والكوارث الصناعية  أو بسبب تفشي الأوبئة .. أو أي سبب آخر .. فإن الفلسفة الأساسية لخطط الطوارئ تبقى كما هي ..
  • محاولة منع الكوارث من الأصل وتقليل احتمال حدوثها إلى الحد الأدنى
  • التعايش مع الكوارث أثناء حدوثها وتطورها وتفاعلها وضمن مستجداتها  ... وذلك بهدف تقليل الأضرار والآثار السبية قدر الامكان وعلى كافة الأصعدة 
  • استرجاع الوضع الطبيعي والتعافي من الآثار والنتائج السلبية بأكبر سرعة ممكن وبأقل ثمن وجهد ممكن 
  • التعلم من التجربة وأخذ الدروس والعبر لتحسين مستوى خطة الطوارئ والرفع من كفائتها وفعاليتها وتلافي المشاكل والمعوقات التي يتم اكتشافها فيها 
ولي شخصيا والحمد لله خبرة ممتازة وباع طويل في هذا الموضوع  ولا يقتصر ذلك على خطط طوارئ على الورق وإنما الأخذ بجميع الأسباب الممكنة والمعقولة والمنطقية للتحضير لخطط الطواري والتجهز لها والتدريب عليها ووضعها موضع التنفيذ 

ليست هناك تعليقات: